أطلق رامي مخلوف، الملياردير السوري المعروف، والذي كان لفترة قصيرة سابقة، أحد أهم أعمدة النظام الماليّة، شريط فيديو يناقش فيه قضية مطالبة السلطات الماليّة السورية له بمبلغ يعادل 100 مليون دولار (125 مليار ليرة سورية) كمستحقات ضريبية على شركة «سيرياتل موبايل تيليكوم» وهي الشركة الكبرى للاتصالات الخلوية في سوريا (إضافة إلى شركة «إم تي إن» التي تملك عائلة ميقاتي اللبنانية حصة مهمة من أسهمها)، وقد حصلت «سيرياتل» و«إم تي إن» على تراخيصهما عام 2000 بطريقة خارج المنافسة التجارية، وقد تعرض أحد رجال الأعمال وعضو مجلس الشعب السابق رياض سيف للملاحقة والسجن عام 2001 لانتقاد محاباة الأقارب والفساد في إعطاء العقود، مما أدى لخسائر للدولة قدّرت بمليار دولار أمريكي خلال السنوات الخمس الأولى من عمل الشركتين.
أجرت إحدى الصحف السورية عام 2019 مقارنة في معدل الأرباح السنوية لأبرز شركات الاتصال الخليوية في منطقة الشرق الأوسط، وخلصت الإحصائية إلى أن شركة «سيرياتل» هي الأعلى بمعدل الربح السنوي بينها، وضمت الإحصائية شركات «أورانج» و«فودافون» في مصر، وشركة الاتصالات السعودية، وشركة «زين» الكويتية، و«شرك ترك تيليكوم» التركية، حيث بلغ الربح الصافي للشركة السورية للعام المالي 2017 ـ 2018 معدل 32٪.
تعطي هذه الأرقام انطباعا بأن السلطات المالية السوريّة محقّة في محاولة تحصيل ما تعتبره ضرائب مستحقّة، أما شريط فيديو الملياردير فيبدو محاولة، من جهته، للتصدّي لما يسمّيه «ظلما» و«قهرا» يتعرّض له شخصيا، وكذلك الشركة التي يرأس مجلس إدارتها، منوّها بالمدفوعات الكبيرة التي يدفعها (12 مليار ليرة سورية العام الماضي)، ناهيك عن «الأعمال الإنسانية الخيرية» لشركته «راماك».
يشير مخلوف إلى قدرته على الاعتراض ومقاضاة السلطات، ولكنّه يختار يفضل أن يتوجه إلى «سيادة الرئيس»، والخلاصة الماليّة المستفادة أن مخلوف لن يدفع من أمواله هو، بل من أموال الشركة نفسها ومساهميها، فهو ليس غير شخص «أعزّه الله» وسلّمه منصبا ليديره، ولا علاقة لكونه ابن خالة الرئيس السوري لا بتسليمه هذا الاحتكار الماليّ الكبير، ولا بتكليفه بالنهب المهول لصالح العائلة الحاكمة، ولا بتنطّعه، كأحد أعمدة النظام، بتهديد إسرائيل مع انطلاق الثورة الشعبية عام 2011 بأن سقوط النظام سيؤدي للإضرار بمصالحها.
سلّم الأسد، ابن خاله، مهمة خازن النظام، وخاطر مخاطرة كبرى بالدفاع عن شقيقه ضابط المخابرات الكبير حافظ مخلوف، الذي كان أحد المتسببين في اندلاع الثورة ضد النظام (بعد لقائه بوجهاء درعا وإهانتهم لهم عام 2011) فجعل العائلة أهمّ من البلد نفسه، فما سبب الانقلاب الكبير على ركن العائلة الحاكمة «المخلوفي»، فتحوّل الكائن المرعب المساهم في نهب واحتكار الثروات السورية إلى شخص يتضرّع ويتحدث عن تعرضه للظلم والقهر؟
يشير طلب مخلوف من الأسد، بشكل صريح، استلام الأموال المطلوبة منه شخصيا وصرفها على «الفقراء والمحتاجين والجوعى»، وعلى المساهمين في الشركة، إلى طبيعة ما يحصل، والذي لا علاقة له البتة لا بـ»الدولة» السورية، ولا بالسوريين أنفسهم، بل بتقاسم الحصص بين «العائلة الحاكمة»، فكل ما في الأمر أن ابن الخال الملياردير، والذي يحتفظ بامبراطورية مالية خارج سوريا، يطرح إعادة جزء مما نهبه على مدى السنوات إلى ابن العمة الرئيس، أما «الدولة» و«الشعب» و«الفقراء» فكلمات تزيّن عمليّة السرقة المهولة لبلد تدمّر فوق رأس ساكنيه ليحافظ اللصوص الكبار على هذه مزرعتهم التي ورثهم إيّاها حافظ الأسد.
القدس العربي