في مقال بصحيفة لوموند الفرنسية، قال الكاتب الأميركي الفرنسي غي سورمان إن حلم الولايات المتحدة تقوضه سلسلة من الكسور، أكثرها وضوحا التمييز العنصري الذي يظهر بشكل فاقع عدم المساواة في الدخل والرعاية الصحية والتعليم، مما يعني أن هذا البلد على حافة التدمير الذاتي.
وانطلق مدير مجلة “فرنسا أميركا” من أن الولايات المتحدة تأسست على أسطورة مشتركة ومكرسة في دستورها، أساسها الحق في “السعي وراء السعادة” بحيث يعتقد كل مواطن أنه يستطيع بجهوده الفردية وحدها تحسين وضعه، مهما كان أصله الثقافي أو الاجتماعي.
وهذا الحلم الذي جذب المهاجرين يسمح من حيث المبدأ للرجال والنساء مهما كان أصلهم وثقافتهم ومعتقدهم، بالعيش معا، بحيث يمثل الدستور عقدهم الاجتماعي واقتصاد السوق وسيلتهم، غير متوقعين الكثير من الدولة الاتحادية في واشنطن.
وكأي أمة، تقوم الولايات المتحدة على أسطورة، وهي هذا الحلم الذي يعمل بشكل جيد بشرط وجود ازدهار اقتصادي يظهر السعادة الموعودة وكأنها في متناول اليد، ولكن إذا تعطلت الآلة يختفي الحلم، وتظهر كسور المجتمع بعنف شديد، وأكثرها وضوحا التمييز العنصري الذي يتجلى بشكل أساسي في عدم المساواة في الدخل والرعاية الصحية والتعليم.
وفي الظرف الحالي -يقول الكاتب- يتعرض الأميركيون من أصل أفريقي بشكل رئيسي ومن اللاتينيين والمهاجرين حديثا لوباء كوفيد-19 بنسبة تصل إلى ضعف نسبة تعرض البيض، وليس الأمر مصادفة، بل هو تعبير عن وضعهم الاجتماعي، بحيث هم أفقر الأميركيين والأكثر تأثرا بالأمراض المزمنة التي لا يتم علاجها لأنهم ليس لديهم تأمين صحي عدا حالات الطوارئ في المستشفيات.
وبالإضافة إلى ذلك -يوضح الكاتب- عندما تصل البطالة إلى ما يقرب من 20% من السكان النشطين، فإن هذه “الأقليات” العرقية هي الأولى التي يتم فصلها، غالبا بدون تأمين ضد البطالة، وتبقى معتمدة كليا على مؤسسات العمل الخيري وبعض المساعدات المحلية.
ومع أنه من المسلم به أن العبودية اختفت وأن التمييز العنصري غير قانوني، وأن ثلث الأميركيين من أصل أفريقي والعديد من اللاتينيين انضموا إلى الطبقات المتوسطة والعليا، فإن أغلبية هؤلاء يبقوا مواطنين من الدرجة الثانية يحتقرهم الكثير من البيض، كما يقول الكاتب.
صورة نمطية
وعاد الكاتب لينبه إلى أن حادثين في هذه الفترة هزا البلاد وأشعلا ثورات حضرية، أولهما قال إنه يكشف الصورة النمطية للذكر الأسود الذي يهدد امرأة بيضاء.
وقد وقع ذلك عندما لام رجل أفريقي امرأة بيضاء كانت تمشي في مانهاتن على عدم قيادة كلبها في مكان إلزامي، فاستدعت الشرطة للتنديد “برجل أميركي من أصل أفريقي خارج من الغابة” يهددها، وفي اليوم نفسه، قتل شرطي أبيض بدم بارد في مينيابوليس رجلا أسود هو جورج فلويد رغم أنه لم يقاوم الاعتقال.
وقال الكاتب إن هتين الصورتين اللتين جسدتا في نفس الوقت المرض والبطالة وعنف الشرطة، أثارتا أعمال شغب مماثلة لتلك التي حدثت في السبعينيات، وهي أعمال شغب ناتجة عن اليأس ينضم إليها كما يحدث في كل مكان البلطجية والجماعات الفوضوية، والليبراليون المتضامنون من البيض.
ونبه إلى أن الفوضويين والبلطجية يقدمون، ولو عن غير قصد، خدمة كبيرة للرئيس دونالد ترامب وأنصاره، لأن شجب عنف المشاغبين يسمح بتجاهل الأسباب الجذرية لليأس، كنقص الصحة والحماية الاجتماعية بالحد الأدنى الذي تحرم منه “الأقليات”.
وبدعوى استعادة النظام، يحاول ترامب على عكس الحقيقة -يقول الكاتب- إخفاء العنصرية وعدم المساواة وعنف الشرطة وعدم قدرته على إدارة الوباء.
رئيس غريب
وتبين للكاتب أن ترامب -الذي كانت تغريداته على تويتر غير مهمة أوقات الرخاء- أسوأ رئيس في أوقات الأزمات، لأنه بدلاً من الدعوة للمصالحة والوحدة الوطنية، كما فعل فرانكلين روزفلت في ثلاثينيات القرن الماضي وباراك أوباما عند الإفلاس الاقتصادي بأزمة 2008، بدأ يثير الخلاف، ويشحن أنصاره من الذكور البيض، ويصف المشاغبين بالإرهابيين، مهددا بإرسال الجيش إلى المدن، وعندما تم تجاوز وباء كورونا 100رألف حالة وفاة، ذهب للعب الغولف دون كلمة تعاطف.
فعلى الأميركيين بعد هذا الرئيس الغريب الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ الولايات المتحدة سواء أعيد انتخابه أم لا -يقول الكاتب- أن يسعوا لإنقاذ أنفسهم واستعادة حقهم في السعي وراء السعادة، وذلك بمراجعة العقد الاجتماعي.
ويرى المقال أن غياب الدولة الفيدرالية، عندما يكون المجتمع مهددا بالانفجار بسبب ضعف الصحة والاقتصاد والتمييز العرقي والتحدي الصيني، يعني بشكل أساسي نهاية الحلم الأميركي الذي لن يصدقه أحد مما يفقد الولايات المتحدة مركزها القيادي.
وقد أدرك أوباما ذلك -حسب الكاتب- من خلال توسيع الرعاية الصحية للجميع وإظهار الاحترام للثقافات الأجنبية، وإن لم يكن مقنعا بما فيه الكفاية، لأن أزمة عام 2008 لم تكن شديدة لدرجة أن يدرك غالبية الأميركيين أن بلادهم كانت على وشك الانهيار.
أما الآن -كما يرى الكاتب- فالبلاد على حافة الانهيار والتدمير الذاتي، وإن كان لا يزال هناك وقت لإنقاذ هذا الحلم الأميركي، ولكن، من سيخبر جميع الناخبين بالحقيقة في نوفمبر/تشرين الثاني القادم؟
المصدر : لوموند