بغداد – حملت التركيبة الأولية للوفد العراقي المكلّف بالمشاركة في الحوار الاستراتيجي المزمع إجراؤه في وقت لاحق من هذا الشهر مع الولايات المتّحدة الأميركية، ملامح توجّه واقعي بعيدا عن مبالغات بعض الجهات السياسية العراقية المعروفة بقربها من إيران والتي سوّقت لحوار يكون منطلق تغيير جذري في العلاقات بين بغداد وواشنطن لا يستثني إنهاء الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية بشكل كامل.
وضمّ الوفد الذي سُرّبت أسماء بعض أعضائه للإعلام، دبلوماسيين عراقيين سابقين وحاليين ذوي خبرة بالعلاقات الدولية والنواميس التي تحكمها وعلى رأسها المصالح المشتركة بين البُلدان، ومطّلعين على مدى الارتباط الكبير بين العراق والولايات المتّحدة والأهداف التي لا يمكن لواشنطن أن تتخلّى عنها في أي حوار قادم.
وكشفت مصادر عراقية مطّلعة لـ”العرب” وجود بعض الضغوط من قبل صقور معسكر الموالاة لإيران لدفع الطرف العراقي خلال مفاوضاته مع الطرف الأميركي للتشدّد في موضوع إخراج القوات الأميركية من العراق، لكن ذات المصادر استدركت بأن هذا المعسكر لن يكون مؤثّرا بسبب قناعة تسود حتى داخل الأحزاب الموالية لطهران بأن الظروف الحالية لا تسمح لبغداد بمفاوضة واشنطن من منطلق قوّة، وأن الظروف الاقتصادية التي زادتها جائحة كورونا تعقيدا ستجعل نجاح العراق في تحصيل مساعدات أميركية واستثنائه من العقوبات المفروضة من قبل واشنطن على طهران بحدّ ذاته إنجازا.
وبشأن الجانب الإجرائي علمت “العرب” أن المفاوضات المزمع إجراؤها بين العراق والولايات المتحدة، ستتم عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، بدلا من اللقاءات المباشرة بسبب القيود التي فرضها تفشي فايروس كورونا.
بغداد تفتقر لأوراق القوة في مفاوضاتها مع واشنطن. وتحصيل مساعدات أميركية سيكون بحد ذاته إنجازا
وقالت مصادر دبلوماسية رفيعة إن بغداد وواشنطن اتفقتا على بدء الحوار عبر دائرة تلفزيونية مغلقة بعد التخلي عن فكرة تبادل الزيارات بين وفدي التفاوض في البلدين.
وأضافت المصادر أن اللقاء التلفزيوني الأول بين وفدي البلدين سيتم منتصف الشهر الجاري.
وحتى مطلع الشهر كانت النقاشات بين بغداد وواشنطن تدور حول ترتيبات زيارة وفد أميركي إلى العراق لبدء الجولة الأولى من الحوار المرتقب.
وعن تركيبة فريق التفاوض العراقي، علمت “العرب” أنّه يضم سفير بغداد لدى واشنطن فريد ياسين وسفير العراق السابق لدى واشنطن لقمان الفيلي والمسؤول البارز في وزارة الخارجية العراقية عبدالكريم هاشم.
ويحسب ياسين والفيلي على التكنوقراط الدبلوماسي بسبب علاقاتهما الدولية الواسعة والتجارب التي خاضها كل منهما في السلك الدبلوماسي.
وقوبلت أسماء الفريق التفاوضي العراقي بارتياح كبير في أوساط المراقبين وسط تسريبات تشير إلى وجود أسماء أخرى ضليعة في الشؤون الدولية والعلاقات الخارجية.
ويرى مراقبون أن تركيبة الفريق التفاوضي العراقي متوازنة، وهو ما قد يمثل رسالة ربما يتلقاها الأميركيون بارتياح.
وتقول المصادر إن مفاوضات البلدين ستركز على أربعة ملفات، سياسي وأمني واقتصادي وثقافي.
وفي الملف السياسي قد يتبادل البلدان بعض الملاحظات بشأن بعثة كل منهما لدى الآخر، لكن الملف الأهم هو الأمني، حيث يندرج ضمن بنوده مستقبل الوجود العسكري الأميركي في العراق.
وتقول المصادر إن الولايات المتحدة ألمحت لحكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي باستعدادها لسحب جميع قواتها العسكرية من بلاده، تنفيذا لقرار البرلمان في هذا الشأن، لكن ذات المصادر تقول إنّ الطرح الأميركي شكلي وجاء من منطلق ثقة كبيرة في عدم إقدام الكاظمي ذي الخبرة الواسعة بالشؤون الأمنية على المجازفة بخسارة الدعم الأمني والعسكري الأميركي في وقت يبدو فيه العراق مقبلا على استئناف معركته ضدّ تنظيم داعش الذي سجّل في الأشهر الأخيرة عودة لافتة للنشاط في عدد من مناطق البلاد.
ويقول مراقبون إن الحكومة العراقية تخشى تكرار سيناريو عام 2014 عندما غزا التنظيم مساحات عراقية واسعة بعد ثلاث سنوات من انسحاب الجيش الأميركي من العراق، في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
ووفقا لتقديرات مراقبين، فإن الجانب العراقي سيحاول الاحتفاظ بالدعم العسكري الأميركي حاليا، بشرط أن تكون نقطتا انطلاقه في الداخل من غرب البلاد حيث قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، ومن الشمال حيث قاعدة حرير في مدينة أربيل.
في المقابل، سيسعى المفاوض الأميركي إلى انتزاع التزام عراقي كامل بكبح جماح الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، المتهمة بقصف سفارة واشنطن في بغداد مرارا وتكرارا، ومهاجمة قواعد عسكرية عراقية تستضيف قوات أميركية.
وتقول مصادر حكومية عراقية إن واشنطن تتفهم مدى تعقيدات هذا الملف، لذلك ربما لن تضغط على العراق من أجل فتحه عاجلا، بهدف منح حكومة الكاظمي فرصة لالتقاط الأنفاس، بعدما ولدت وسط غابة من التحديات الخطرة.
وتضيف المصادر، أن حكومة الكاظمي ستنتهج سبيل الحوار في نزع سلاح الميليشيات الموالية لإيران في المرحلة الأولى، على أمل تحييد أكبر قدر من الفصائل العراقية. وربما تمثل معالجة هذا الملف ركنا أساسيا في معالجة الاختلال الكبير في علاقات العراق وإيران حيث يبدو الأول مجرد تابع للثانية.
وتقول المصادر إنّ الملف الاقتصادي في المفاوضات سيحظى باهتمام الفريق العراقي إذ تحتاج بغداد إلى حلول غير تقليدية، لتجاوز أزمتها المالية التي تتجدد كلما هبطت أسعار النفط.
وسيتداول الفريقان في حزمة مقترحات اقتصادية، تشمل زيادة حصة العراق في سوق النفط الدولية وقروضا ميسرة، وحث شركات أجنبية على تأجيل استيفاء ديون مستحقة من العراق وغيرها.
وكان السفير الأميركي لدى بغداد ماثيو تولر قد أوضح في تصريحات سابقة الإطار الذي سيجري فيه الحوار الاستراتيجي مع العراق مشدّدا على أنّه إطار شامل سياسي واقتصادي وثقافي وحقوقي وأمني، في إشارة إلى أن الحوار لن يكون مجرّد مفاوضات حول ترتيبات سحب القوات الأميركية من الأراضي العراقية. غير”.
العرب