بلغ الصراع على المال بين الرئيس السوري بشار الأسد وعائلته، وبين عائلة والدته آل مخلوف، مرحلة حرجة، اليوم الثلاثاء، بحجز الحكومة على أموال ابن خاله رامي مخلوف، الذي يعد من أغنى أغنياء سوريا ومُزوِّد آل الأسد بالمال، خصوصاً أنه كان واجهة لأعمال مالية وتجارية كبرى على مدى 20 سنة ماضية، بعدما كان والده، خال الأسد، محمد مخلوف يلعب هذا الدور أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد.
يستبطن الخلاف على الأموال الذي تجلى بمطالبة وزارة المال السورية رامي بدفع أموال طائلة للخزينة بحجة “تهربه” من الضرائب و”تقليصه” حصة وزارة الاتصالات من امتياز شركة “سيريتل” للهاتف الخلوي، صراعاً خفياً على السلطة، لا سيما من جانب آل الأسد، وزوجة الرئيس السوري أسماء الأخرس التي دخلت بقوة في السنوات الماضية عالم المال والأعمال.
أبعد من “سيريتل”
أظهرت وثيقة حكومية اطلعت عليها “رويترز” أن الحكومة السورية قرّرت الحجز على أموال رامي مخلوف، وزوجته وأولاده. وحملت الوثيقة تاريخ 19 مايو (أيار) وعليها توقيع وزير المالية. وورد فيها أن “الحجز الاحتياطي يأتي ضماناً لتسديد المبالغ المستحقة لهيئة تنظيم الاتصالات في سوريا”.
وكان مخلوف بث مقطعاً مصوراً هو الثالث عن القضية، الأحد الماضي، قال فيه إن المسؤولين طلبوا منه الاستقالة من رئاسة شركة “سيريتل” لخدمات الهاتف المحمول، في أحدث منعطف في نزاع على الأصول والضرائب، كشف عن خلاف في قلب النخبة الحاكمة بسوريا، بحسب “رويترز”.
كما أن مخلوف أشار في التسجيل الصوتي، الذي بث على صفحته عبر “فيسبوك”، إلى اعتقالات من قبل السلطات السورية لمديرين في الشركة التي يرأس مجلس إدارتها، بعد أن رفضوا التوقيع على أوراق بالتنازل عن أموال تساوي 120 في المئة من أرباح الشركة، حسبما أعلن، لكن رامي عاد وقال، إنه أبدى استعداداً لدفع هذه الأموال، على الرغم من وصفه ذلك بأنه “ظلم”. وطلبت السلطات من شقيقه إيهاب الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس الإدارة أن يوقع على التنازل عن أموال طلبها مفاوضون عن الحكومة السورية.
إلا أن رامي الذي أوضح أن حق التوقيع منوط به، وأن شقيقه يوقع عنه إذا كان غائباً، بينما “أنا موجود”، طلب من شقيقه الاستقالة من المنصب، وعيّن مكانه ابنه علي، الذي يقيم في دبي، ولا تستطيع السلطات السورية ملاحقته، حسبما كشفت مصادر مطلعة على مجريات الصراع الدائر لـ”اندبندنت عربية”.
فرامي يريد التفاوض المباشر معه، الأمر الذي يرفضه الرئيس السوري، وسط معلومات بأن خال الأسد، ووالد رامي، حاول إقناع الرئيس بالاجتماع مع رامي، لكنه رفض.
وكانت “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد” نشرت على صفحتها الرسمية على “فيسبوك” بعد التسجيل الصوتي، الذي بثه مخلوف عن استعداده لدفع الأموال المطلوبة منه، أن الشركة “رفضت دفع المبالغ المتوجبة عليها وأنها ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة”، التي اتضحت بالحجز على الأموال.
