وصل وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، صباح أمس الأحد، إلى العاصمة العراقية بغداد، في زيارة رسمية التقى خلالها المسؤولين العراقيين، وأبرزهم رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الذي عقد اجتماعاً دام لنحو 40 دقيقة في القصر الحكومي وهو ما اعتُبر وقتًا قصيرًا للغاية مع أنه الاجتماع الأول للكاظمي بمسؤول إيراني يصل إلى العراق.
كما التقى ظريف مع قيادات عراقية سياسية أخرى، لقاءات كانت أطول، إذ التقى زعيم تحالف “الفتح”، هادي العامري، وعمار الحكيم زعيم تحالف “الحكمة”، في اجتماعين منفصلين.
وقال ظريف لدى وصوله إلى بغداد في تصريحات صحافية، إنه “سيبحث مع الأشقاء العراقيين، ملف استشهاد الفريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما”، مؤكداً أن “اغتيال سليماني والمهندس كان خسارة كبرى في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، كما أن العلاقات العراقية الإيرانية لن تتزعزع إطلاقًا”.
وفي هذه الزيارة، أكد العراق سعيه لحماية السيادة الوطنية وعدم تدخل دول الجوار في شؤونه الداخلية وذلك خلال لقاء جمع بين وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف. وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين الأحد، إن العراق يعمل على إبعاد المنطقة والعراق عن التوترات الدولية وحماية السيادة العراقية.
وأضاف حسين خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في مقر وزارة الخارجية أن “قوة العراق تعني قوة المنطقة، ونريد علاقات متوازنة مع جميع دول الجوار وفق المصلحة الوطنية العراقية وعدم التدخل بالشؤون الداخلية ” وأشار إلى أنه “تم خلال اللقاء دراسة برنامج زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى طهران خلال الأيام المقبلة”.
من جهته قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الأحد، إن علاقات طهران لن تتزعزع مع العراق، واصفاً اغتيال قائد “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني بـ”الجريمة الكبرى”. وقال ظريف، إن “العلاقات الإيرانية العراقية عميقة وتاريخية وتعمقت أكثر في الحرب ضد تنظيم داعش”. وشدد على أن “هذه العلاقات لن تتزعزع وأن إيران تريد عراقاً قوياً يتمتع بالأمن والسلام الدائمين”. وأثنى وزير الخارجية الإيراني على “دور العراق في الخليج والمنطقة”، مؤكداً “ضرورة تعزيز العلاقات بين البلدين لتشمل المجالات كافة”.
وندد ظريف بعملية اغتيال قائد “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس في الثالث من يناير الماضي بضربة جوية أمريكية قرب مطار بغداد. واصفا العملية بـ”جريمة كبرى ارتكبتها الولايات المتحدة الأميركية”، مضيفاً أن تلك العملية أثرت على جهود مواجهة الإرهاب.
وفور وصول ظريف إلى مطار بغداد، اتجه إلى مكان اغتيال قائد “فيلق القدس” السابق، الجنرال قاسم سليماني، لـ”أداء واجب الاحترام” له، بحسب وصف بعض وسائل الإعلام الإيرانية.
من جانبه قال القيادي في “جبهة الإنقاذ والتنمية” العراقية، ومحافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي، إن “زيارة ظريف لموقع حادثة اغتيال سليماني، تعني أن إيران تريد مواصلة تحشيد مؤيديها ضد الولايات المتحدة الأميركية في داخل العراق”.
ورأى أن “هذه الزيارة نوعاً من مداعبة شعور الموالين لطهران، والذين عملوا مع قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وتحشدهم ضد واشنطن، خصوصاً مع تقارب رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مع واشنطن”.
وبين النجيفي أن إيران لن تعترض بشكل علني على أي إجراء رسمي يقوم به العراق في تغليب مصالحه أو رسم سياسته، فهي لا تريد أن تضغط بنفسها على الكاظمي من أجل أن يخفف من توجهه بالتعاون مع الولايات المتحدة، ولهذا هي تريد تحشيد أنصارها من الفصائل المسلحة الموالية لها حتى تقوم بهذه المهمة بدلاً عنها”.
بدوره قال القيادي في تحالف “الفتح”، بالبرلمان العراقي غضنفر البطيخ، إن زيارة ظريف لموقع اغتيال سليماني، تؤكد معلومات حول توصّل طهران إلى معلومات مهمة حيال قضية اغتياله”، وفقاً لقوله.
