تكرّرت في كافة أنحاء العالم أنواع من المطالبات (الأشبه بالاستغاثات) للتفكير في مليارات البشر الذين لا يقيمون في بلدان يمكن أن توفر لهم المساعدة في حالة الأزمة الراهنة الناشئة عن انتشار جائحة كوفيد 19، وتتصدّر بعض البلدان العربية، وخصوصا التي تقيم في أزمات سياسية طاحنة، كما هو الحال في سوريا واليمن وليبيا وفلسطين، أو التي تعتبر بلدانا فقيرة بالمقاييس العالمية، وربما أيضا في بلدان غنيّة تحكمها أنظمة دكتاتورية مشغولة بإحكام السيطرة على المجتمع والنخب المالية والسياسية والدينية، وبالحروب الخارجية ومضاربات النفط، كما هو حال السعودية.
عرضت وسائل الإعلام العربية قصصا مؤسية يقول فيها أحد التوانسة إنه سيكسر الحظر المنزلي ليؤمن قوت أطفاله وأنه لو مات فسوف يموت شهيدا، وقصة الأردني الذي قال إن حياة أسرته لا تسمح له بالتزام الحظر، وحكاية اللبناني سائق سيّارة الأجرة الذي أحرق سيّارته احتجاجا على تدهور أحوال رزقه نتيجة سياسة الحجر المنزلي.
وبعد تأكيد منظمات حقوقية ومدنية عالمية المخاوف الهائلة التي تحيق بسكان مخيمات الشمال السوري، وبالمحاصرين في قطاع غزة، والخطر الحائق باليمنيين الذين يتجهون للمجاعة، فقد توسعت الدائرة لتحكي «هيومن رايتس ووتش» لتقول إن ملايين من سكان لبنان أيضا مهددون بالجوع «بسبب إجراءات الإغلاق المتصلة بالوباء»، وهو أمر ينطبق بالتأكيد على ملايين المصريين والسوريين والعراقيين والمغاربة والجزائريين والتوانسة وغيرهم، وهو أمر ينطبق بالتأكيد على 256 مليون شخص يعيشون في أفريقيا ويعانون سوء التغذية وضعف جهاز المناعة (الأمر الذي ينطبق بالتأكيد على مئات ملايين آخرين في آسيا وأمريكا اللاتينية)، إضافة إلى فئات اللاجئين والمهاجرين والفقراء في الدول الأكثر غنى في العالم، كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية، التي أكدت وسائل إعلام ومنظمات انكشاف فئات المهاجرين والفقراء فيها لانتشار الوباء وضعف نسبة حظوظهم بالنجاة مقارنة بالطبقات الوسطى والغنية التي تملك أشكالا من التأمين الصحي والعناية الأفضل.
إحدى مفارقات جائحة كوفيد 19 الكبرى أنه شهد انتشاره الأكبر في البلدان الغنيّة الكثيفة في السكان بحيث أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا البؤرتين الكبريين للوباء، ولو أنه شهد انتشاره في بلدان أو قارات فقيرة (كما حصل مع وباء إيبولا الذي انطلق من غينيا، غرب أفريقيا عام 2014، وانتشر إلى الدول المجاورة مثل ليبيريا وسيراليون وبلدان أفريقية أخرى، وظل تأثيره محدودا على العالم)، لما نال كل هذه الأهمّية في الإعلام.
من المتوقع أنه بعد تمكن الدول الغربية من احتواء الجائحة فسنرى، على الأغلب، هبوط الاهتمام العالميّ به لو أنه أصاب عشرات الملايين في الدول الفقيرة، ولعاد حينها ليصير مركز الدعاية الشعبوية والعنصرية الغربية ضد المهاجرين والفقراء، وليصير مبررا لتعزيز «القلعة» الأوروبية المتحضّرة في وجه أمواج «القطعان» و«الصراصير» على حد وصف مشاهير السياسة والإعلام الغربيين للمهاجرين.
أما في بلداننا المنكوبة أصلا بلعنة الطغاة قبل لعنة الوباء، فنشهد استمرار «السيرك» السياسي، فرغم الخطر الذي يهدد الجميع، فإن المستبد مستمرّ في تأكيد «نجاحات» الدولة التي يقودها في مواجهة كورونا، كما «نجحت» سابقا في محاربة الإرهاب «واختراعه»، فما هم خراب البلاد والعباد إذا كان الطاغية بخير؟
القدس العربي