ورد مخلوف في اليوم نفسه مكذّباً ذلك، بنشر بيان وجهته الشركة إلى “الهيئة الناظمة” بتاريخ 10 مايو الحالي، بينت فيه “سيريتل” استعدادها لتسديد المبالغ المفروضة عليها، مطالبةً الهيئة الناظمة بموجبه تحديد مبلغ الدفعة الأولى، ومبالغ الأقساط الأخرى والفوائد المترتبة عليها”.
واستهجن مخلوف، “أن تقوم الهيئة الناظمة للاتصالات بنشر عكس ما ورد في مضمون البيان”.
الحاجة إلى العملة الصعبة
يبدو من تسلسل أحداث الأيام الماضية، أن القضية تتجاوز ما هو مطلوب من أموال من استثمار مخلوف في الهاتف الخلوي، إلى ما هو أبعد.
وينسب العديد من الأوساط العارفة ببواطن الأمور تفاقم الصراع إلى تلاقي جملة عوامل، البعض يركز على جزء منها، والبعض الآخر يعطي أهمية إلى جزء آخر.
وعلى الرغم من أن رامي مخلوف جزء من نظام الأسد ومتهم بالمشاركة فيما يرتكبه الأخير من جرائم، واسمه على لوائح العقوبات الدولية والأميركية ضد أركان النظام، فإن حاجة الدولة السورية منذ أواسط عام 2019 إلى العملة الصعبة، نتيجة حصار العقوبات الأميركية والأوروبية والتدهور الدراماتيكي في سعر صرف الليرة السورية، التي أملت عليه إطلاق حملة ضد العديد من كبار رجال الأعمال السوريين الذين أثروا خلال الحرب ليتنازلوا عن مبالغ كبيرة، لم تستثنِ مخلوف الذي تخلى عن بعض الأموال في حينها.
إضافة إلى عدم إغفال تأثير تدهور الوضع الاقتصادي المالي في لبنان على مزيد من التراجع في الاقتصاد السوري، لأن لبنان كان طوال السنوات القليلة الماضية منفذاً رئيساً للالتفاف على العقوبات من جانب النظام.
أسمى وشركة “تكامل”
وبحسب رواية هذه الأوساط المختلفة التي تحدثت إلينا، وبعضها معارض، فيما البعض الآخر محايد يفضل كتم هويته، فإن الصراع مع مخلوف يعود أيضاً إلى أن زوجة الرئيس السوري أسماء، دخلت في السنوات الماضية على خط الاستثمارات المالية والتجارية، بحيث بات لها حصة في السوق من خلال شركات عدة بالتعاون مع شقيقها ” ف. أ”، وابن خالتها “م . د.”
وكان أبرز هذه الأعمال شركة “تكامل” التي أصدرت بطاقة ذكية باسم الشركة هي نسخة عن بطاقة ائتمان اشتراها ملايين من السوريين، فنشأ فريق نافذ، بات شريكاً في اقتصاد الحرب في سوريا، قِوامه أسماء الأخرس وزوجها، وشقيقه ماهر قائد الفرقة الرابعة، بعدما كان مخلوف يشكل المستثمر الأقوى المقرب من ابن عمته، الذي حصل على امتيازات في الاتصالات (يملك حصة في الشركة الثانية المشغلة للخلوي MTN)، النفط والأسواق الحرة، من بين قطاعات أخرى كوكالات لشركات استثمرت في السوق السورية. لكن شراكة ثلاثي الأسد في السوق، أخذت تنافس مخلوف وعائلته، وباتت تشعر بأنه يجب تشذيب جوانح الأخير.
رخصة GSM الإيرانية
في المقابل، أخذ التنافس المالي بعداً سياسياً أحياناً، إذ انحاز ثلاثي الأسد إلى تنشيط رخصة شركة اتصالات خلوية ثالثة أعطيت لإيران منذ عام 2015، كانت تجري عرقلة تشغيلها من قبل بعض أوساط النظام، ومنهم آنذاك رامي مخلوف، خصوصاً أن الجانب الروسي تحفظ على اكتساب طهران امتيازاً كهذا في السوق السورية.
