قيام العملية السياسية في العراق على المحاصصة يجعل عامل الانقسام على أساس الانتماءات الطائفية والعرقية يظهر في كل منعطف سياسي مهمّ في البلد، كما هي الحال في الوقت الراهن حيث يحتدم الجدل ويشتد الصراع على الفوز بأهم منصب تنفيذي في الدولة بين جزء من ممثلي المكوّن الشيعي من جهة، وممثلي المكوّن الكردي من جهة مقابلة.
بغداد – وضع تكليف عدنان الزرفي من قبل الرئيس العراقي برهم صالح بتشكيل حكومة جديدة صقور البيت السياسي الشيعي في مواجهة مباشرة مع صالح لا باعتباره رئيسا للجمهورية، بل باعتباره سياسيا كرديا وممثلا لمصالح أكراد العراق في الدولة وفق منظور أكثر الأحزاب والمنظمات الشيعية تشدّدا وقربا من إيران.
ويصنّف رؤساء أحزاب وقادة ميليشيات شيعية الزرفي ضمن معسكر الموالاة للولايات المتّحدة، ويتّهمون أكراد البلاد وفي مقدّمتهم الرئيس صالح بمحاولة الدفع به إلى رئاسة الحكومة، باعتبار أن القيادة السياسية الكردية أكثر قربا من واشنطن وترى في رئيس الحكومة المكلّف خير ضامن لمصالحها الحيوية داخل مؤسسات الدولة الاتّحادية.
ونفى عدنان الزرفي أن يكون تكليفه قد جاء بصفقة مع الرئيس صالح، كما نفى أن يكون خيارا أميركيا، قائلا “إنني خيار عراقي أولا وآخرا” ومؤكّدا أنّ ما يهمه هو “إقامة علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية على قاعدة المصالح المشتركة”.
كما نفت واشنطن على لسان ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، في وقت سابق، أنّ يكون رئيس الوزراء العراقي المكلف مدعوما من قبلها.
ولا تقبل الأحزاب الشيعية العراقية الموالية لإيران بأقلّ من رئيس حكومة منتم لمعسكرها بشكل صريح، وترفض حتى مجرّد طرح فكرة بناء علاقات متوازنة للعراق مع مختلف القوى الإقليمية والدولية. وهاجم كريم عليوي، النائب بالبرلمان العراقي عن تحالف الفتح الممثل السياسي لفصائل الحشد الشعبي، الرئيس صالح معتبرا أنّه لم يعد حاميا للدستور بعد ترشيحه شخصا “تابعا لإقليم كردستان” لمنصب رئيس الوزراء، في إشارة إلى فؤاد الزرفي.
وجاء ذلك بعد أنّ اتهمت كتلة “صادقون” النيابية التابعة لزعيم ميليشيا عصائب أهل الحقّ قيس الخزعلي، رئيس الجمهورية باللعب على انقسامات البيت السياسي الشيعي والاستفادة منها.
ويشهد العراق أزمة سياسية حادّة بعد أن نجحت الانتفاضة الشعبية، التي اندلعت في أكتوبر الماضي احتجاجا على فساد الطبقة الحاكمة وسوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، في دفع حكومة عادل عبدالمهدي إلى الاستقالة، آخر نوفمبر الماضي، ولم يتسنّ منذ ذلك الحين ملء الفراغ بتشكيل حكومة جديدة، بفعل رفض الشارع لمرشحي الأحزاب لمنصب رئيس الوزراء، واختلاف الأحزاب والمكوّنات ذاتها على التوافق على مرشّح بعينه.
وأظهر أكراد العراق الذين يديرون إقليما أشبه بـ”كيان مستقل” صديق للولايات المتحدة في شمال العراق وتجمعه بالدولة المركزية علاقات مصلحية، أن لهم قدرة على التحكّم بالعملية السياسية وتوجيهها، وذلك عندما شاركوا في إسقاط المرشّح محمّد توفيق علاّوي بحرمانه من الحصول على ثقة البرلمان، بعد أن رأوه أميل إلى الأحزاب الموالية لإيران ولا يخدم مصالحهم، على عكس نظرتهم إلى المرشح الجديد عدنان الزرفي الذي يلتقون مع أحزاب شيعية وسنية أخرى في النظر إليه باعتباره الرجل الأنسب لرئاسة الحكومة، رغم أنّه يقول إنّ مهمّته الأساسية قيادة العراق نحو تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة بعد أقل من عام.
