الطاقة الكهربائية بين الشحة والوفرة
وعاد الصيف، وتعود العراقيون على تلقي الأعذار من الجهات ذات العلاقة بتزويد الطاقة الكهربائية، وعلى الدوام كانت درجة الحرارة شماعة مناسبة، ففي الصيف زيادة الاستعمال للمكيفات، وفي الشتاء زيادة استعمال المدافئ والسخانات…. وليس ببعيد عن تلك النكتة التي أطلقها أحدهم عندما أوصى الناس بإطفاء سخانات المياه في الصيف، في وقت كانت فيه درجات الحرارة تفوق الـ 50 درجة مئوية!!!!
يواجه العراق تحديا كبيرا استمر لمدة سبع عشرة سنة، الأمر الذي استنزف الموارد المالية، اضافة الى تشكيله عبئا سياسيا لتعلقه بحياة الافراد لتأثيره على مستوى الاداء الحكومي وعلى كفاءة الاداء الاقتصادي للمجتمع ككل.
Public Satisfaction والرضا الشعبي:
ان العلاقة الاساس في موازنة العرض والطلب للطاقة الكهربائية، فالفجوة بينهما هي التي تحدد أصلا وضع الطاقة في البلد، بين الحاجة الى استيراد الطاقة لسد النقص او الزيادة التي تجعل البلد مصدرا للطاقة.
بتحديد شديد يمكن تفسير ذلك بالآتي:
- إذا زاد انتاج الطاقة الكهربائية عن حجم الاستهلاك المحلي فهو تفوق للمعروض المتاح من الطاقة عن حجم الطلب المحلي، وهذه هي حالة الفائض وهو ما يحصل في بلدان عديدة مما يجعلها مصدرة للطاقة.
- إذا عجز الانتاج المحلي للطاقة عن سد الحاجة المحلية لها تولدت فجوة تتمثل في ازدياد الطلب على الطاقة عن حجم المعروض والمتاح منها وهنا تتولد فجوة يستلزم على قادة البلد “ردمها” من خلال:
- زيادة الانتاج المحلي.
- استيراد الطاقة من السوق العالمية وعادة ما تكون من اسواق مجاورة لسهولة النقل والتجهيز.
ولذا فأزمة العراق الازلية تنطلق من حاجته الشديدة الى الطاقة الكهربائية، اذ تتجلى في الازمة المتزايدة طيلة سبع عشرة عاما (وان كانت بصورة اخرى قبل 2003 إلا انها ليست موضوع البحث حاليا)، وتشهد هذه الازمة شكلا خطيرا:
- يهدد مستوى الحياة الانسانية في العراق.
- يؤثر على النواحي الاقتصادية في الحد من استمرارية الاجهزة الانتاجية في الاقتصاد العراقي.
- يستنزف موارد العراق المالية.
انتاج الطاقة الكهربائية في العراق:
هي المرحلة الاولى من مراحل المنظومة الكهربائية، حيث تقوم محطات انتاج الطاقة الكهربائية بمرحلة الانتاج والتي تعتبر بمثابة صناعة الطاقة الكهربائية.
وهناك عدة انواع من محطات توليد الطاقة الكهربائية في العراق:
- المحطات البخارية.
- المحطات الغازية.
- المحطات الكهرومائية.
- محطات الديزل.
وهناك أربع شركات “حكومية” لإنتاج الكهرباء في جميع مناطق العراق:
- الشركة العامة لإنتاج الطاقة الكهربائية/ الوسطى
- الشركة العامة لإنتاج الطاقة الكهربائية / الفرات الاوسط
- الشركة العامة لإنتاج الطاقة الكهربائية/ الشمالية
- الشركة العامة لإنتاج الطاقة الكهربائية/ الجنوبية
تحديد اول صور الخلل في العلاقة بين العرض والطلب في الطاقة الكهربائية:
اولا: معدل الانتاج الفعلي لهذه المحطات.
ثانيا: نسبة المشاركة لكل نوع من هذه المحطات.
ثالثا: ما هو دور (ديزلات وزارة النفط) في توفير الطاقة الكهربائية، ومن ثم دور (ديزلات وزارة الكهرباء)؟
اذن:
ان إدارة ملف الطاقة الكهربائية في العراق هي قضية ادارة الدولة لهذا الملف وفي كيفية الموازنة بين جانب العرض في توفير اللازم من الطاقة الكهربائية لسد الطلب الحالي في العراق. ولذا كان الاعتماد على الاستيراد في توفير الطاقة الكهربائية للعراق، وبمعنى أدق معالجة النقص في حجم المعروض من الطاقة وسد الفجوة المتنامية باستمرار العجز مقابل زيادة الطلب على الكهرباء.
