بالفعل، حطّم فيروس “كورونا” المستجد كل النظريات الاقتصادية السابقة، ففي الأوقات العصيبة والصعبة كانت بوصلة المستثمرين تتجه في الغالب إلى واحد من اثنين، إما الذهب الذي يقود سوق الأصول والملاذات الآمنة، أو الدولار الذي كان يعتبره البعض وسيلة آمنة وبعيدة عن الخسائر.
لكن مع استمرار الخسائر والمخاطر التي خلفها انتشار فيروس كورونا المستجد، لم يعد هناك قاعدة تحكم الأسواق، سواء الأصول الآمنة أو الخطرة، وحتى الكاش، فالخسائر تقترب من كل شيء وطالت بالفعل جميع القطاعات.
وبينما تستعد الولايات المتحدة لمواجهة ساعتها الأكثر سوداوية في هذه الأزمة الصحية “كورونا”، فإن إشارات تباطؤ العدوى في أوروبا تعطي بعض التفاؤل. وفي سوق صرف العملات الأجنبية، من المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى مزيد من التحسينات في الظروف المالية لتقويض قوة الدولار الأميركي.
في الوقت نفسه، ووفقاً لتقرير حديث لمجموعة “آي.إن.جي” الهولندية، فإن قوة العملة الأوروبية الموحدة “اليووو” تعتمد بشكل كبير ومتزايد على إجراءات الاتحاد الأوروبي المنسقة لتفادي خطر أزمة ديون سيادية أخرى.
وتشير البيانات الأخيرة إلى أن عدد حالات الإصابة بفيروس “كوفيد-19” سجّل في الولايات المتحدة نحو 338 ألف شخص، في حين أبلغت إيطاليا وإسبانيا وألمانيا عن تباطؤ وتيرة انتقال العدوى خلال الأيام القليلة الماضية، بحسب خريطة جامعة “جونز هوبكينز”.
أسواق الأسهم تتعافى من التأثر بحركة الدولار
وخلال الأسبوع الماضي، ظل الدولار الأميركي أكثر ثباتاً مما كان البنك الهولندي يعتقد، كما كانت الأصول الخطرة تحت الضغط بشكل عام. لكن يبدو كذلك أن الإجراءات التي اتخذها بنك الاحتياطي الفيدرالي للتعامل مع أسواق المال الأميركية ستستغرق بعض الوقت لكي تؤتي ثمارها داخل النظام.
لكن حتى الآن، لا يزال الفارق الائتماني بين “الليبور” و”أو.آي.إس”، أي الفرق بين سعر الفائدة على السعر العائم الذي تقرضه البنوك لبعضها البعض (الليبور) وبين معدلات المقايضة لمدة ليلة واحدة والتي تحددها البنوك المركزية، على الدولار الأميركي مرتفعة للغاية مما يشير إلى التوتر في المعاملات بين البنوك المركزية.
لكن وفقاً لتقرير “آي.إن.جي”، فإن هذه المعادلة قد تبدأ في الانخفاض عندما يبدأ الفيدرالي شراء السندات التجارية (وهو ما نأمل أن يكون هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل) ويسمح للبنوك الأميركية بجمع تمويل قصير الأجل عند مستويات أقل بكثير من 1.5 في المئة.
في حين تبقى الأسواق الناشئة هشة، حيث تسهم التدفقات النقدية الخارجة بشكل مباشر وغير مباشر في قوة الورقة الأميركية الخضراء. وبالنظر إلى المستقبل، فإن أسواق النفط كانت بمثابة محرك كبير للأسهم خلال الأسابيع الأخيرة الماضية.
ومن المقرر أن ينصبّ التركيز هذا الأسبوع على اجتماع مجموعة “أوبك+”، لكن إذا لم يشارك منتجو النفط الصخري الأميركي في اتفاق التخفيضات للإمدادات، فمن الصعب رؤية السعودية وروسيا بشكل خاص توافقان على التخفيضات المطلوبة لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط. وبالتالي من الممكن أن يظل أداء الأسهم هشاً وأن يتلقى الدولار الدعم.
