في الثلاثين من إبريل/ نيسان المنصرم، أعلنت المانيا حظر أنشطة حزب الله اللبناني على أراضيها، بعد اعتباره منظمة إرهابية. وقد داهمت السلطات المختصة خمسة عشر موقعا للحزب في أربع ولايات، تمت خلالها مصادرة وثائق وأجهزة كمبيوتر. وتفترض الاستخبارات الداخلية الألمانية، أن هناك أكثر من ألف عضو تابعين للحزب في البلاد. وبذلك ستصبح أنشطته السياسية والاجتماعية التي يقوم بها هؤلاء الأعضاء غير قانونية على الأراضي الألمانية، بضمنها رفع علمه في التجمعات.
وقد جاء قرار الحظر متدرجا في الفعل، فقد سبقه تأكيد المحكمة الدستورية العليا في الثاني من أغسطس/آب 2019 على قرار صادر من إحدى المحاكم بمنع جميعة تابعة للحزب، كانت تجمع التبرعات لحسابه. تلاه حكم آخر يقضي بمنع جمعية ثانية تابعه له أيضا لانتهاكها القوانين السارية في البلاد. كما يأتي قرار فرض الحظر على الحزب، على الرغم من تأخر ألمانيا في اتخاذه مقارنة مع دول أوروبية أخرى، متساوقا مع تحركات بالاتجاه نفسه أقرها الاتحاد الاوروبي. فقد أدرج الاتحاد الجناح العسكري للحزب على قائمة الإرهاب منذ عام 2013. كما صنّفت كل من المملكة المتحدة وهولندا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، أجنحته العسكرية والسياسية في خانة الإرهاب، وفرضت حظرا شاملا على نشاطاته في أراضيهم.
تصنيف حزب الله اللبناني على أنه منظمة إرهابية، وحظر نشاطاته جميعا في ألمانيا مؤخرا، له انعكاسات سياسية واقتصادية سلبية عليه بالدرجة الأولى، وعلى كل من لبنان وإيران. ففي البعد السياسي بات يقف على قدم المساواة في التصنيف ضمن القوانين الأوروبية مع حزب العمال الكردستاني، وتنظيم «الدولة الإسلامية»، وهذا إحراج كبير له ولأنصاره وأتباعه في المجتمعات الأوروبية، حيث سيكون هنالك عائق كبير في عملية الاندماج المجتمعي، وبالتالي إضعاف لمنظومته الاجتماعية في تلك الساحة، ما يحد من إمكانيات التحرك لجمع المزيد من الأنصار والأعوان. وحتى وقت قريب كان الحزب لا يتوقع أن تُقدم الحكومة الألمانية على هذا الفعل، مستندا في ذلك إلى علاقاته الجيدة مع بعض الأطراف في الجسم السياسي الألماني، التي سبق وأدارت مفاوضات مباشرة بينه وبين إسرائيل في الأعوام 2004 و2006 لتبادل أسرى بين الطرفين. وكذلك اعتقاده بأنه قناة جيدة تحرص السلطات الألمانية عليها للتواصل بينها وبين السلطات اللبنانية. لكن اليوم، وبعد الحظر باتت استراتيجيته على الساحة الأوروبية، خصوصا الساحة الألمانية تستوجب إعادة النظر.
أما على الصعيد الدولي فإن القرار سوف يوثر في العلاقات اللبنانية – الألمانية، والإيرانية – الألمانية أيضا. فالحزب مُمثل في البرلمان اللبناني، ولديه حقائب وزارية، وله بُعد اجتماعي في الأوساط الشعبية ، وبالتالي سوف يُنظر إلى قرار الحظر على أنه إهانة سياسية موجهة من ألمانيا إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية في لبنان. وعلى الرغم من أن التأثير السياسي اللبناني غير محسوس في العلاقات مع برلين، لكن الأخيرة كانت تحرص على عدم تعكير الأجواء السياسية معه، لأنه بلد يحتضن العديد من اللاجئين السوريين وجنسيات أخرى. وبعد الهجرة الواسعة النطاق التي جرت من الشرق الأوسط باتجاه أوروبا، حرصت ألمانيا على إيجاد قنوات تواصل مع الدول التي يتواجد فيها اللاجئون، وقدمت الدعم المادي والمعنوي الى هذه الدول، ومن ضمنها لبنان، أملا في عدم حصول هجرات جديدة. لذلك قد يكون قرار حظر حزب الله عامل أرباك سياسي في العلاقة بين الطرفين.
