تقامر إيران بالأوضاع الداخلية والخارجية هذه الفترة، ففي حين تناشد عدّة أطراف الولايات المتحدة تخفيف العقوبات من جهة، وتقدّم طهران بطلب إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 5 مليارات دولار من جهة أخرى لأغراض مكافحة وباء كورونا، أعلن الحرس الثوري الإيراني إطلاقه أول قمر صناعي عسكري، وقوبل الإعلان بـ”تنديد أميركي”، بل “تلاسن بين الطرفين”، وذلك بردّ الحرس الثوري على أي تهديد أميركي في مياه الخليج.
وقبل أيامٍ، شهدت مياه الخليج توتراً بين الطرفين، حينما اقتربت زوارق إيرانية مسافة قريبة جداً من بعض البوارج الأميركية، بغرض الاستفزاز، وفي إطار التحرّش الممنهج للسفن الأميركية والغربية الذي تمارسه إيران، بهدف تهديد أمن وسلامة الملاحة البحرية بالخليج.
المقامرة الإيرانية تلك تُلقي الضوء على التناقض الإيراني، فبينما تكافح طهران التي تعدُّ إحدى بؤر تفشي فيروس كورونا عالمياً، والأولى بالمنطقة على مستوى الإصابات والوفيات، فضلاً عن معاناتها نظراً إلى محدودية قدراتها المتاحة بفعل العقوبات الاقتصادية، والظروف المعيشية للمواطنين، حتى إنها خففت من إجراءات الحظر والحجر الصحي، لتسمح بإعادة مزاولة النشاط الاقتصادي، منادية بالموازنة بين الصحة والاقتصاد. فإنها في اللحظة ذاتها تتباهى بإطلاق قمر صناعي عسكري، محاولةً استعادة أجواء التوتر مع الولايات المتحدة، وتوجيه عدّة رسائل إلى الداخل والخارج.
ويحاول النظام الإيراني في ظل تآكل صورته على خلفية الوضع الاقتصادي المتردي، ومقتل اللواء قاسم سليماني، وإسقاط الطائرة الأوكرانية، واستمرار التظاهرات الشعبية خلال تلك الفترة، إلى جانب فشله في التعامل مع أزمة كورونا منذ البداية، أن يبرز أنه ليس ضعيفاً، وبإمكانه تحقيق نجاحات. كما يمكن أن تكون تلك الخطوات ردّاً على رفض الولايات المتحدة الطلب الذي قدّمته إيران للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، لذا تحاول أن توحي بأن لديها قمراً صناعياً عسكرياً، يمكن استخدامه إمَّا في تسيير طائرات من دون طيار، وإمَّا التجسس وجمع المعلومات، وإمَّا توجيه صواريخ.
وعلى الرغم من أنّ إطلاق القمر الصناعي يكون بصاروخٍ مختلفٍ عن “الباليستي”، فإنه من المؤكد أنه سيعيد إلى الأذهان قضية منظومة الصواريخ الإيرانية، التي تشكّل تهديداً للأمن الإقليمي، وتنقلها أخيراً إلى وكلائها في العراق واليمن. وتمتلك إيران، حسب تقديرات الاستخبارات المركزية الأميركية، أكبر ترسانة من الصواريخ الباليستية في الشرق الأوسط، تتكوّن من أنظمة قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، تُمكّنها من ضرب أهداف في جميع أنحاء المنطقة تصل إلى 2000 كيلومتر من الحدود الإيرانية.
وتقول تلك التقديرات، إن هذه الصواريخ الباليستية لديها قدرة على حمل رؤوس نووية، وإن طهران تعمل على تحسين مدى ودقة أنظمتها لزيادة فاعليتها، وتعزيز قدرتها على الردع وكفاءتها العملياتية. وتسعى إلى إطلاق “صواريخ كروز” البعيدة المدى للهجوم على الأراضي، وتشكّل نوعاً جديداً من التهديد في الشرق الأوسط، كما تعمل على تطوير مركبات إطلاق فضائية أكثر قوة، وتطوير تقنيات تمكّنها من تطوير أنظمة فرعية للصواريخ البعيدة المدى.
وتعدُّ أهم انتقادات الرئيس دونالد ترمب للاتفاق النووي مع إيران عام 2015 هو كون الاتفاق “لا يفرض قيوداً على طهران بشأن تطوير الصواريخ الباليستية”، والقرار 2231 المؤرَّخ في الـ20 من يوليو (تموز) 2015 (القرار الوحيد الحالي في مجلس الأمن بشأن إيران) يدعو إلى عدم تطوير أو اختبار “الباليستية” المصممة لتكون قادرة على حمل سلاح نووي مدة تصل إلى ثماني سنوات من تاريخ توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA، واعتبر البعض داخل الولايات المتحدة أنّ صياغة القرار جاءت أقل تقييداً بكثيرٍ من تلك الخاصة بالقرار رقم (1929)، الذي يحظر بوضوح قيام إيران بتطوير الصواريخ الباليستية، كما أنّ الاتفاق النووي ذاته مع الغرب لم يكن يحتوي على ما يتعلق بقيود على برنامج الصواريخ الباليستية.
أمّا عن امتلاك طهران الصواريخ الباليستية العابرة القارات ICBM، التي يصل مداها إلى 2900 ميل فهو غير معروف إذا ما كانت تملكها أم لا، لا سيما أنّ في عام 2017 أعلنت أن النطاقات الحالية منها “كافية”، وهذا يوحي بأنه لا توجد خطط لديها لتطوير نظام ICBM، إلا أنه في حال توافر قرار بفعل ذلك، فإنّ التقدم الإيراني في مجال الفضاء يمكن أن يسهّل الطريق إلى امتلاك صواريخ ICBM، لأنّ المركبات الفضائية تستخدم تكنولوجيا مماثلة لها.
يمكن القول، إنّ إيران تقامر الآن في ظل جائحة مُسيطرة على أجندة كل دول العالم الداخلية، ومع ذلك ربما تستخدم نظرية كبش الفداء بتوجيه أنظار المجتمع الإيراني الذي يئن من جراء الوباء، ودفعه إلى الالتفات إلى أي تهديدات مُفتعلة، فضلاً عن استمرار الطابع الاستعراضي لسلوك الحر
الثوري، الذي يثير أجواء الحروب في زمن الوباء
هدى رؤوف
اندبندت عربي