تجمع التقارير الاقتصادية لكل من أكسفورد إيكونوميكس، ويو بي إس، ونومورا على أن النمو الاقتصادي في الصين سيكون ضعيفاً أو معدوماً هذا العام. وقد تلاشت آمال بعض المحللين الاقتصاديين بانتعاش الصين التي قادت الطريق إلى إغلاق عالمي لمكافحة الفيروس مع تراكم البيانات السلبية لها بما فيها أرقام التجارة ومبيعات التجزئة وغيرها من البيانات.
ومع تراجع الإنفاق على قطاع التجزئة والذي أسهم بـنحو 80 في المئة في النمو الاقتصادي الصيني العام الماضي، بنسبة 19 في المئة في الربع الأول مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق، وانخفاض الاستثمار في المصانع والأصول الثابتة الأخرى، محرك النمو الرئيسي الآخر في الصين بنسبة 16.1 في المئة، تتلاشى الآمال بانتعاش قريب في أداء الاقتصاد الصيني.
تراجعت الصادرات 6.6 في المئة في مارس (آذار) مقارنة بالعام الماضي. كان هذا تحسناً عن الهبوط المكون من رقمين في يناير(كانون الثاني) وفبراير (شباط)، لكن خبراء التنبؤ يحذرون من أن المصدرين سيواجهون على الأرجح تراجعاً آخر حيث أن المعركة ضد الفيروس تقلل من طلب المستهلكين الأميركيين والأوروبين.
الاقتصادي تشو تشن شين في معهد روشي المالي في بكين، علق على تلك البيانات بالقول: “لا أعتقد أننا سنشهد انتعاشاً حقيقياً حتى الربع الرابع أو نهاية العام”.
تراجع الإنفاق يؤذي الصين
الحزب الشيوعي الصيني الحاكم أعلن انتصاره على الفيروس في أوائل مارس وبدأ إعادة فتح المصانع والمكاتب حتى مع تشديد الولايات المتحدة وأوروبا ضوابطها. لكن دور السينما وصالونات الشعر وغيرها من الشركات التي تعتبر غير ضرورية ولكنها توظف الملايين من الناس لا تزال مغلقة، في وقت تكافح السياحة في الصين من أجل التعافي.
تم تشديد الرقابة على العاصمة بكين وبعض المدن الأخرى لمنع عودة ظهور المرض. معظم الأجانب ممنوعون من دخول البلاد.
إنفاق المستهلكين لايزال بطيء التعافي على الرغم من التحركات الحكومية لتشجيع الإنفاق من خلال إعطاء قسائم التسوق في بعض المدن وإطلاق حملات إعلامية تظهر المسؤولين يأكلون في المطاعم.
يحتفظ العديد من المتسوقين المحتملين بأموالهم خوفاً من فقدان وظائف محتملة. البعض الآخر مترددون في المغامرة في محلات السوبر ماركت أو حتى مغادرة منازلهم.
وكان الحزب الحاكم الصيني قد ناشد الشركات الاستمرار في دفع الرواتب للموظفين وتجنب تسريح العمال لتحفيز الإنفاق. فيما تأتي الإعفاءات الضريبية والقروض الواعدة لمساعدة رجال الأعمال على الوقوف على أقدامهم. ومع ذلك، فقد أغرقت موجة من حالات الإفلاس سوق العمل، مما زاد من القلق الاقتصادي.
ضربة لقطاع السيارات
وجه كوفيد-19، ضربة موجعة لشركات صناعة السيارات الصينية وغيرها من الشركات التي تأمل في أن تتمكن الصين من طرد الاقتصاد العالمي من الركود الأكثر إيلاماً منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
وشهدت مبيعات السيارات في الصين تراجعاً في مارس الماضي بنسبة 48.4 في المئة مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي. كان ذلك أفضل من الانخفاض القياسي الذي سجل في فبراير بنسبة 81.7 في المئة، لكنه يأتي على رأس انخفاض عمره عامان، الذي كان بالفعل يضغط على شركات صناعة السيارات العالمية والصينية في أكبر سوق عالمي لهذا القطاع.
