أعلنت تركيا إرسال سفينة “الفاتح”، التي كانت تنقب عن الغاز في شرق المتوسط لصالح تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية، اليوم الجمعة، للإبحار نحو البحر الأسود للمشاركة بأعمال التنقيب عن الغاز الطبيعي، بعد رسو السفينة في ميناء “حيدر باشا” بإسطنبول منذ نيسان/إبريل الماضي، وذلك بالتزامن مع الذكرى 567 لفتح القسطنطينية (إسطنبول)، على يد السلطان العثماني محمد الفاتح.
وتؤكد مصادر خاصة من وزارة الطاقة التركية لـ”العربي الجديد”، أن نقل سفينة “الفاتح” للتنقيب بالبحر الأسود لا يعني الانسحاب من التنقيب في شرق المتوسط، بل هناك سفينتان تستمران بالتنقيب وسترسل سفينة ثالثة قريباً، ليتم التنقيب بالتوازي عن الطاقة بالبحرين الأسود والمتوسط.
وتشير المصادر إلى أن التنقيب في البحر الأسود ليس حديثاً، ولكنه سيتم على نحو تقني مختلف ووفق الخطط التركية، لذا سيتم إشراك سفينة “الفاتح”، لما تتمتع به من ميزات وتقنيات حديثة، مضيفة أن عمليات التنقيب ستبدأ في شهر يوليو/تموز المقبل مع الحماية الجوية والبحرية من القوات التركية.
وتعدّ سفينة “الفاتح”، التي أبحرت أول مرة بالمتوسط في مايو 2018 وبدأت في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه أول عمليات التنقيب بمراسم رسمية، من أبرز سفن التنقيب التركية، ويبلغ طولها 229 متراً، وعرضها 36 متراً. وتتميز السفينة المصنفة ضمن سفن الجيل السادس، بامتلاكها تكنولوجيا عالية، وتعد من أفضل 5 سفن حول العالم التي تمتلك تلك التكنولوجيا الفائقة.
وتسعى تركيا جراء خطط التنقيب عن الطاقة بالمياه الاقليمية، إلى تخفيض فاتورة استيراد حوامل الطاقة (نفط وغاز)، البالغة نحو 42 مليار دولار سنوياً، بعدما وصل استهلاكها السنوي إلى نحو 53.5 مليار متر مكعب من الغاز ونحو 350 مليون برميل من النفط.
بل وتوسعت الخطط التركية، بهدف إيجاد بدائل محلية، لتتعدى المياه الإقليمية، إذ بدأت العام الماضي عملية التنقيب عن الغاز الصخري في ولاية “قرقلر إيلي”، شمال غربي تركيا، في ظل احتمال وجود الغاز بهذه المنطقة جراء عمليات المسح. وأطلقت عملية التنقيب في بئر “جشماكولو 2” باستخدام التكنولوجيا الجديدة غير الكلاسيكية، المستخدمة لأول مرة في الولايات المتحدة، والآن يجري استخدامها في تركيا.
ويرى المحلل التركي سمير صالحة أن تركيا أمام خطط استراتيجية موضوعة منذ تسع سنوات، وهي اليوم تنفذها عبر التوسع بالتنقيب عن الطاقة في البحر الأسود، من خلال زجّ سفينة “الفاتح” بعد فشل برنامج “سورانا 1” في محاولتين، بداية في عام 2011 ثم تاليا بعد معاودة التنقيب عام 2017 قبالة السواحل القريبة من رومانيا وبلغاريا.
ويضيف صالحة لـ”العربي الجديد”، أن أولوية تركيا تبقى التنقيب في البحر المتوسط، لصالحها ولصالح جمهورية قبرص الشمالية، لكنها اتخذت قرار التوسع بالبحر الأسود منذ عامين، ولكن عبر الانتفاع من تقنية سفينة الفاتح العالية، بعد عدم النجاح بالطرق الكلاسيكية، “وهذا لا يعني مطلقأ التراجع أو الانسحاب عن التنقيب والحصول على الحقوق بمياه البحر المتوسط”، بل إن استراتيجية التنقيب مستمرة وستتوسع بالبحر الأسود أيضاً.
وختم المحلل التركي أن بلاده تشهد مرحلة جديدة في تاريخ الطاقة، من خلال اعتمادها التنقيب عن النفط بسفينة محلية وطاقم مهندسين محليين في المياه العميقة، وسترفع قدرات التنقيب عن النفط في المياه العميقة لتصل إلى 12 ألف متر، “وسيأتي يوم وتنقب تركيا في مياه البحر المتوسط ومياه بحر إيجه ومياه البحر الأسود ومياه بحر مرمرة”.
ويذكر أن تركيا تستورد أكثر من 90% من استهلاكها من الخارج، ما يعني زيادة تكاليف الإنتاج والتقليل من قدرات المنافسة للإنتاج الصناعي والزراعي، ما يدفعها للبحث عن بدائل طاقة محلية، بعدما زادت فاتورة استيراد الطاقة عن 40 مليار دولار سنويا، واحتلت المرتبة الأعلى من حيث الطلب على الطاقة بين دول منظمة التعاون والتنمية، وتعتمد بوارداتها من النفط والغاز الطبيعي على روسيا وإيران وقطر والعراق وأذربيجان.
عدنان عبدالرزاق
العربي الجديد