ربما كان أهم ملمح في أسبوع إعلان الشركات نتائجها المالية للربع الأول هو قطاع البنوك، ليس بسبب تراجع أرباح البنوك الكبرى، فهذا حال الجميع نتيجة التبعات السلبية لأزمة وباء فيروس كورونا، وإنما لأن إعلان البنوك حساباتها تضمن الكشف عن حجم الديون المشكوك في تحصيلها (الديون الرديئة) في القطاع.
ومع إعلان أغلب البنوك الكبرى تخصيص مليارات لتغطية مخاطر الديون الرديئة، إلى جانب تراجع الأرباح للربع الأول، يواجه القطاع مطالب صارمة من السلطات النقدية في الدول التي تسجل فيها تلك البنوك بألا تتشدد مع المقترضين المتعثرين. وتعتبر السلطات والحكومات ذلك جزءاً من الإجراءات التي تتخذها لتخفيف أعباء الأضرار الناجمة عن إغلاق الأعمال وتعطُل العاملين لمكافحة انتشار الوباء.
ويتحسب قطاع البنوك لاستمرار تلك التبعات السلبية في الربع الثاني من العام ما سيضاعف خسائر القطاع في وقت تطالبه الحكومات والسلطات المالية بأن يتحمل نصيبه من الأضرار الطارئة نتيجة الوباء. وينظر الجمهور تقليدياً لقطاع المصارف على أنه مستفيد في كل الأحوال حتى في الأزمات بتحميله زبائنه نتائج أي تغييرات واللجوء لمساعدة الحكومات في الأزمات.
وإذا كانت مخاطر الديون الرديئة أو المعدومة جزءاً من العمل المصرفي بشكل عام، فإن تعطل الأعمال والشركات ومعدلات البطالة التي جعلت الملايين من الأسر غير قادرة على الوفاء بالتزامات ديونها الشخصية فاقمت من المشكلة.
ولا يتوقع قطاع المصارف أن تستخدم الأعمال المتضررة، أو العاملين الذين يستحقون الدعم الحكومي، التسهيلات المالية المباشرة من الحكومات لدعمهم في مواجهة تبعات الوباء في تسديد التزاماتهم للبنوك. على العكس، هناك إجراءات إضافية من الحكومات تلزم البنوك بإرجاء سداد القروض وتخفيف الفوائد أو إلغائها في أشهر الإغلاق بسبب الوباء.
وهكذا زادت نسبة الديون الرديئة إلى حجم أعمال البنوك بأكثر مما هي عليه في الأحوال العادية، بالتالي على البنوك تجنيب قدر من سيولتها لمواجهة احتمال عدم تسديد تلك الديون واعتبارها معدومة.
بنوك أوروبية
ينطبق ذلك على أغلب البنوك الأوروبية التي أعلنت نتائجها هذا الأسبوع، وفي مقدمتها أكبر بنوك أوروبا “إتش إس بي سي”، فقد جاءت نتائجه المالية للربع الأول لتعكس الوضع العام نتيجة الأزمة التي سببها وباء كورونا، حيث تراجعت أرباحه قبل خصم الضرائب بنحو النصف عن أرباح الربع الأول من 2019، وهبطت أرباحه إلى 3.2 مليار دولار، مقابل أرباح قبل الضرائب في الربع الأول من العام الماضي عند 6.2 مليار دولار.
لكن الأهم هو إعلان البنك أنه سيخصص ما يصل إلى 11 مليار دولار لتغطيةٍ محتملة للديون الرديئة، وهو مخصص يزيد على ثلاثة أضعاف أرباح البنك الفصلية. ولا يُعرف بعد كيف سينعكس ذلك على أوضاع البنك الذي كان يخطط أصلاً لتوفير نحو 6 مليارات دولار في إطار عملية إعادة هيكلة تتضمن تشريح 35 ألف موظف على مدى أربع سنوات.
كذلك أعلن بنك “باركليز” عن أرباح ربع سنوية بقيمة 1.135 مليار دولار، وتقل بنسبة 38 في المئة عن الربع المماثل من العام الماضي، كما أعلن تخصيص أكثر من ضعف أرباحه قبل الضرائب لتغطية مخاطر الديون الرديئة، مجنباً مبلغ 2.6 مليار دولار تقريباً لهذا البند. وصحيحٌ أن هذا البنك كان يتحسب لانكشافه على مشكلات ائتمانية في سوقيه الرئيسين، في أميركا وبريطانيا، لكن تبعات أزمة الوباء ضاعفت أكثر من مرة مخصصاته لتغطية الديون الرديئة المحتملة.
وربما كان “ستاندرد تشارترد” الأقل بين البنوك الكبرى، في خسائر أرباحه الفصلية وما خصصه لتغطية الديون الرديئة، لكن البنك المسجل في بريطانيا ويعمل بشكل رئيس في بلدان الاقتصادات الصاعدة يعاني بالفعل منذ عام 2015 من مشكلات متعددة نتيجة التراجع في تلك الاقتصادات التي يركز عليها.
وأعلن البنك أربحا للربع الأول تقل 12 في المئة عن أرباح الربع المماثل العام الماضي وعند 1.2 مليار دولار. وأعلن تخصيص 956 مليون دولار لتغطية الديون الرديئة، لكن مشكلات البنك أكبر لانكشافه على مدينين في وضع حرج جداً مثل مجموعة “إن إم سي” الصحية.
بنوك الصين مثالاً
رغم أن الأرقام الرسمية من الصين غالباً محل شك لدى كثير في العالم، فإن إفصاحات الربع الأول من العام تعطي صورة قاتمة عن مشكلة الديون الرديئة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وتعد الصين نموذجاً تقيس عليه المؤسسات المالية وشركات الأبحاث والاستشارات في القطاع المالي، لأنها بدأت بفتح اقتصادها مبكراً عن الآخرين بعدما سيطرت على الوباء، ويُنظر للمؤشرات في بكين على أنها المثال الذي قد ينطبق على بقية الاقتصادات في أوروبا وأميركا ومن ثم الاقتصاد العالمي.
وقدرت السلطات الصينية حاجة البنوك الرسمية، وعددها 59 مصرفاً، لنخصيص 210 مليارات دولار (1.5 تريليون يوان) لتغطية الديون الرديئة، وهو ما يعادل تقريباً نصف الأرباح السنوية لتلك البنوك، بينما ترى مؤسسات كثيرة، منها “غولدمان ساكس”، أن مخصصات الديون الرديئة للبنوك الصينية لا تقل عن 353.1 مليار دولار (2.5 تريليون يوان).
وتشكل الديون الشخصية والموجودة على بطاقات الائتمان والمتعلق بالشركات الخاصة والأعمال الصغيرة والمتوسطة نحو 77 في المئة من حجم الديون الرديئة في الصين، لأن ثلث تلك الديون تقريباً يقدم غالباً من دون ضمانات ائتمانية.
اندبندت عربي