مع اقتراب إسرائيل من تنفيذ مشروع ضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية، تُطرح الكثير من التساؤلات، حول مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية. وفي هذا السياق، اتفق محللون سياسيون فلسطينيون على أن بدء إسرائيل بتنفيذ مشروعها، لن يُفضي إلى تقويض الوجود السياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية، في الفترة المرحلية.
واستبعد المحللون، تلويح القيادة السياسية بورقة حلّ “السلطة”، كونها تعتبر أن وجود هذه المؤسسة “إنجازا وطنيا وخطوة على طريق تأسيس الدولة”.
وإن حدث ذلك، فإنه لن يخرج، بحسب المحللين، عن نطاق “التهديد، دون وجود تنفيذ فعلي له”.
كما أنه من المستبعد إقدام إسرائيل على دفع السلطة نحو الانهيار، من خلال فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والمالية عليها، لما يترتب على ذلك من آثار سلبية تعود على تل أبيب؛ على حدّ قولهم.
وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مؤخرا، أنه أصبح في حلّ من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها بما فيها الأمنية، ردا على نية إسرائيل ضم المستوطنات بالضفة.
ومن بين تلك الاتفاقيات، اتفاقية أوسلو للسلام الموقعة عام 1993، والتي تأسست في إطارها السلطة الوطنية الفلسطينية.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في تصريحات متكررة، بالآونة الأخيرة، إن حكومته ستبدأ إجراءات ضم نحو 30 في المئة من مساحة الضفة الغربية المحتلة إلى سيادتها، في الأول من يوليو/ تموز الجاري.
وتُشكّل الأجزاء التي تعتزم إسرائيل ضمّها غور الأردن، وجميع المستوطنات في الضفة المحتلة.
** السلطة إنجاز وطني
المحلل السياسي عبد المجيد سويلم، لا يرى أن هناك ضرورة تستدعي أن تتجه القيادة الفلسطينية نحو التلويح بحلّ السلطة.
وأوضح سويلم أنه لن يكون هناك أي تلويح بحلّ السلطة، إذ أنها تعتبر منجزا وطنيا وهي ذراع لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وتابع: “رغم الانتقادات التي توجّه للسلطة، إلا أن المعطيات على أرض الواقع أثبتت أنها محاصرة إسرائيليا وأنها عدوة رئيسية لإسرائيل، بالتالي لا يوجد أسباب لحلّها”.
ويستبعد سويلم وجود أي منفعة أو مصلحة شعبية من وراء “حلّ السلطة الفلسطينية”.
** سيناريو الانهيار
لكن في ظل موقف القيادة الفلسطينية، الذي أقرّ تحلل منظمة التحرير من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، ومن بينها “أوسلو”، فإن هذا الأمر قد يقود إلى التغيّر الوظيفي للسلطة، ما ستعتبره إسرائيل سلوكا معاديا لها، على حدّ قول سويلم.
وأضاف سويلم إنه من المتوقع، حينذاك، أن تشنّ إسرائيل حربا اقتصادية ومالية كبيرة على السلطة بهدف إضعافها أو إسقاطها.
لكن هذا الاحتمال، مستبعد لدى سويلم، خاصة وأن إسرائيل “لن تستطيع المغامرة، مرة واحدة، بتنفيذ أمرين خطيرين معا، الأول هو الضم، والثاني إسقاط السلطة الفلسطينية”.
واستكمل: “إسرائيل تعرف أن الشعب لن يقف مكتوف الأيدي تجاه تلك الخطوة، وخاصة وأن هناك عشرات الآلاف من الموظفين المنتسبين للسلطة، كما أنها ليست مستعدة لضم السكان أو تحمّل مسؤولياتهم في حال إسقاط السلطة”.
ويرى سويلم أن إسرائيل باتت في مأزق، فمن جانب هي لا تريد وجود سلطة تحاربها، ومن جانب آخر لا يمكنها أن تغامر بإسقاطها.
** الوضع الراهن
بدوره، يرى الكاتب والمحلل السياسي خلدون البرغوثي، أن خطة الضم لن تقوّض من الوجود السياسي للسلطة، كما أنها ستحتفظ بما هي عليه في الوضع الراهن.