نمو اقتصادي لأربعة عقود
لأكثر من جيل، جعلت الصين – التي تفتخر بأكبر قطاع تصنيع وأكبر قوة عاملة في العالم، النمو الاقتصادي يبدو سهلاً. على مدى العقود الأربعة الماضية، نما اقتصادها بمعدل 10 في المئة سنوياً، وفقاً للبنك الدولي. ولكن الآن توقف هذا النمو.
عانت الصين من أسوأ انكماش اقتصادي لها منذ السبعينيات على الأقل في الربع الأول حيث حاربت فيروس كورونا، ويشير ضعف الإنفاق الاستهلاكي ونشاط المصانع إلى أنها تواجه انتعاشاً أطول وأصعب مما كان متوقعاً في البداية.
تقلص الناتج المحلي الإجمالي للصين في الأشهر الثلاثة التي انتهت في مارس بنسبة 6.8 في المئة عن العام الماضي، بعد أن أغلقت المصانع والمتاجر لاحتواء العدوى، بحسبما أعلن مكتب الإحصاءات الوطني الصيني.
كان هذا أقوى من بعض التوقعات بانكماش يصل إلى 16 في المئة ولكنه أتى بأسوأ أداء للصين منذ بدء الإصلاحات الاقتصادية على غرار السوق في عام 1979.
كورونا ومستقبل الاستقرار السياسي للصين
هذه الأرقام تعد الأسوأ، وتهدد وضع الصين كثقل اقتصادي. والأهم من ذلك، دعم الاقتصاد القوي للصين لسنوات الاستقرار السياسي لدولة الحزب الواحد.
لقد كان، في جوهره، عقداً اجتماعياً. وإذا انهار الاقتصاد، فقد يواجه الملايين من العمال الصينيين الشباب البطالة.
يقول الخبراء إن الحزب الشيوعي الحاكم وضع عقوداً من النمو الاقتصادي في قلب نموذج نجاحه. وأعلن ريتشارد مكجريجور، وهو الزميل الأقدم في معهد لوي، وهو مركز أبحاث مقره أستراليا: “إنه دليل ملموس للحزب الشيوعي على أن نظامهم يعمل لصالح الصين، ولشعبها”.
وأضاف مكجريجور إن التباطؤ المطول من شأنه أن يزعزع الثقة بين الحكومة والعمال، ويزيد من فرصة الاضطرابات بين أولئك الذين يشعرون بآثار تفشي المرض، مع تخفيض الأجور وفقدان الوظائف، “إنه يجعل الناس يفقدون الثقة في النظام”.
وعلى الرغم من أن الصين تخرج من يأس كوفيد-19، إلا أن صحتها الاقتصادية لا تزال هشة.
وبلغت البطالة 5.9 في المئة في مارس، انخفاضاً من 6.2 في المئة في فبراير، لكن الخبراء يقولون إن العدد الحقيقي للعاطلين على الأرجح أعلى بكثير.
وتدرك القيادة الصينية أن التهديد الاقتصادي للبطالة يمكن أن يترجم إلى تهديد سياسي عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على النظام العام.
ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن رئيس الوزراء لي كه تشيانغ قوله في مؤتمر عبر الهاتف حول السيطرة على الوباء في مارس، إن العمالة ترتبط وثيقاً بمعيشة الشعب والتنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي.
وقال ألبرت بارك، مدير معهد دراسات الأسواق الناشئة في جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا، منذ الأزمة المالية العالمية لعام 2008، حاولت الحكومة منع عدم الاستقرار الاجتماعي من خلال تعزيز شبكة الأمان. وأضاف “إنهم لا يريدون مشاكل بطالة حضرية خطيرة حقاً”.
السؤال الآن لأولئك الذين فقدوا وظائفهم أثناء تفشي فيروس كورونا وهل تعهد الحكومة بدعم العمال ستساعدهم على استعادة ما فقدوه.
خلال تفشي جانحة كورونا عرضت المقاطعات الصينية حوافز – بما في ذلك المبالغ المستردة على مدفوعات الضمان الاجتماعي – لتشجيع الشركات على عدم طرد العمال.
ولكن بالنسبة للأشخاص في الصناعات التي تضررت بشدة، لا يزال العثور على عمل في اقتصاد غير مؤكد يمثل تحدياً.
اندبندت عربي