“استقالة وإقالة وفساد”.. هل تنتهي أزمة تونس بتعيين رئيس حكومة جديد؟

“استقالة وإقالة وفساد”.. هل تنتهي أزمة تونس بتعيين رئيس حكومة جديد؟

تشهد الساحة السياسية في تونس ماراثونا متسارعا من الأحداث، بدءا من تقديم عريضة تطالب بسحب الثقة من حكومة إلياس الفخفاخ، مرورا بإقالته لكل وزراء حركة “النهضة” من حكومته، وانتهاء باستقالته من رئاسة الحكومة.

وجاءت الإقالة ضمن أزمة متصاعدة بين الفخفاخ و”النهضة“، منذ أن قررت الحركة بدء مشاورات لتشكيل حكومة جديدة، في ظل “شبهة تضارب مصالح” تلاحق الفخفاخ الذي ينفي صحتها.

كل هذه الأحداث طرحت استفهامات عدة حول ما ستؤول إليه الأمور في البلاد، والتداعيات التي ستخلفها استقالة الفخفاخ وإقالة وزراء النهضة، وعن دور الرئيس قيس سعيد في احتواء الاحتقان والتوتر على الساحة السياسية.

تضارب مصالح
والخميس، أعلن الرئيس التونسي، قيس سعيّد، قبول استقالة الفخفاخ من رئاسة الوزراء، وبدء مشاورات لتكليف شخصية جديدة بتشكيل الحكومة، وذلك بعد يوم من تقديم لائحة بالبرلمان التونسي تطالب بسحب الثقة من الفخفاخ.

وشهد البرلمان، الأربعاء، تقديم لائحة تطالب بسحب الثقة من حكومة الفخفاخ، وتحمل توقيع 105 نواب، بينهم كتل “النهضة” و”قلب تونس” (ليبرالي- 27 نائبا) وائتلاف الكرامة (ثوري- 19)، وفق وسائل إعلام محلية.

وكان تمرير اللائحة إلى مكتب البرلمان يتطلّب 73 توقيعا، ثم التصويت عليها في الجلسة العامة بالأغلبية المطلقة للأصوات (109)، بحسب الدستور.

والإثنين، أعلنت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس (دستورية)، إحالة وثائق تتعلق بالتصريح بالمكاسب وشبهات تضارب مصالح متعلقة برئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، للقضاء ورئيس البرلمان راشد الغنوشي.

وفي 7 يوليو/تموز الجاري، قالت لجنة برلمانية خاصة بالتحقيق في شبهة تضارب المصالح للفخفاخ، إن “اللجنة تنظر في محورين، هما: تضارب المصالح، وشبهات الفساد في الصفقات المتعلقة بشركات رئيس الحكومة، التي تنافي قانون الصفقات العمومية”، حسب وسائل إعلام محلية.

ومنذ 27 فبراير/ شباط الماضي، ترأس الفخفاخ ائتلافا حكوميا يضم كلا من: “النهضة” (إسلامية- 54 نائبا من 217)، والتيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي – 22 نائبا)، وحركة الشعب (ناصرية – 14 نائبا)، وحركة تحيا تونس (ليبيرالية – 11 نائبا)، وكتلة الإصلاح الوطني (مستقلون وأحزاب ليبرالية – 16 نائبا).

“رد فعل صبياني”
المحلل السياسي بولبابة سالم، قال إن “استقالة الفخفاخ خطوة استباقية، وأن المعركة الآن أصبحت معركة تكسير عظام، فحركة النهضة رأت أنّ خطاب الفخفاخ فيه نوع من التعالي والتقزيم لها كحزب أول في البرلمان، وبالتالي اعتبرت أن ما حصل كان استفزازيا”.

وأضاف أن “التصريحات الأخيرة للفخفاخ رأت فيها النهضة استفزازا ونوعا من التكبر، فارتأت تقديم اللائحة التي كانت ستؤدي إلى سحب الثقة منه قبيل استقالته”.

والإثنين، قال الفخفاخ، في بيان، إنه سيجري تعديلا وزاريا خلال الأيام القليلة المقبلة، مع تلميحات بإزاحة “النهضة” من الحكومة، وذلك غداة قرار مجلس شورى “النهضة”، بشأن إطلاق مشاورات لتشكيل حكومة جديدة.

واعتبر سالم، أن “ما وقع من إقالات لأعضاء الحكومة التابعين لحركة النّهضة، رد فعل صبياني من الفخفاخ، ونوع من رد الفعل أو محاولة لتسجيل هدف بعد نهاية المباراة، ذلك أن الفصل 98 ينص على استقالة كل أعضاء الحكومة بمجرد استقالة رئيسها”.

والأربعاء، أعلنت رئاسة الحكومة التونسية، إقالة 6 وزراء، هم ممثلو حركة النهضة بالتشكيل الحكومي، وذلك بعد ساعات من تقديم رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، استقالته للرئيس قيس سعيد.

وشدد سالم على أن “السياسة لا تدار بالانفعالات أو بردود الأفعال، وأقل ما يقال (عن إقالة وزراء النهضة) أنّها مراهقة سياسية”.