هل تأثرت الورقة الخضراء بحزمة التحفيز الأميركية؟
في الوقت نفسه، يترقب المستثمرون الحديث عن حزمة التحفيز الأميركية الرابعة، وما إذا كانت ستكسب زخماً من عدمه. وعلى الرغم من أن هناك الكثير من الحوافز المالية الجارية عالمياً، لكن وحتى الآن، فإنه من المستبعد أن تكون هذه الحوافز المالية الأميركية الضخمة ذات تأثيرات إيجابية مؤكدة على الدولار، وبخاصة في ظل قيام الفيدرالي بطباعة الأموال بوتيرة قوية للغاية خلال الفترة الماضية، في إطار احتواء تداعيات ومخاطر فيروس كورونا المستجد.
وأوضحت مجموعة “آي.إن.جي” الهولندية، أنها ما زالت تعتقد أن مكاسب الدولار لن تستمر، وأضافت “لكننا بحاجة إلى مشاهدة حالة من الاستقرار في الظروف المالية أولاً”.
ويترقب الجميع الإفصاح عن محضر اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأخير، اليوم الأربعاء، كما من المتوقع أن تكشف أرقام طلبات إعانة البطالة الأميركية عن زيادة كبيرة أخرى يوم الخميس المقبل.
وتتوقع المجموعة الهولندية أن تتراوح قيمة مؤشر الدولار – الذي يرصد أداء الورقة الأميركية مقابل 6 عملات رئيسة أخرى- بين 99 إلى 101 نقطة هذا الأسبوع، قبل أن يتراجع إلى مستوى 95 نقطة في غضون شهر واحد من الآن.
وبدأت العملة الأميركية تعاملات هذا الأسبوع داخل النطاق الأخضر ليتداول المؤشر عند مستوى قريب من 100.850، أما زوج العملات (اليورو والدولار) فيتداول عند مستوى أدنى 1.08 دولار.
تحسن شهية المخاطرة يعزز خسائر الدولار
في سوق العملات وعلى صعيد تعاملات أمس الثلاثاء، عمّق الدولار خسائره مقابل سلة من العملات الرئيسة، وذلك بالتزامن مع علامات تباطؤ عدد إصابات فيروس كورونا في أوروبا. وجاء تراجع الورقة الأميركية الخضراء مع تحسن شهية المخاطرة وسط آمال احتواء فيروس كورونا، حيث إن تباطؤ معدل الإصابات في أوروبا يوفّر بعض القوة لليورو.
كما استعاد الجنيه الإسترليني خسائره التي سجّلها خلال تعاملات جلسة الاثنين الماضي، على خلفية نقل رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إلى العناية المركزة مع تدهور صحته نتيجة إصابته بفيروس كورونا.
وكشفت بيانات اقتصادية حديثة عن انخفاض عدد فرص العمل المتاحة في الولايات المتحدة خلال فبراير (شباط) الماضي، في حين تسارع نمو ائتمان المستهلكين الأميركيين خلال نفس الفترة.
وفي وقت متأخر من تعاملات أمس، انخفضت العملة الأميركية الخضراء مقابل اليورو بنسبة 1 في المئة لتسجل 1.0904 دولار، كما تراجعت أمام نظيرتها اليابانية 0.4 في المئة مسجلة 108.83 ين. فيما تراجع الدولار الأميركي أمام الجنيه الإسترليني بنحو 0.9 في المئة مسجلاً 1.2341 دولار، كما هبط مقابل العملة السويسرية بنسبة 1 في المئة ليسجل 0.9690 فرنك.
وفي نفس الوقت، انخفض المؤشر الرئيس للدولار الذي يتبع أداء العملة الخضراء أمام 6 عملات رئيسة بنحو 0.8 في المئة إلى مستوى 99.887 نقطة.
خالد المنشاوي
اندبندت عربي