وقال البرغوثي إن سيناريو دفع السلطة نحو الانهيار، قد لا يكون واردا في الوقت الحالي، خاصة وأن إسرائيل غير مستعدة على تحمل تبعات هذه الخطوة؛ بصفتها دولة محتلة.
كما أنه يستبعد أن يصدر قرار عن القيادة الفلسطينية بحلّ السلطة، خاصة وأنها من المفترض، وفق اتفاقية أوسلو للسلام، مرحلة تمهيدية ونواة الكيان المستقبلي الفلسطيني (الدولة).
وتابع قائلاً: “هدم الكيانية السياسية السلطة، تبعاته ضخمة على المواطنين الفلسطينيين، خاصة من الناحية الاقتصادية، ولاحقا على الاحتلال من ناحية تحمله مسؤولياته كقوة احتلال، من الصعب التخلي عن السلطة”.
كما أن هدم السلطة “يعني انهيار كافة المؤسسات، التي استغرقت تأسيسها سنوات طويلة، على أمل التوصل لاتفاق حل الدولتين؛ وهذا الأمر غير وارد”.
وفي حال وصول الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي إلى مرحلة “كسر العظم”، يُرجح البرغوثي أن تلوّح السلطة الفلسطينية ومن باب التهديد والضغط على الاحتلال، بحلّ السلطة.
لكن تنفيذ هذا التهديد، وفق البرغوثي، يبقى مرهونا بالوضع المستقبلي وموقف كل من إسرائيل والتطورات الدولية التي قد تحدث آنذاك؛ خاصة تغيّر الإدارة الأمريكية، في ظل الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم.
ويرجح أن تحدث تغيرات دولية تضغط على إسرائيل للتراجع عن قرارها، خاصة في ظل الموقف الأوروبي الرافض للضم، والتغيرات المتوقعة في الإدارة الأمريكية.
وفي 15 مايو/ أيار الماضي، أكد الاتحاد الأوروبي على مساعيه الدبلوماسية لمنع عملية الضم، مؤكدا على ضرورة تجنب أي عمل أحادي الجانب واحترام القانون الدولي وعدم تطبيقه بشكل انتقائي.
في ذات السياق، لفت البرغوثي إلى أن جو بايدن، المرشح الديمقراطي، والمنافس الأقوى، للانتخابات الرئاسية الأمريكية، يؤكد تمسكه بمشروع حل الدولتين؛ وفي حال فوزه قد يغيّر من هذه السياسة.
** غياب خطة عمل فلسطينية
واتفق المحلل السياسي وديع أبو نصار، مع سابقه البرغوثي، على أن القيادة السياسية قد تلوّح بحل السلطة، لكن دون تنفيذ فعلي لذلك.
ويرى أبو نصار أن المصالح الفلسطينية على حدّ سواء، متشابكة مع مصالح الإسرائيليين.
وأضاف: “سواء فيما يتعلق بتصاريح المرور عبر الحواجز الإسرائيلية والدخول للمدن، أو تصاريح البضائع، أو حتى تصاريح العلاج، كلّه لا بد من أن يمر عبر الإسرائيليين”.
وهذا الأمر يجعل من تنفيذ حلّ السلطة الفلسطينية أمرا صعبا، على حدّ قوله.
إلى جانب ذلك، فإن الانقسام الفلسطيني وعدم وجود توافق داخلي، وغياب خطة العمل الفلسطينية، تجعل من مبدأ حلّ السلطة بعيدا.
وتابع أبو نصار: “الجانب الفلسطيني ليس لديه خطة عمل، وهو في أحسن الأحوال لديه رد فعل، نرى أن الجانب الإسرائيلي يعمل ضمن خطة لكن الفلسطيني لا يبادر ويستند إلى ردود الأفعال”.
كما استبعد المحلل الفلسطيني انهيار السلطة الفلسطينية، جراء ضغوطات تمارس عليها من الجانب الإسرائيلي، مرجعا ذلك إلى “أن من مصلحة إسرائيل الحفاظ على وجودها”.
وقال عن ذلك “إسرائيل لا تريد أن تتكلف ماديا من خلال إعطاء الفلسطينيين الحد الأدنى من المعيشة حال انهيار السلطة، كما أنها غير معنية بدخول جنودها إلى أماكن مكتظة بالفلسطينيين”.
الاناضول