السؤال الذي شغل الأوساط السورية، والمراقبين للصراع الدائر بين الرئيس السوري بشار الأسد وابن خاله رامي مخلوف: على ماذا يراهن الأخير حتى يعاند حيال ما طلبه رجال الأسد منه من أموال، رافضاً التنحي عن رئاسة مجلس إدارة شركة “سيريتل” للهاتف النقال؟
ليس من عادة النظام السوري التساهل مع ما يعتبره تمرداً عليه، على شاكلة التسجيلات الصوتية التي أذاعها مخلوف والتي بلغت ثلاثة منذ آخر شهر أبريل (نيسان) الماضي، كاشفاً فيها الخلاف إلى العلن وبعضاً من تفاصيل المفاوضات الجارية لاستحواذ الأسد وشقيقه ماهر وزوجته أسماء، على الشركة التي تدر مالاً.
في المقابل، أعلن مخلوف، أنّ السلطات السورية التي تطالبه بدفع مستحقّات مترتّبة على إحدى شركاته، ألقت الحجز على أمواله وأموال زوجته وأولاده، وأمرت بمنعه من التعاقد مع أي جهة حكومية لمدة خمس سنوات.
ويرأس مخلوف “سيريتل”، أكبر شركة اتّصالات في سوريا، وهو يخوض صراعاً مع السلطات التي تطالبه بدفع 185 مليون دولار مستحقّة للهيئة الناظمة للاتصالات والبريد على شركته.
وهدّدت “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد” باتّخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإرغام “سيريتل” على تسديد المبالغ المترتبة عليها للاحتفاظ برخصتها التشغيلية.
لكنّ مخلوف وصف اتهامات هيئة الاتصالات بأنّها غير مبرّرة وظالمة.
تجنب الشرخ داخل البيت العلوي
يرجح عارفون بالعلاقات بين آل الأسد وبين آل مخلوف، تجنب الرئيس السوري إيجاد شرخ داخل الطائفة العلوية، لأن رامي وقبله والده، خال بشار لهما دور وموقع ضمن الطائفة تعزّز خلال الحرب عبر الخدمات التي قدمها مخلوف لشرائح واسعة من أبنائها من خلال جمعية “البستان” الإنسانية، واستثماراتها والرواتب التي كانت تدفعها للميليشيات الرديفة التي أنشأها دعماً للنظام في قتاله ضد المعارضة طوال السنوات الماضية، على الرغم من حلها بإلحاح من الجانب الروسي، الذي حرص على وقف الفوضى الأمنية التي تخلقها التشكيلات العسكرية التي نشأت على هامش الجيش السوري. فموسكو أخذت على عاتقها إعادة بناء الجيش للعب دور في مواكبة الحل السياسي عندما يحين وقته.
وثمة اعتقاد بأن ما يريده ثلاثي الأسد من مخلوف، أبعد من الأموال التي يملكها في سوريا، لأن أمبراطوريته المالية تتعدى بلاد الشام، فجزء كبير من أمواله موجود في الخارج، في دبي مثلاً، وبعض الجزر التي جعلت قوانينها جنة ضريبية، ويقول البعض في موسكو أيضاً.
فتوقيف مديري شركة “سيريتل” منذ أسابيع، وبعضهم يعرف قيمة التحويلات التي كانت تجري بطرق تتجنب العقوبات، يرمي إلى معرفة قيمة الأموال المحولة وإلى أين.
العين على أموال الخارج
الهدف من كل ذلك، التفاوض مع رامي على إرجاع جزء منها، لأن قيمتها تفوق بكثير ما يملكه داخل سوريا نفسها. فالتحويلات إلى الخارج من قبل عائلة مخلوف كانت تتم منذ ما قبل اندلاع الثورة السورية.
وتفيد تقديرات بعض العارفين في هذا المجال بأن أموال المخلوف في الداخل قد لا تتجاوز 30 في المئة من ثروته.
إضافة إلى حاجة النظام إلى العملة الصعبة التي انخفض حجمها بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية، والرغبة في حصر الثروة في يد آل الأسد، يحتاج الرئيس السوري إلى تحضير نفسه من أجل إنفاق الكثير من الأموال قبل الانتخابات الرئاسية المنتظرة في يونيو (حزيران) 2021، لا سيما إذا جرى توافق دولي على أن تجرى تحت رقابة دولية.
والمطلوب في هذا المجال استمالة ناخبي مناطق واسعة بالمشاريع تعين الأسد على الإمساك بهذه المناطق… فسوريا تعيش حالاً من الفوضى المنظمة التي تتداخل فيها مواقع النفوذ الداخلية والخارجية المتعددة، المتنافسة إما على الإمساك بالأرض، كما هو حاصل بين إيران وروسيا وتركيا وبعض الدول العربية التي ما زالت تلعب دوراً خفياً مع قوى دولية، أو للتأثير في موازين القوى بالضربات الجوية المتواصلة التي تقوم بها إسرائيل بالتنسيق مع روسيا والولايات المتحدة الأميركية، ضد الوجود الإيراني.
ولبعض هذه الدول مصالحها الاقتصادية إضافة إلى السياسية في سوريا. فروسيا بصرف النظر عن استثماراتها المستقبلية فيها، تدين لدمشق بمبالغ مالية طائلة نتيجة مساعدتها على تجاوز العقوبات بتوريد حاجاتها من البنزين والطحين، إضافة إلى الأسلحة.
