في الوقت الذي يحاول رئيس وزراء العراقي المكلف مصطفى الكاظمي شق طريقه وتشكيل حكومته، أرسل ماثيو تولر رسالة إلى الحاج جاء فيها:” تولي الولايات المتحدة حاجة ملحة للغاية وكبيرة لتشكيل حكومة السيد مصطفى الكاظمي. يجب أن يتم تجاهل أي نقاط ضعف أو تنازلات في اختيار الوزراء عند موازنتها مع التوقعات الرهيبة للبلاد. إن حكومة تصريف الأعمال للسيد عادل عبد المهدي مشلولة وغير قادرة على التعامل مع العديد من المشاكل التي تواجه العراق. كأصدقائكم وشركائكم في السنوات الـ 17 الماضية ، نشعر بقلق بالغ من أن العواقب على العراق كدولة وعلى الشعب العراقي ستكون مدمرة إذا لم تتم الموافقة على حكومة السيد مصطفى الكاظمي. إذا تم تشكيل الحكومة فسوف نبذل قصارى جهدنا لمساعدة العراق على مواجهة المشاكل المقبلة”.
ومن جانبه كشف رئيس ائتلاف دولة القانون في مجلس النواب العراقي نوري المالكي، فجر الثلاثاء، عن تلقيه رسالة من “جهة تدعي أنها محسوبة” على السفير الأمريكي في العراق ماثيو تولر.وكتب المالكي في تغريدة على حسابه بتويتر “وصلتني رسالة من جهة تدعي أنها محسوبة على السفير الأمريكي، فإن كانت مزورة فاعتبرها مهملة.. وإن كانت صحيحة فالعراق له رجال يقدرون مصلحته ومصلحة شعبه ولا نقبل بالتدخل في شؤوننا الداخلية وليس هذا من مهام السفير الدبلوماسية”.
وبحسب معلومات خاصة لمركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، فإن رسالة السفير الأمريكي ليست مزوة وإنما حقيقية، ومن يقرأ الرسالة لا يرى فيها أي نوع من التهديد أو التدخل في الشأن العراقي وإنما هذه الرسالة تنبع من حرص الولايات المتحدة الأمريكية في تخطي العراق أزماته المستفحلة وفي مقدمتها أزمته الاقتصادية الطاحنة، وهذا الأمر لن يتحقق في عهد حكومة تصريف أعمال وإنما في حكومة تمتلك جميع الصلاحيات التنفيذية والدستورية.
ومن أجل ذلك تطلب الرسالة من القوى السياسية العراقية أن تضع مصلحة العراق في مقدمة أولوياتها من خلال الاتفاق على تشكيل حكومة مصطفى الكاظمي، فالرسالة لا تهدد العراقيون عندما تنبههم بأن البقاء دون حكومة مستقرة قد ينتج عنها عواقب وخيمة، لا يملك العراق القدرة على تحملها، هذا ليس تهديدًا ولا تدخلاً بقدر رسالة تنبيهية لما ستؤول إليه أوضاع العراق في حال عدم الاتفاق على اختيار مصطفى الكاظمي رئيسًا لوزراء العراق.
وتؤكد، هذه الرسالة ليس كما يراها البعض بأنها تدخل في شؤون العراق وإنما هي أشبه بنصحية لشريك استراتيجي، يرغب أن تشكيل حكومته في أسرع وقت ممكن حتى تأخذ تلك الشراكة صفة التوازن، وهذا التشكيل برئاسة مصطفى الكاظمي سيمكن الولايات المتحدة من تقديم الدعم للعراق، ولن يقتصر هذا الدعم علىها فقط وإنما أيضَا كل أو معظم حلفاء وأصدقاء الولايات المتحدة الأمريكية وهم كثر سيقدمون الدعم للعراق للخروج من نفقه المظلم. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق ما المطلوب من العراق للخروج من أزماته واستقرار وضعه الاقتصادي؟
أن يوظف العراق علاقة الشراكة مع الولايات المتحدة بشكل إيجابي، كما فعلت اليابان وألمانيا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فهاتين الدولتان نظرًا لعلاقاتهما الايجابية مع واشنطن بعد تلك الحرب، أصبحث اليابان في عام 1960م، ثالث أقوى اقتصاد في العالم واستمر قطارها بالتقدم، بينما ألمانيا أصبحت أقوى اقتصاد في أوروبا، فما الذي يمنع العراق من خلال تعزيز شراكته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وما يمتلكه من موارد طبيعية وبشرية وموقع جغرافي متميز أن يصبح من الدول الإقليمية الصاعدة في بيئة الشرق الأوسط.
ولا نبالغ إن قلنا إن مسألة تكليف مصطفى الكاظمي لتشكيل الحكومة العراقية” التي قابت قوسين أو أدنى” هي إحدى ايجابيات المرحلة الاقتصادية والسياسية والأمنية الصعبة التي يمر بها العراق، فالإيجابية تتمثل باحترام وقبول القوى السياسية والمرجعية الدينية بالكاظمي، فعلى الطبقة السياسية العراقية أن تستثمر هذه الإيجابية وتعمل على تعزيزها وتقويتها لخروج العراق من نفقه المظلم، فالكاظمي الذي استطاع ان ينجح في إدارة جهاز المخابرات في أحلك الظروف بوسعه أيضًا أن ينجح في إدارة السلطة التنفيذية في العراق في ظرفها الحالي الصعب.
غدًا، سيعقد مجلس النواب العراقي جلسة تصويت، لمنح الثقة للحكومة الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، ويعد يوم الأربعاء، يوم فاصل في تاريخ تشكيل الحكومات العراقية في مرحلة ما بعد عام 2003م، لأن منحها الثقة يعني من الناحية الاقتصادية مؤشر كبير على تعافي الاقتصاد العراقي ومن ثم عدم قطع رواتب موظفي الدولة العراقية، أما من الناحية السياسية فإن منحها الثقة فتعني: تأسيس شراكة عراقية على عدة مستويات عربية وخاصة مع جيرانه وإقليمية “إيران وتركيا” ودولية ” الولايات المتحدة الأمريكية”، وتعني أيضًا إعادة الاعتبار لدولة العراق بوصفها دولة محورية ومركزية في بيئة الشرق الأوسط الأمر الذي يمكنها أن تصبح جسرًا بين الشرق والغرب، ومنحها الثقة تعني أيضًا، أن العراق سيصبح الوسيط الإقليمي والدولي بين واشنطن وطهران بدلًا من دول الخليج العربي. وأخيرًا تعني منح الثقة للوطني مصطفى الكاظمي ، عودة العراق إلى المسرح العالمي.