التساؤل المهم الآن:
طيلة سبع عشرة عاما: لماذا لم يعمل العراق على استثمار موارده من النفط والغاز في انتاج الطاقة الكهربائية ومحاولة سد متطلبات السوق المحلي _كحد ادنى؟؟
أهم الاخطاء الاستراتيجية في ملف استيراد الطاقة الكهربائية في العراق:
اولا: كمية الطاقة المستوردة من دول الجوار:
اسم الخط (م.و.س) الطاقة المستوردة معدل القدرة
الخط التركي ( سلوبي- زاخو) 0 0
الخط الايراني ( خانقين- سربيل) 728.703 83
الخط الايراني (خور الزبير- خرم شهر) 1.078.162 123
الخط الايراني (ديالى- ميرساد) 1.852.803 212
الخط الايراني (عمارة- كرخة) 1.018.476 116
قائم – تيم 0 0
تل ابو ظاهر- سويدية 0 0
المجموع 4.678.144 534
م. و. س = ميكا واط في الساعة
المصدر: التقرير الاحصائي السنوي لوزارة الكهرباء 2018.
ثانيا: الجهة المصدرة للعراق كما يتضح من أعلاه هي واحدة وهذا مؤشر على الاحتكار، ومن اهم مساوئ الاحتكار انه يلغي المنافسة وهنا سيتأثر مستويين:
- نوع الطاقة المجهزة.
- سعر الكمية المجهزة.
عندها سيكون العراق:
- خاضعا للتسعيرة التي تفرضها الجهة المصدرة!!
- وايضا لكمية التجهيز.
- ولطريقة التجهيز كذلك.
وما يعيشه العراق في واقعه الحياتي بكل تفاصيله يوضح ذلك بجلاء.
السؤال الاقتصادي المطروح:
لماذا لا يفسح المجال للتنافس بين جهات مختلفة في تزويد العراق بالطاقة الكهربائية؟
لماذا الإصرار على تزويد العراق بالغاز لغرض الاقتصار على المحطات الغازية؟
لماذا لا ينتج العراق الغاز اللازم لمحطاته؟
أسئلة تتعلق مباشرة بعملية صنع القرار في العراق.
الاستقلال في مجال الطاقة:
هل الاستقلال في مجال الطاقة امر ضروري؟
وهل هو ممكن الحدوث؟
يهدر العراق حالياً ما يقرب من 2.5 مليار دولار من الغاز الطبيعي سنوياً نتيجة حرقه، أو ما يعادل 1.55 مليار قدم مكعب في اليوم)، أي عشرة أضعاف الكمية المستوردة من إيران.
- هذا السيناريو يجعل من المحتم والضروري للحياة العراقية بكل تفاصيلها ان تعتمد كليا على الغاز الإيراني.
- كون اغلب محطات الكهرباء في العراق هي محطات غازية سيكون بالتالي ارتباط ملف الكهرباء كليا مع ملف الغاز ومع الغاز الايراني تحديدا.
- غياب التجهيز المحلي للطاقة واقترانها كليا بالملف هو أشد وثاق يسحب الاقتصاد العراقي نحو السياسة الايرانية تماما، بطريقة لا تسمح للعراق بأية مساومة للخلاص من هذا المطب، فالعراق يحتاج الكهرباء وهو قاصر عن انتاجها وليس له غاز لتشغيل محطاته، والنتيجة تكون ما يعيشه العراق منذ سبع عشرة عاما من التذبذب والتردي المتواصل لمستويات تجهيز الطاقة الكهربائية من جهة، وتزايد التزامات العراق المالية تجاه إيران.
- العراق باستخدامه لملف تجهيز الطاقة الكهربائية من إيران تحديدا فإنه يكون أحد أكبر الممولين للاقتصاد الايراني، ويشير تقرير لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى، من خلال أبرز مفاصل عمليات تبادل الطاقة بين العراق وإيران وهي استخدام إيران للعراق كمصدر للدولار الأمريكي، وهو امر تشتد حاجة إيران اليه.
حيث يشير التقرير الى ان “العراق يستورد ما بين 500 ميغاواط من الكهرباء من إيران في فصل الشتاء و1200 ميغاواط في فصل الصيف بتكلفة تقارب 1.2 مليار دولار في السنة.
وإذ يشتري العراق الغاز الإيراني بسعر 11.23 دولارا لكل ألف قدم مكعب، فإنه عال الكلفة مقارنة بـ 5.42 دولارات دفعتها ألمانيا لشراء غاز أبعد مسافة من روسيا، أو 6.49 دولارات دفعتها الكويت للغاز الطبيعي المسال، أو حتى 7.82 دولارات دفعتها اليابان مقابل الغاز الطبيعي المسال.
تشجع الولايات المتحدة بغداد على تقليل اعتمادها على الغاز والكهرباء الإيرانييْن من خلال تسخير طاقتها الوفيرة وغير المستغلة. وقد حذر المسؤولون الأمريكيون العراق من أن التمديد المقبل لمهلة الإعفاء سيتطلب منه تقديم خطة واضحة تهدف إلى تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة وإظهار خطوات ملموسة نحو التنفيذ.
هل يمكن توفير البديل في تجهيز الكهرباء للعراق؟؟
في تموز/يوليو 2018، أعلنت المملكة العربية السعودية عن استعدادها للتعاون في خطة لتزويد العراق بالكهرباء بسعر 21 دولارا لكل ميغاواط/ساعة، أي ربع تكلفة الواردات الإيرانية. وقد يكون الأردن مستعداً أيضاً لتصدير الكهرباء إلى العراق، كما وفكرت تركيا في زيادة إمداداتها عبر الحدود إلى منطقة الموصل.
