حسب النتائج شبه النهائية، سجل بنيامين نتنياهو، الإثنين، إنجازاً كبيراً، ويتملكه غموض كيف سيترجم نجاحه إلى انتصار سياسي. مساعدو نتنياهو يعملون الآن بشكل حثيث على تجنيد منشقين محتملين من كتلة الوسط – يسار. ومجرد حقيقة أن هذا الاحتمال يبحث الآن دون أي خجل وعلناً إلى جانب ما نشر حول محاولة الليكود ابتزاز عضوة كنيست من “أزرق أبيض” والتهديد العلني لقضاة المحكمة العليا هو من العلامات البارزة لعهد نتنياهو. هذه الهاوية لا قعر لها حتى يُرى.
خلال الليل وفي الصباح تذبذب ميزان القوى بين الكتل. كتلة اليمين والأصوليين حصلت حسب التقديرات المتغيرة على 58 – 61 مقعداً. وبين هذين الرقمين يكمن الفرق. بين حكومة يمينية ضيقة يستطيع نتنياهو تشكيلها بسرعة، وبين شلل يمكن أن يؤدي إلى جولة انتخابات رابعة خلال سنة ونصف. البديل الثالث الذي تأتي الدعوة لتطبيقه، في هذه الأثناء من وسائل الإعلام، هو حكومة وحدة من الحزبين الكبيرين. وهذا يمكن أن يحدث بسبب تعب الجمهور أو الخوف من حملة انتخابات رابعة أو ذريعة خارجية (تفشي فيروس كورونا أو تصعيد أمني فجائي).
لقد نجح نتنياهو في العودة إلى السياسة من وضع ميؤوس منه تقريباً، بعد حملتين انتخابيتين فاشلتين في نيسان وأيلول، وتقديم لائحة اتهام ضده للمحكمة في كانون الثاني الماضي. في الوقت الحالي، من المهم بالنسبة له تخليد رواية الانتصار العظيم، حتى لو لم تساعد الأرقام في ذلك. قنوات التلفاز الثلاث ونتائج العينات التي توقعت 60 مقعداً لكتلة اليمين، تعاونت معه في البداية. الدراما تظهر بشكل أفضل مع فائزين وخاسرين واضحين، لكنها أيضاً تمهد الطريق أمام موقف أفضل لنتنياهو في المفاوضات الائتلافية. وقد ساهم في نجاح نتنياهو في الانتخابات الثالثة فشل بني غانتس المتكرر والمتواصل. واستناداً إلى 20 سنة من التجربة، يمكن القول عن غانتس بأنه شخص محترم ولطيف، وشريك مثالي في رحلة على الدراجات النارية في أرجاء أمريكا. ولكنه كمرشح لرئاسة الحكومة؟ سنقول إنه ليس واضحاً ما إذا كان يريد هذا المنصب. الجولات الثلاث كشفت نقطة ضعف أخرى لغانتس، كانت معروفة من فترة ولايته المعقولة، ولكن غير الرائعة، لرئاسة الأركان. غانتس ليس بالشخص الحاسم، مثلما وصفه أحد ما. “هو من الأشخاص الذين عندما تسأله ماذا سيأكل اليوم في الظهيرة، يجيب: سأعود إليك خلال 24 ساعة”.
حملة “أزرق أبيض” كانت مشتتة ومشوشة واعتبارية. فقد انجر وراء الليكود الذي أملى طوال الوقت المواضيع التي احتلت مركز النقاش العام. نقطة حضيضه كانت في خضوعه لادعاء الليكود الذي يقول إن الحكومة مع العرب هي حكومة غير شرعية.
غانتس نفسه كان هدفاً لحملة التشويه غير المسبوقة لليكود. رئيس الأركان السابق وجد صعوبة في صد التشويهات المنهجية لليكود، بأنه متلعثم ومتردد وغير ثابت، وربما حتى سلامته العقلية مشكوك فيها؛ وهناك روايات محرجة في ماضيه، إذا تم الكشف عنها فستفاجئ الجمهور. بعد ما مر به غانتس، من الصعب رؤية أحد من أصدقائه يتطوع ليحل مكانه ويدخل مع نتنياهو إلى ساحة الوحل للمرة الرابعة. في هذه المرحلة، أصبح من الواضح أن نتنياهو لا يترك أي شيء في الطريق إلى تحقيق هدفه.
العودة إلى صفقة القرن
قبل شهر تقريباً، بعد عودته من القمة مع الرئيس الأمريكي ترامب، حاول مساعدو نتنياهو أن يسوقوا للجمهور عملية خاطفة تقوم إسرائيل في إطارها بضم أجزاء من الضفة الغربية بموافقة أمريكية. ولكن هذا لم يحدث؛ لأن الرئيس الأمريكي، وبالأساس صهره ومستشاره كوشنر، عادا إلى وعيهما. ترامب نفسه اعترض علناً بأنه لا يفهم طريقة الانتخابات في إسرائيل التي لا يوجد فيها حسم واضح. وإذا نجح نتنياهو في مهمته وشكل ائتلافاً بسرعة فسيتم طرح صفقة القرن للنقاش مجدداً. والسؤال هو: إلى أي درجة سيرغب الرئيس في تطبيقها رغم العقبات المتوقعة، حيث ظهرت للإدارة الأمريكية في هذه الأثناء مشكلات ملحة أكثر مثل انتشار فيروس كورونا.
حتى قبل القضايا السياسية، سيكون على الحكومة الانتقالية في إسرائيل إدارة سلسلة المشكلات الأمنية الحساسة وعلى رأسها التوتر على حدود قطاع غزة، والتصعيد الجاري الذي –بصعوبة- يحظى الآن بالاهتمام على الحدود السورية في هضبة الجولان. سينظر الجيش بصبر تشكيل الحكومة، على أمل أن يتم تمهيد الطريق هذه المرة لنقاش جدي للمصادقة على الخطة متعددة السنوات “تنوفا” (زخم). ولكن إذا حقق نتنياهو خطته وشكل حكومة يمينية ضيقة، فإن رئيس الأركان افيف كوخافي يمكن أن يكتشف بأن الفائدة التي تنتظره من مناقشة الخطة متعددة السنوات سيقابلها تعيين كابنت عدواني ومقاتل.
القدس العربي