واتهم عليوي برهم صالح باتخاذ موقف سلبي من المكون الشيعي، وبالتعدي من خلال تكليفه الزرفي بتشكيل الحكومة على “استحقاق دستوري” لذلك المكون، وذلك في إشارة إلى العرف الجاري به العمل في العراق منذ 2003 والقاضي بأن يكون اختيار رئيس الوزراء من اختصاص الأحزاب الشيعية.
وذهب النائب عن تحالف الفتح حدّ التحريض على إقالة الرئيس، قائلا في حديث لموقع السومرية الإخباري إنّ “هناك الكثير من أعضاء مجلس النواب أصبحت لديهم رغبة وقناعة كاملة بأهمية إقالة رئيس الجمهورية، لأنه لا يمثل الدستور العراقي وليس حافظا له بل على العكس كان من أول المتجاوزين عليه”.
وشدّد النائب على اعتبار “رئيس الجمهورية يريد المجيء برئيس وزراء تابع لإقليم كردستان وهو يعمل بمنهجية مكوناتية ضيقة في الانحياز للقومية الكردية”، مؤكّدا أنّ “منصب رئيس الوزراء استحقاق للمكون الشيعي والقوى الشيعية هي المعنية باختيار اسم مرشح للمنصب. أما إذا ذهب الاختيار إلى رئيس الجمهورية فذلك غير صحيح وغير دستوري وغير مهني”.
ومن جهته اتهم رئيس كتلة “صادقون” النيابية عدنان فيحان الرئيس العراقي “بمحاولة الاستفادة من الانشقاق الحالي في الكتل الشيعية”، قائلا إنّ “برهم صالح أصبح أكثر شخصية جدلية في الدولة العراقية”، وإنه “يتحرك وفق ميوله السياسية”.
وينتمي صالح سياسيا إلى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي أسسه جلال الطالباني، ويُنسب إليه تأسيس الجامعة الأميركية في السليمانية، وقد شغل منصب رئيس مجلس أمنائها. كما سبق له أن تولّى رئاسة حكومة إقليم كردستان مرتين بعد سنة 2003.
وكان فشل المرشح السابق محمّد توفيق علاّوي في تشكيل حكومة عراقية جديدة، قد مثل مبعث ارتياح خاص لدى قادة إقليم كردستان العراق، بعد أن ساورهم القلق بشأن إمكانية ضياع حصّتهم من المناصب الوزارية، ما سيعني تراجع دورهم في إدارة شؤون الدولة المركزية الذي يجنون من ورائه مكاسب سياسية وفوائد مالية واقتصادية. ورغم ما يتمتّع به إقليمهم من صلاحيات واسعة إلاّ أن أكراد العراق لم يخفوا رغبتهم في الاستقلال، بل قاموا بمحاولة في هذا الاتّجاه عبر استفتاء أجروه سنة 2017 وتصدّت له بغداد بحزم بالتعاون مع طهران وأنقرة الرافضتين بشدّة لقيام دولة كردية في المنطقة.
ورغم الارتباط الضعيف للأكراد بالدولة العراقية، فإنّهم لا يجدون في الوقت الحالي بديلا عن الانتماء إليها، والسعي للحفاظ على دورهم فيها بهدف حماية مكاسبهم لا أكثر. وكثيرا ما توافقت الأحزاب الكردية مع الأحزاب الشيعية القائدة بشكل أساسي للعملية السياسية في العراق، عندما التقت مصالحها وضَمِنَ كلّ طرف حصّته من المغانم التي تدرّها المشاركة في إدارة شؤون الدولة العراقية، لكنها كثيرا ما اختلفت معها بسبب تضارب المصالح.
وخلال الفترة الحالية لا يمثّل شخص عدنان الزرفي مرشّح رئيس الجمهورية موضع توافق والتقاء مصالح بين الزعماء الأكراد وقادة أكبر الأحزاب الشيعية، ما يفسّر الهجومات المكثّفة من ممثلي تلك الأحزاب على شخص الرئيس برهم صالح.
ويقود عملية الاعتراض الشديدة على تكليف الزرفي بشكل أساسي كلّ من تحالف الفتح الذي يقوده هادي العامري زعيم منظمة بدر، وائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي إضافة إلى كتل صغيرة أخرى لا تتوافق مصالحها مع ذهاب رئاسة الحكومة إلى الزرفي.
العرب