في خضم صراع محموم بين القوى الشيعية حول اختيار رئيس الحكومة المقبل، كلف الرئيس العراقي برهم صالح، النائب عدنان الزرفي لتشكيل الحكومة، وسط جدل واسع بين القوى الشيعية التي تريد مرشحا ملائما لها ولمشاريعها، في الوقت الذي تتسارع فيه خطوات التصعيد العسكري بين الولايات المتحدة والميليشيات الموالية لإيران، وبالترافق مع تحديات اقتصادية وصحية وأمنية كارثية تواجه البلد.
وقد جاء تكليف صالح، لعدنان الزرفي (رئيس كتلة النصر البرلمانية ومحافظ النجف السابق) بتشكيل الحكومة الجديدة خلال 30 يوما، بعد فشل القوى الشيعية في الاتفاق على مرشح رئاسة الحكومة، وبعد تنحي رئيس الوزراء المكلف السابق محمد توفيق علاوي إثر افشاله من قبل القوى الكردية والسنية وبعض القوى الشيعية.
وفي أول كلمة للزرفي، تعهد بجملة أمور أبرزها التحضير للانتخابات، والعمل على حصر الأسلحة في يد الدولة وإنهاء المظاهر المسلحة، والعمل على “حماية أمن المتظاهرين والناشطين والاستجابة لمطالبهم المشروعة في تحقيق العدالة الاجتماعية” ومكافحة الفساد والتعجيل في إرسال موازنة 2020 إلى مجلس النواب للتصديق عليها بعد إعادة النظر فيها لإيجاد حلول لمعالجة العجز المالي الكارثي فيها، وهي وعود مكررة مع تشكيل كل حكومة جديدة، من دون تحقيق أي نتائج.
وتاريخ الزرفي السياسي يشير إلى أنه من كوادر حزب الدعوة الشيعي وتعرض للاعتقال في النظام السابق وبعد مشاركته في انتفاضة 1991 فر إلى معسكر رفحاء في السعودية ومنها لجأ إلى الولايات المتحدة. وقد عاد بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وعمل ضمن التحالف الشيعي وتقلد مناصب عدة آخرها محافظ النجف ونائب في البرلمان عن كتلة النصر التي يرأسها حيدر العبادي.
وقد قوبل تكليف الزرفي بتشكيل الحكومة، بردود أفعال متباينة، حيث رحبت بالتكليف العديد من أحزاب السلطة وضمنها بعض الكتل الكردية والسنية وبعض القوى الشيعية مثل التيار الصدري، على أمل الفوز بحصة في التشكيلة الوزارية المقبلة.
ولم يكن غريبا اعتراض بعض القوى الشيعية على ترشيح الزرفي، بسبب الصراع الشرس على المنصب الأهم في العراق، ولكون رئيس الحكومة يلعب دورا محوريا في الصراع الإيراني الأمريكي المستعر في العراق، وهو ما جعل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، يقر بأن “صراع السياسيين الشيعة الذي ما عاد يطاق استدعى اختيار مرشح غير مقرب منهم”.
ويقود رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، مجموعة من القوى الشيعية والفصائل المسلحة الرافضة لتكليف الزرفي، الذي يصفونه بأنه صنيعة أمريكية، مهددين بإفشاله وكشف قضايا فساد وقتل متورط فيها، ليكون ثاني رئيس وزراء مكلف، يحاول المالكي الإطاحة به خلال أقل من شهر. واعتبر عراقيون أن القوى الشيعية المعترضة على ترشيح الزرفي، عليها الصمت والخجل من نفسها أمام الشعب، لأنها عجزت عن الاتفاق على مرشح مقبول من بينها، عدا إفشالها ترشيح محمد علاوي أيضا.
أما اللجنة التنظيمية للتظاهرات، فقد وصفت “قيام الرئيس صالح باختيار الزرفي لمنصب رئاسة الوزراء، بأنه استهانة واضحة بعقول العراقيين وتجاهل متعمد لمطالب المعتصمين السلميين الذين أكدوا مراراً وتكراراً أن الذين أسهموا في مؤسسات النظام التشريعية والتنفيذية وكانوا جزءاً من منظومة الفساد التي نهبت أموال العراق، لن يكونوا مقبولين للثوار لشغل منصب رئيس الوزراء”. وتوعدت بتصعيد النشاطات والفعاليات السلمية لإسقاط ترشيح عدنان الزرفي، مذكرة الرئيس صالح بمطالب المعتصمين في “حل البرلمان وتعيين شخصية وطنية مستقلة ليرأس حكومة انتقالية بعيداً عن نظام المحاصصة الطائفية”.
وعلى الصعيد الدولي فقد رحبت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا، بالترشيح على أمل أن يكون لصالح استقرار البلاد وتجاوز بعض أزماتها.
ويربط المطلعون، أزمة تشكيل الحكومة بتصاعد وتيرة الصراع الأمريكي الإيراني في العراق، الذي يبدو أن طرفي النزاع اختارا التصعيد العسكري لفرض إرادتهما، وفق آلية الفعل ورد الفعل، أي الرد الأمريكي بشن الغارات على مواقع الميليشيات عقب كل قصف للمواقع التي يتواجد فيها أمريكان، وبذلك فإن واشنطن قررت أن تخيب آمال حلفاء إيران في العراق، بانسحاب القوات الأمريكية منه، وترك الساحة للنفوذ الإيراني وحده. وتؤشر الإجراءات الأمريكية الأخيرة، لإصرار واشنطن على تعزيز وجود قواتها في العراق، والرد على تزايد الهجمات بصواريخ الكاتيوشا ضدها، بعد يأس واشنطن من قدرة حكومة بغداد على ردع الفصائل المسلحة. وقد حذر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في اتصال هاتفي مع عادل عبد المهدي من أن “الولايات المتحدة ستردّ كما يجب على أي استهداف جديد للأمريكيين” وذلك بالتزامن مع شن غارات وهجمات أمريكية على مواقع الميليشيات الشيعية في مناطق متفرقة من العراق إضافة إلى إعادة توزيع وانتشار القوات الأمريكية بالانسحاب من بعض القواعد وزيادة التمركز في قواعد أخرى، مع وصول الفرقة 101 القتالية، وسط أنباء عن إرسال منظومات صواريخ باتريوت إلى العراق.
ومن المؤكد أن تكليف عدنان الزرفي بتشكيل حكومة مؤقتة (إذا لم يجبر على الاستقالة) لن يكون حلا لأزمات العراق، وسيواجه بتحديات جمة، أبرزها إرضاء الأحزاب الشيعية وكتل البرلمان مقابل تمرير تشكيلة وزارته، وما سيتخللها من ابتزاز ومساومات لنيل أكبر حصة من كعكة السلطة وامتيازاتها، وسط تأكيد المراقبين بأن الخلافات، هي لعبة شيعية مكررة، تهدف إلى ابتزاز رئيس الحكومة، ولإيصال الشارع الثائر إلى اليأس من امكانية المجيء برئيس حكومة مستقل، وبالتالي القبول بمرشح القوى الشيعية والرضوخ للأمر الواقع، ومواصلة هيمنة أحزاب السلطة واستمرار زجها البلاد في الصراع الإيراني الأمريكي على النفوذ فيها.
مصطفى العبيدي
القدس العربي