إيران سارعت لإدانة القرار الألماني بحظر حزب الله، قبل أن يصدر من الحكومة اللبنانية أي رد فعل رسمي أو غير رسمي
أما التأثيرات السلبية للقرار في إيران، فقد جاءت واضحة جدا على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية يوم الجمعه الأول من مايو/ أيار الجاري. فقد وصفه بأنه قرار (اتخذ بلا احترام للحكومة والشعب اللبناني) و(اتُخذ بلا حكمة تماما)، مُثنيا على الحزب ودوره في لبنان والشرق الاوسط، ومحذرا من التداعيات السلبية للقرار. المفارقة أن إيران سارعت لإدانة القرار الألماني، قبل أن يصدر من الحكومة اللبنانية أي رد فعل رسمي أو غير رسمي. لكن الذي يتمعن في تصريحات الأمين العام للحزب عندما قال يوما إن (موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الاسلامية في إيران)، يصبح على يقين بأن رد الفعل الايراني كان في محله، لأن من الطبيعي جدا أن تنتقد طهران القرار الألماني قبل لبنان. فالحزب مجرد أداة إيرانية أنشأها ودربها ومولها صانع القرار في طهران لتنفيذ سياساته. كما أن طهران لم تكن تتوقع أن تُقدم برلين على اتخاذ القرار، لانها أخف الدول الاوروبية لهجة معها، وكانت تراهن عليها في الإبقاء على الموقف الأوروبي ليس موحدا تجاهها. كما أنها صدّقت بعض التقارير التي كانت تقول بأن السلطات المختصة غير قادرة على حظر الحزب، بسبب ما يتمتع به من نفوذ واسع، وقوة تأثير في الساحة الالمانية. اليوم وبعد هذا القرار خسرت طهران هامش تحرك ومناورة كانا متوفرين لها في المانيا، وبات كل عمل غير قانوني تمارسه من خلال حزب الله، أو أذرعها الاخرى سيكون تحت الضوء والمحاسبة. وبذلك تكون أمام مرحلة جديدة في العلاقة مع برلين.
أما من ناحية الآثار الاقتصادية السلبية لقرار الحظر على حزب الله، فإن الاخير يتخذ من الساحة الألمانية مكانا اقتصاديا للمساهمة في عملية تمويله، خاصة بعد العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران. وحسب تقرير لمجلة «دير شبيغل» الألمانية فإن السلطات المختصة كشفت عن عمليات غسيل أموال لصالح الحزب بملايين اليوروهات من عمليات تجارية مشبوهة. ويقول النائب الألماني ماريان فينت في هذا الصدد بأن قرار الحظر (يمكن أن يمنع التحويلات المالية ويكشف عن تركيبة شبكة العصابات) التابعة للحزب. ما يعني أن الاخير قد تعرض إلى ضربة كبيرة في الجانب الاقتصادي على الساحة الألمانية، لكن على الرغم من ذلك، ومع أن السلطات الالمانية عطلت الكثير من الجمعيات والمنظمات الجامعة للتمويلات، فإن ذلك لا يعني تجفيف موارده المالية، فالحزب قام ومنذ سنوات بعيدة بتشكيل منظومة من شركات صغيرة ومتوسطة في الساحة الألمانية والأوروبية تابعة له وغير معروفة من قبل السلطات، لأنها لا تمارس النشاطات العلنية الاجتماعية والدينية، التي تقوم بها الجمعيات والمنظمات، التي تم إغلاقها. كما أن الكثير من التبرعات تأتي إليه من رجال دين أيضا ممن يجمعون الخُمُس من العامة، وكذلك من رجال أعمال. لكن قرار الحظر سيعطي دفعة قانونية للسلطات المسؤولة للتحرك ضد كل شبكة علاقاته على الساحة الألمانية.
إن قرار حظر حزب الله اللبناني في ألمانيا، واعتباره منظمة إرهابية، في الوقت نفسه، الذي يُحمّله الحراك الشعبي الفشل الحكومي بسبب سيطرته على القرار السياسي في لبنان، وعدم إفساحه المجال لتبوء النخب الكفؤة لقيادة البلاد، وإنقاذها من الواقع المر، إنما يسلط الضوء على طبيعة الممارسات والأدوار الموكلة له في تنفيذ سياسات إقليمية ودولية لا تمت بصلة لمصالح الشعب اللبناني.
مثنى عبدالله
القدس العربي