الرئيس الجديد
وعن الرئيس الجديد للحكومة، تابع سالم: “البديل جاهز، فمن قدموا لائحة لسحب الثقة من الفخفاخ، لهم شخصية جاهزة لاقتراحها”.

وأوضح أنه “تم الاتفاق على الشخصية التي ستقود المرحلة المقبلة، خلال اللقاء الأخير (15 يوليو/تموز الجاري) الذّي جمع كلا من الرئيس قيس سعيد، ورئيس مجلس النواب راشد الغنوشي، والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي”.

وتوقع سالم، أن يكون “الحزام الحكومي (الائتلاف الحكومي) هذه المرة أوسع أو أن يحصل فيه تغيير”.

والأربعاء، بعث الرئيس سعيّد، برسالة إلى رئيس البرلمان راشد الغنوشي، لمده بقائمة الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية، قصد إجراء مشاورات معها، وذلك طبقا لما ينص عليه الفصل 89 من الدستور، بهدف تكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة.

ضمان استقرار البلاد
من جهته، قال المحلل السياسي هشام الحاجي، إن “الجميع يتطلع إلى دور أكبر للرئيس قيس سعيد، كضامن لتطبيق الدستور واحترامه وضامن للاستقرار في أرقى معانيه، خاصة وأن أغلب تصريحاته العلنية كانت تبعث على التخوف أكثر من الاطمئنان”.

وأضاف الحاجي، أن “سعيّد مطالب بحكم الدستور، وحكم الوضع الهش، بأن يكون فعلا الضامن والمعبر عن الوحدة الوطنية، وعن الترفع عن كل الحسابات”.

وأوضح أنّ “الوضع السياسي في تونس لا يبعث على الاطمئنان، أزمة واحتقان يضاف إليهما وضع اقتصادي صعب، وتداعيات خلفها انتشار فيروس كورونا والتي تستدعي عملا ومثابرة من قبل الجميع بدل كل هذا التوتر”.

وتابع: “أرضية الحوار والتوافق تتقلص يوما بعد يوم، ما يشير إلى أن مؤسسات الدولة بدأت تفقد بريقها، وربما قد تسير نحو انتخابات مبكرة، خاصة في حال اقتراح حكومة لا تحظى بإجماع النواب”.

تحالفات منتظرة
وفيما يتعلق بالتحالفات التي قد تظهر مع الحكومة الجديدة، رأى الحاجي، أن “هناك حاليا تحالفات حزبية على غرار الكتلة الديمقراطية التي تضم كلا من حركة الشعب والتيار الديمقراطي وتلتحق بها من حين لآخر حسب المبادرات تحيا تونس”.

“ومن جهة أخرى، نجد حركة النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس، ويلتحق بهم آخرون من حين لآخر”، واستدرك الحاجي: “لكن الطرف الوحيد الذّي لم ينضم لأي تحالف هو الحزب الدستوري الحر (برئاسة عبير موسي)”.

والثلاثاء، نفّذ نواب الحزب الدستوري الحر (16 مقعدا من أصل 217) احتجاجا داخل قاعة الجلسات العامة وتعمّدوا اعتلاء المنصة الرئيسية، ما دفع النائبة الأولى لرئيس البرلمان سميرة الشواشي لوقف الجلسة بعد رفضهم السماح لها بتسييرها.

وطالما أعلنت موسي، في تصريحات سابقة، أنها تناهض ثورة 2011 التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، وتُجاهر بعدائها المستمر لحركة النهضة.

ولفت الحاجي إلى أن “الحوار مطلوب في مثل هذه المرحلة، لكن السؤال المطروح هو حدوده وأفقه، وهل هو حوار سيخصص لتعويض المؤسسات والوضع الحالي”.

مراجعة النظام
وفي سياق آخر اعتبر الحاجي، أن “طبيعة النظام السياسي الحالي وبعض الفاعلين الأساسين داخله أدت إلى تكاثر الأزمات، وأن البلاد وصلت إلى أزمة مفصلية، لأنها في ظرف قصير شهدت حكومتين واحدة منهما لم تعمر طويلا”.

واستطرد: “من الصعب أن نخرج بسلاسة من الوضع الصعب الذّي نعيشه اليَوم بالفاعلين الحاليين والقوانين الحالية، وربما قد يدفع بنا كل هذا إلى انتخابات مبكرة قد تكون هي الحل الأفضل”.

وشدد الحاجي على أنه “رغم تكلفة الانتخابات الكبيرة، فإنها ستنقذ البلاد من متاهات أخرى على غرار تسرب العنف إلى الشارع وتعطل المؤسسات الدستورية”.

والخميس، وصف نور الدين الطبوبي، أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل، النظام البرلماني في بلاده بـ”العاجز”، ودعا لإجراء استفتاء عليه، وتساءل خلال مقابلة مع إذاعة محلية خاصة: “هل النظام البرلماني قادر على إصلاح تونس، وإلا فإن المسألة يهتمّ بها الشعب”.

(الأناضول)