قضية الطاقة الكهربائية في العراق ملف استراتيجي يربط بين أخطر ثلاث متغيرات في اقتصاديات الشرق الاوسط وفي ملفات بدائل الطاقة في العالم وفي بنية الاقتصاد العراقي اصلا:
انها ملف الغاز الطبيعي العراقي.
ملف الكهرباء في العراق.
تصدير الغاز وبروز دولة جديدة على الساحة تنافس اقطاب السلطة الغازية الحالية في منطقة الشرق الاوسط والعالم بوجه عام.
نشرة معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الى طبيعة صفقات الطاقة مع إيران، والكميات التي يستوردها العراق من الكهرباء والغاز الطبيعي، مبيناً اهدار العراق للغاز الطبيعي اثناء حرقه..
وبشأن مشتريات الغاز الإيراني نقل التقرير عن شركةBP 2018 بأن صادرات الغاز من إيران إلى العراق بلغت 154 مليون قدم مكعب في اليوم، مما سمح لبغداد بتوليد ما لا يقل عن 1000 ميغا واط من الكهرباء، مع خطط لزيادتها إلى 4000 ميغاواط.
ويهدر العراق حالياً ما يقرب من 2.5 مليار دولار من الغاز الطبيعي سنوياً نتيجة حرقه، أو ما يعادل 1.55 مليار قدم مكعب في اليوم، وهو ما يعادل عشرة أضعاف الكمية المستوردة من إيران.
يمكنكم الاطلاع على الجداول الخاصة بالدراسة عبر الرابط التالي :
التقرير الاحصائي لوزارة الكهرباء_ جمهورية العراق 2018
https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/designing-win-win-economic-policies-in-washington-and-baghdad
د. سلام سميسم (خبير اقتصادي)
مصطفى فائــق (محاسب قانوني)
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
المصادر
———————————————————————————————–
تعتبر المملكة السعودية ” استنادا الى الاحصاءات الرسمية” من الدول المهمة في توفير الطاقة الكهربائية للمنطقة تصديرا واستيرادا، وقد قطعت بذلك شوطا كبيرا فنرى تصديرها ازداد خلال ثماني سنوات من 3 جيجاوات/ الساعة في 2010 الى 36 جيجاوات/الساعة في 2018. في وقت بلغ استيرادها للكهرباء في 2018 2 جيجاوات /الساعة بعد ان كانت تفاوتت في الارتفاع خلال السنوات من 2010 حتى انخفضت الى هذا المقدار المذكور اعلاه، وهذا مؤشر الى:
التوظيف الاقتصادي لملف الطاقة، وبعبارة ادق، الادارة الاقتصادية الناجحة لملف الطاقة الكهربائية، هذا الأمر يقود الى استنتاج مهم في حال رغبة التعاقد معهم، وهو ان من المتاح التعاون معهم في هذا الملف، لاسيما وان هناك نشاطا صناعيا لديهم استطاعت هذه المحطات تغطيته في الاعم الاغلب، ومن ثم فنوع الطاقة وحجمها في التزويد يلعب دورا حاسما.
ميجاوات هو مجموع القدرة المنتجة من مختلف الوحدات البخارية والغازية والمركبة وغيرها في عام 2010، في حين انها 53,588 ميجاواط في عام 2018 ارتفعت إلى 76,941 ميجا واط.
ان المهم لنا كمراقبين ان الازدياد ليس فقط في النوع ولكن كإجمالي للكمية المنتجة، من 99.379 جيجاوات/ الساعة في 2012 الى 135.448 جيجاوات/ الساعة في 2018.
وكمؤشر نهائي فإن الادارة السعودية لملف الطاقة استطاعت ان تسد الحاجة المحلية على تعدد انواع استخدامها وكذلك على التصدير الذي سيكون بسعر منافس يكفل البديل الاقتصادي لهذا الملف المعقد والشائك في العراق، هنا يمكن ان نرجع لجانب مهم وهو ضرورة الاستفادة من الطرق التي انتهجتها الجهات السعودية في ادارة هذا الملف وهنا: نؤكد ان الاستفادة من الخبرات والطرق المستعملة لديهم كفيلة لتحفيز الجانب العراقي للتعلم والاستفادة والتأكيد على الخروج من شرنقة الحاجة المستمرة والمتزايدة الى استيراد الطاقة، بمعنى يجب ان ينتقل العراق الى مرحلة انتاج طاقته وفق مؤهلات سوقه المحلية وامكاناتها والاستعانة بالشراكة في الاستيراد لسد النقص “مؤقتا” مقابل استراتيجية لبناء قطاع الطاقة العراقي لغرض الاكتفاء المحلي والانتقال الى مراحل متقدمة في الاتفاق مع دول المنطقة لتنظيم عمليات تبادل و تسويق الطاقة الكهربائية.