عهد “الامتياز الاستثنائي” للدولار وصل إلى نهايته. هذا التعبير صكه وزير المالية السابق لفرنسا، فالريه جسكار دستان، في الستينيات، بعد خيبة أمله من استغلال الولايات المتحدة كل العالم من أجل تأييد مستوى الحياة العالي فيها. العالم طوال ستين سنة اشتكى ولم يفعل شيئاً. أما الآن فتغير الأمر.
تحت ضغط وباء كورونا، يعاني مستوى الحياة في الولايات المتحدة من ضغط لم يشهده من قبل. تثور في العالم شكوك جدية بخصوص افتراض أن الولايات المتحدة أمة استثنائية في تميزها.
التوقع: تحطم بـ 35 في المئة
العملة أداة تحدد التوازن بين قوتين: أسس الاقتصاد المحلي، وقوة الدولة التي يراها الأجانب. وهو توازن يتغير الآن، والنتيجة هي تحطم محتمل للدولار يصل إلى 35 في المئة من السعر الحالي.
العامل الأول: لا يوجد توفير
زُرعت بذور مصيبة الدولار قبل الوباء، بالتوفير المنخفض في الولايات المتحدة. صافي التوفير الوطني الذي يشمل العائلات والمصالح التجارية والحكومة انخفض إلى 1.4 في المئة من الدخل الوطني في الربع الأول من العام 2020 – وهو المستوى الأدنى في نهاية 2011، والخامس من متوسط 7 في المئة في 1960 وحتى 2005.
العامل الثاني: حساب عجز جارٍ
غياب توفير محلي ورغبة الولايات المتحدة في الاستثمار والنمو جعلها تعتمد بدرجة كبيرة على دور الدولار كعملة الفوائض الرائدة. فائض التوفير في دول أخرى مول هذا، ومكن الولايات المتحدة من جسر الفجوة. ولكن كان لذلك ثمن: من أجل سحب رأسمال أجنبي، خلقت الولايات المتحدة عجزاً في حسابها الجاري الذي يتكون من الميزان التجاري وميزان الاستثمار. في كل سنة منذ العام 1982.
العامل الثالث: سيرتفع العجز في الميزانية
وباء كورونا والأزمة الاقتصادية زادا التوتر بين التوفير والحساب الجاري إلى درجة الانهيار. النظام الذي يربط بينها هو عجز حكومي ضخم. حسب تنبؤات مكتب الميزانية في الكونغرس، سيصل العجز في ميزانية الحكومة الفيدرالية إلى ذروة تبلغ 17.9 في المئة من الناتج الإجمالي الخام في 2020، قبل أن يتراجع -حسب الآمال- إلى 9.8 في المئة في 2021.
جزء كبير من دعم الميزانيات الذي وفرته الإدارة في فترة الأزمة ساعد العمال المندهشين والعاطلين عن العمل في أمريكا على زيادة التوفير. وبهذا حسن صورة التوفير الوطنية بشكل مؤقت. ولكن بيانات وزارة المالية الشهرية تظهر أن الزيادة في عجز الميزانية يتجاوز بكثير الزيادة في التوفير الشخصي. العجز في نيسان كان أكبر بنحو ستة أضعاف من العجز في الربع الأول، و50 في المئة أكثر من الزيادة في التوفير الشخصي في نيسان.
التوفير سيهبط أكثر
بكلمات أخرى، ثمة ضغط سلبي شديد يبنى الآن على التوفير المحلي. إذا اعتمدنا على الوضع في الأزمة المالية في العام 2008 حيث التوفير الإجمالي هبط إلى ما تحت صفر للمرة الأولى وسجل متوسط بـ ناقص 1.8 في المئة – من الدخل الوطني بين الربع الثالث في 2008 والربع الثاني في 2010، فإن هبوطاً أكثر حدة متوقع الآن، وقد يصل إلى ناقص 5 في المئة أو ناقص 10 في المئة.
ما الذي يزيد السقوط؟
يشير الانهيار في التوفير إلى اتساع كبير في العجز في الحساب الجاري، أكثر عمقاً من حضيض ناقص 6.3 في المئة الذي سجل في 2005. ورغم أن مكانة الدولار كعملة فوائض، إلا أنه لم يحصل على الحماية في ظروف كهذه. والسؤال: ما الذي سيشعل السقوط؟
إدارة فاشلة
جواب السؤال موجود في الإدارة الأمريكية: سياسة التجارة الحمائية، والانسحاب من أركان العولمة مثل اتفاق المناخ في باريس، واتفاق التجارة العابرة للمحيط الهادئ، ومنظمة الصحة العالمية وأحلاف أخرى مع أوروبا، وإدارة فاشلة لمعالجة وباء كورونا، وعدم استقرار اجتماعي مؤلم لم يشهد له مثيل منذ الستينيات.. كل هذه تعبيرات ظاهرة للعيان على تراجع الولايات المتحدة من موقف القيادة العالمية.
الاعتراف بالفشل سيأتي قريباً
كلما انحصرت الأزمة واستقرت الاقتصادات، على أمل أن يحدث هذا في هذه السنة أو في بداية 2021، فإن الاعتراف بفشل الولايات المتحدة سيتبين في موازاة السقوط في التوفير المحلي. قد يعود الدولار إلى حضيض 2011، وهذا سيضعه في نقطة متدنية، 35 في المئة في المستوى الحالي، إزاء سلة العملات.
ثلاثة تداعيات رئيسية
السقوط الحاد للدولار سيؤدي إلى تضخم، وهذا أمر مرحب به تماماً إذا ما أخذنا في الحسبان الانكماش الحالي. ولكن في ظل وجود نمو اقتصادي ضئيل بعد كورونا، فذلك سيثير مخاوف جديدة من حدوث حالة ركود وتضخم معاً. وهذا اندماج خطير لنمو ضعيف وارتفاع في الأسعار، الأمر الذي سينزل كارثة على الاقتصادات والأسواق.
سياسات التجارة ستؤدي إلى اتساع العجز التجاري في الولايات المتحدة، لا سيما أمام الصين. عدا التجارة مع دول أخرى، غالية أكثر، سيشكل ذلك ضريبة ثقيلة على المستهلكين الأمريكيين الموجودين أصلاً في وضع صعب.
وللتحلية، قطع العلاقة مع الصين يعرض مصدر الاستثمار الرئيسي للولايات المتحدة للخطر. فمن سيمول عجز التوفير الذي يتغذى الآن على الاستثمارات الأجنبية، والجزء الأكبر منها استثمارات صينية. وماذا سيكون تأثير ذلك على نسبة الفائدة.
مثل كورونا والاحتجاج العرقي، فإن سقوط الدولار القوي سيضع قيادة الولايات المتحدة لاقتصاد العالم محل تساؤل. وهذا الامتياز الاستثنائي لن يبقى إلى الأبد بلا مبرر.
بقلم: ستيفإن رواتس
القدس العربي