وفيما كان بشار الأسد يراعي بعض محيط الرئاسة بالامتناع عن تشغيل تلك الرخصة لصالح الإيرانيين، عاد وتساهل مع إطلاقها بدخول شقيقه ماهر وزوجته على خط قطاع الاتصالات. وباتت منافسة رامي أولوية.
ومع أن مجلة “دير شبيغل” أفردت مطلع الأسبوع صفحات عدة لتحقيق حول صراع العائلتين ضمن العائلة الواحدة. وأضافت إلى ملف صراع النفوذ الاقتصادي الجانب المتعلق بتهريب المخدرات من سوريا إلى دول عربية ودول أجنبية، وتحدثت عن فك شراكة بين ماهر الأسد وبين رامي مخلوف في هذا المجال، فإن الأوساط العارفة بالشرخ الكبير الحاصل داخل الأقلية الحاكمة في سوريا تركز على الجوانب الاقتصادية المذكورة أعلاه، وعلى جوانب سياسية أخرى في الصراع على السلطة.
تهيئة الظروف للوراثة؟
وعلى ذمة الراوي، فإن نفوذ زوجة الرئيس السوري أخذ بعداً قوياً؛ لأن هناك من يعتقد في دمشق، أن توسع نفوذ رامي مخلوف أثار حفيظة أسماء الأسد.
فالمتابعون لشؤون الرئاسة، يتحدثون عن توجه لدى السيدة الأولى لتمكين نفوذ زوجها في مواجهة بروز أي احتمالات لبدائل عنه، وصولاً إلى عملها لتهيئة الظروف وبناء قاعدة نفوذ لتمكين ابنها حافظ للعب دور رئاسي بعد والده عندما يشتد عوده.
وعلى الرغم من الاعتقاد السائد بأن هذا الأمر غير واقعي، فإن تفكيراً من هذا النوع ليس بعيداً من باطن الأمور، في شكل يبرر حصر المال والثروة بيد آل الأسد.
جمعية “البستان” ونفوذ مخلوف
من جهة ثانية، وسّع ابن الخال رامي، نفوذه خلال فترة الحرب، استناداً إلى الدور التقليدي لعائلة مخلوف في الطائفة العلوية قبل وأثناء رئاسة الرئيس الراحل حافظ الأسد، حيث كان شقيق زوجته محمد مخلوف يتولى الإنفاق في مناطق العلويين، ويقدم المساعدات المالية لضمان ولاء العائلات والعشائر للنظام، ولذلك أتاح له الأسد الأب أن يحصل على امتيازات استثمارية صنعت له ثروة مالية تخدم دوره المساند هذا.
منذ بداية الحرب الأهلية عام 2011 ، لعب رامي الدور نفسه إلى جانب بشار، حين أنشأ جمعية “البستان” التي قدمت مساعدات إنسانية، لا سيما في المناطق العلوية، احتضنت عائلات المقاتلين العلويين إلى جانب النظام، وقدمت لها مساعدات طبية ساعدت في استشفاء جرحاهم.
لكنه مع الوقت أنشأ ميليشيا تابعة للجمعية بلغ قوامها 18 ألف مقاتل، وجدت في المناطق العلوية، وأقامت الحواجز، واصطدم عناصرها أحياناً بالميليشيات الموالية لإيران. وهذا النفوذ، على الرغم من أنه ليس مستقلاً عن النظام، لم يرق لآل الأسد ولا لشقيق الرئيس، الذي يقال إنه لم يكن يستسيغ دور ابن خاله.
ويتداخل الصراع على الثروة المالية وعلى النفوذ السياسي بين فرعي العائلة الواحدة مع عوامل أخرى تلعب دوراً في إذكائه، وسط المرحلة الحرجة التي تدخلها سوريا هذه الأيام سواء على الصعيد الاقتصادي، أو على صعيد الحلول السياسية، التي تسعى إليها موسكو. ويبقى السؤال إلى أين يمكن أن يصل هذا الصراع؟
وليد شقير
اندبندت عربي