إلى أين تتجه العلاقات الأميركية الخليجية في مرحلة كورونا؟

إلى أين تتجه العلاقات الأميركية الخليجية في مرحلة كورونا؟

كثرت أخيراً التقارير في الصحافة الأميركية والدولية عن تغيير طرأ في العلاقة بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب والدول الخليجية عموماً والسعودية بشكل خاص، وفق تفسير أوساط في واشنطن من بين منتقدي ومعارضي قيادتي الرياض وأبو ظبي.

وهذه التحليلات، التي نراها في الصحافة الأميركية التقليدية، مثل “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”سي إن إن” وغيرها، تصدر عن الحلقات ذاتها التي انتقدت التحالف العربي في حملته في اليمن، ووجهت انتقادات إلى السعودية بسبب حادثة جمال خاشقجي، وهي ذاتها التي استمرت على مدار أشهر عدّة، منذ أكثر من عامين، بالدفع باتجاه تخفيف العلاقات بين واشنطن والرياض وأبو ظبي على أساس ما وصفته بأنّ هذا المحور يتّبع سياسات خطيرة متهوّرة تدخل أميركا في مآزق في المنطقة. والحلقات ذاتها وجّهت انتقادات لاذعة إلى ترمب، لأنه لم يضغط على التحالف العربي عندما أعلن مقاطعته لقطر في يونيو (حزيران) 2017.

ومن جذور هذه المعادلة، نفهم الموجة الجديدة من التحليلات والتقارير التي تنبئ العالم العربي بأن الرئيس الأميركي وإدارته في إطار تغيير سياسات البلاد تجاه حلفائه والضغط عليهم، والحديث عن انسحاب قطاعات عسكرية أميركية من السعودية وتصريحات مسؤولين أميركيين حيال ما يجري في اليمن. لكن، ما هي الحقيقة؟ وهل هناك فعلاً أزمة بين البيت الأبيض وحليفيه الرئيسين في المنطقة؟ أم أنها حملة أخرى تقف وراءها أوساط الإخوان المسلمين، وهدفها زعزعة العلاقة بين واشنطن والتحالف العربي، التي غيّرت المعادلات الإقليمية ولا تزال؟

الواقع الأول الذي لا خلاف عليه عند المراقبين والمحللين، هو أن هذه الروايات تخرج من رحم الشبكة الإعلامية ذاتها المتداخلة بين أميركا وأوروبا والشرق الأوسط، وهي نفسها التي تنتقد العاصمتين العربيتين بشدّة، وتدعم في الوقت عينه مبادرات تركيا وقطر في ليبيا والصومال واليمن وشمال سوريا. إذاً، في ما يتعلّق بطبيعة أصحاب الرسالة، فهم أنفسهم خصوم محور التحالف العربي، أكان في السعودية والإمارات أو في مصر وبنغازي أيضاً.

غير أن هنالك بعض الأصوات والتحليلات الصادرة في الولايات المتحدة عن حلقات إما محايدة أو ليست بالضرورة مؤيّدة للمحور الإخواني. وهي من بين المحافظين القوميين الذين يلاحظون أن إدارة ترمب انزعجت من المعالجة النفطية الأخيرة التي قامت بين السعودية وروسيا، حيث أُغرقت الأسواق بالنفط في خضمّ أزمة كورونا، ممّا أدّى إلى تراجع مصالح الشركات النفطية في تكساس وغيرها ووقوع خسائر مالية.
وتشير هذه الحلقات إلى أن الرئيس ترمب ذكر هذا الأمر مرات عدّة، قائلاً إنه يجب على أصدقائنا “الذين نحميهم” أن يساعدونا في محنتنا ولو كانت على حساب مصالحهم. ويعلّل هذا الفريق الاقتصادي أن منطق ترمب يقوم على حماية مواطنيه وشركاته، بالتالي عليه الطلب من حلفائه الشرق أوسطيين التخفيف من إنتاج النفط لمساعدة أميركا. وهذا ما يفسر تزايد التقارير والروايات في واشنطن عن وجود أزمة مع الرياض، لها جذور اقتصادية نفطية.

وما نفهمه أنه وإن كان هنالك تمايز بين إدارة ترمب والقيادة السعودية بشأن ملف النفط، فهو شبيه بالتمايز في العلاقات بين أميركا ودول حليفة أخرى كبريطانيا وفرنسا وحتى إسرائيل حول ملفات معينة، ويأتي في إطار التمايز بين الحلفاء والشركاء. هناك حاجة إلى التفاهم والتشاور وتبادل المعلومات، ورأينا أن الرئيس ترمب تواصل مع القيادة السعودية أكثر من مرة وتكلم حول الموضوع، ويبدو أن الطرفين اتفقا على معالجة هذه المسألة بجدية.

ومن المؤكد أن التمايز في وجهات النظر بشأن ملف اقتصادي صرف، يسبّب تباعداً استراتيجياً بين الطرفين. وبالعكس، فإنّ التشاور بين واشنطن وأبو ظبي والرياض هو في الأساس تشاور بين حلفاء وشركاء وليس بين متنافسين، وللطرفين في تقديرنا مصلحة استراتيجية قصوى لتسوية المسائل الاقتصادية، لأنّ أي اختلاف بين أميركا والخليج يؤدي إلى أزمات ومخاطر أكبر، ويفتح المجال أمام إيران لممارسة أنشطتها العدوانية بشكل أكبر بحيث لن ترحم الخليج أو الأميركيين في الشرق الأوسط، وهذا أمر واضح لا شك فيه.

التفاوت في معالجة موضوع النفط بسبب تفشّي وباء كورونا، وعدم قدرة الأطراف على تسوية الأمور الصحية والاقتصادية والأمنية في الداخل بسرعة، لن يؤثر كثيراً. فالمسائل تسوّى بشكل هادئ واستراتيجي، وسيتوصّل الطرفان إلى معادلة تخدم السوق الأميركية من ناحية، والاقتصاد السعودي من ناحية أخرى. أما في ما هو مشترك بشأن مصالح الأمن القومي، فليس هناك أي تغيير، وتحريك بعض القطع الأميركية في السعودية له علاقة بمواجهة الخطر الإيراني والعمليات القائمة، إذ إنّ وزارة الدفاع الأميركية تقوم بحسابات دقيقة حول كيفية نشر المشاة والكوماندوس وقواعد الصواريخ. وبمقدار تمكّن القوات الحليفة، السعودية والإماراتية، من القيام بواجباتها على جبهة من الجبهات ضد الخطر الإيراني، تنشر الولايات المتحدة قواتها في جبهات أخرى ويتم ذلك بالتنسيق بين هذه الأطراف، بالتالي لا تظن إيران أن هذه التحرّكات التكتيكية الأميركية تُعدُّ بدء انسحاب من القواعد العسكرية، إنما إعادة تموضع. وقد يفاجئ ترمب وإدارته طهران بحركة سريعة عسكرية، إذا أقدمت على حركة غير محسوبة ضد التحالف العربي أو قوات بلاده في العراق وسوريا.

وليد فارس

اندبندت عربي