وكذلك إيران التي دخلت على خط تأمين الحاجات السورية للالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة عليها، في وقت يتقاسم الأتراك والأميركيون السيطرة على المواقع النفطية في الشمال الشرقي.
العقوبات والتحويلات المالية
لكن هدف الحصول على جزء من أموال مخلوف، يواجه بعض العقبات التي يفرضها الواقع. وإزاء فرضية التفاوض بينه وبين الأسد على تحويل أموال إلى سوريا، كيف ستمر هذه الأموال في ظل العقوبات الحالية والتي قد تزداد تشدداً الشهر المقبل مع بدء سريان مفعول قانون “سيزر” الأميركي؟
فالقانون يفرض حظراً على التحويلات المالية وأي مساعدات ومشاركة أي شركات في إعادة إعمار سوريا، ما لم ينفذ النظام مجموعة شروط منها الإفراج عن المعتقلين ووقف عمليات القمع للسوريين المعارضين وقصف المناطق السكنية… والسماح بالعودة الآمنة للنازحين ومحاسبة من ارتكبوا جرائم حرب في القوات الحكومية السورية.
وسواء كانت للخلاف بين ثلاثي الأسد وبين آل مخلوف دوافع لها علاقة بالنفوذ الذي اكتسبه رامي بحكم إنفاقه المال خلال الحرب دفاعاً عن النظام، فإن الإطار السياسي لما يجري أتاح لبعض التكهنات عن ارتباط الخلاف بما يشهده المسرح السوري من تقاسم للنفوذ بين القوى الخارجية، من دون أن تكون هذه القوى منغمسة في دعم أو تأييد هذا أو ذاك من الفريقين.
موسكو تتفرج
في المقابل، حفلت التقارير الصحافية الغربية بالتكهنات التي تصنف الحملة على مخلوف أنها تحظى بدعم موسكو من زاوية رغبتها بضرورة تخفيف الأسد من أثرياء الحرب الذين حوله ومنهم مخلوف، وأن تقليم أظافر الأخير يصيب إيران التي تتأفف موسكو من طموحاتها لمزيد من التوسع على الأرض السورية.
وفي سياق متصل، أوحت تقارير أخرى بالعكس، أي أن موسكو غير منزعجة من المواجهة بين الأسد وبين مخلوف لأنها تبدي انزعاجاً من الفساد واستغلال المساعدات التي تقدمها موسكو لأهداف شخصية، على الرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة.
ويكتفي بعض الخبثاء بالقول إن موسكو تراقب حتى إذا حصل النظام على بعض الأموال، فإنها ستطالب بدفع بعض الديون المستحقة لها على دمشق.
يقف المسؤولون الروس في موقع المتفرج على الخلاف الدائر من دون التدخل في تفاصيله، ويكتفون بمراقبة مآله، إثر ظهور مقالات في بعض المواقع الإلكترونية في موسكو تتهم الحكومة بعدم الوفاء بالتزاماتها، مهاجمة الأسد وتعتبره “ضعيف الإرادة السياسية”.
وهذه المقالات لا تعني بحسب من يرصدون توجهات موسكو إشارة منها إلى تخليها عن الرئيس السوري، إذ إن ورقته لم تسقط طالما الاتفاق حول مصير سوريا بينها وبين واشنطن لم يحصل. كما يصعب الاستنتاج أن حركة مخلوف تحظى بتأييدها.
الإلحاح الروسي على الحل السياسي
ما يهم موسكو في الآونة الأخيرة، الإسراع بولوج الحل السياسي السوري عبر تفعيل لجنة صوغ الدستور التي اعتبرت تشكيلها ثمرة جهودها في إطار تعاون الدول الثلاث الضامنة أي تركيا وإيران إضافة إليها، في أستانا وسوتشي.
فوفد النظام إلى هذه اللجنة ماطل منذ انطلاقتها، ويحول دون أي تقدم بحيث تجمدت أعمالها. ويحث المسؤولون الروس على إعادة تنشيط اجتماعاتها سريعاً، سواء عبر نصائح مباشرة أو عبر فريق المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون.
وهم يخشون أن تقترب الانتخابات بغياب أي تقدم في المستوى السياسي، يسمح بإشراف دولي عليها، ويتيح تشريع استمرار الأسد في سدة الرئاسة.
وإذا لم تجر الأمور وفق هذا التوجه، يضعف موقعهم لصالح المزيد من النفوذ الإيراني الذي يتناغم الأسد معه في تأجيل الحلول السياسية.
فالدبلوماسية الروسية تشعر أن الأسد يعاكس توجهها بالنسبة إلى الحل الذي توصلت إليه مع تركيا حول إدلب، ويصر على استئناف المعارك فيها. وكلما حالت دون اندفاعه نحو إعادة فتح المعركة، يتجه أكثر فأكثر إلى الحضن الإيراني.
لكن عمق الأزمة المالية الاقتصادية في سوريا، بعد أن بلغ سعر صرف الدولار 1580 ليرة سورية، أي بارتفاع نسبته أكثر من 30 في المئة منذ أول السنة، يحفّز الأسد على استعجال الحصول على المال من أثرياء الحرب السورية، ومنهم مخلوف لتهدئة السوق، لكن الأمر سيكون عبثاً في ظل التداخل بين خزينة الدولة وخزنة العائلة.
وليد شقير
اندبندت عربي