وأضاف البطيخ: “هناك معلومات متوفرة لدى طهران، بتورط شخصيات عراقية بعملية اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، ولهذا وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، التقى رئيس مجلس القضاء العراقي الأعلى فائق زيدان، لغرض تسليم بعض الأدلة والمعلومات، التي تمتلكها طهران”.
معتبراً أن “قضية اغتيال قاسم سليماني بالنسبة إلى إيران ليست سهلة، بل لها تأثيرات سياسية وعسكرية، ولهذا لا يتوقع أن تترك إيران هذا الملف مغلقاً دون التوصل إلى نتائج”.
وبالتزامن مع زيارة ظريف ولقائه رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان أصدر القضاء العراقي بياناً قال فيه، إن إجراءات التحقيق في حادث المطار (اغتيال قاسم سليماني) تمت منذ اللحظة الأولى لوقوع الحادث، وتعامل القضاء العراقي مع تلك الحادثة باعتبارها جريمة جنائية حصلت على أرض عراقية، وقسم من المجني عليهم فيها من العراقيين. وأضاف البيان أن الإجراءات تمت وفق قواعد التحقيق المنصوص عليها، حيث تم إجراء الكشف والمرتسم على محل الحادث، ودوِّنت أقوال قسم من المدعين بالحق الشخصي والممثل القانوني عن سفارة جمهورية إيران الإسلامية عن المجني عليهم من الإيرانيين. ومخاطبة وزارة الخارجية العراقية وأمانة مجلس الوزراء بخصوص تفاصيل أخرى تخص الحادث”. وختم البيان بأن إجراءات التحقيق منذ زمن الحادث مستمرة وفق القانون العراقي.
يقرأ سياسيون عراقيون استهلال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف زيارته إلى بغداد، بزيارة الموقع الذي قتل فيه زعيم “فيلق القدس” الإيراني الجنرال قاسم سليماني بضربة جوية أميركية مطلع يناير/كانون الثاني الماضي غربي العاصمة بغداد؛ على أنها تحمل رسائل متعددة لأطراف كثيرة داخل العراق وخارجه، من أبرزها استمرار إيران بتحشيد أنصارها في العراق وخاصة الأذرع المسلحة الموالية لها ضد الولايات المتحدة الأميركية.
وتأتي زيارة ظريف بعد أن شهدت الساحة العراقية توترا بين فصائل موالية لإيران في العراق وبين الكاظمي، لا سيما بعد أن داهمت قوة من جهاز مكافحة الإرهاب مقراً لكتائب حزب الله جنوبي بغداد الشهر الماضي على خلفية الصواريخ التي أطلقت مرارا خلال الأشهر الماضية محاولة استهداف قواعد عسكرية تضم قوات أميركية.
ومنذ الإعلان غير الرسمي، مطلع الشهر الجاري، عن نية الكاظمي زيارة السعودية وإيران والولايات المتحدة، بدأت وسائل الإعلام العراقية التي يحركها الحرس الثوري الإيراني، تتداول قائمة تضم أسماء خمسة من ضباط جهاز المخابرات العراقي، بصفتهم متورطين في التخطيط لقتل سليماني.
وتحرك إيران طيفا واسعا من وسائل الإعلام العراقية، عبر ما يعرف باتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية التابع للحرس الثوري، الذي ينشط أيضا في اليمن وسوريا ولبنان.
وبلغ التصعيد الإعلامي الإيراني في هذا الملف ذروته، عشية وصول وزير خارجية طهران محمد جواد ظريف إلى بغداد يوم الأحد، إذ أعلن دبلوماسيون إيرانيون وجود “أدلة دامغة على تورط اثنين من المسؤولين العراقيين الرسميين، مع عدد من الموظفين”، في التخطيط لعملية اغتيال سليماني.
إن التصعيد الإيراني المحسوب يستهدف تهديد رئيس الوزراء العراقي الوطني مصطفى الكاظمي، قبيل توجهه نحو السعودية والولايات المتحدة. وبالنسبة إلى إيران، فإن الكاظمي يبدو جادا في توثيق علاقات حكومته مع الرياض وواشنطن، اللتين تضعهما طهران في خانة الأعداء. وهذا الأمر لا يزعج إيران، لكن الكاظمي في المقام الأول يسعى إلى تحقيق مصالح العراق قبل كل شيء.
وألمح دبلوماسيون إيرانيون إلى أن طهران ستفتح ملف اغتيال سليماني والمتورطين فيه، مع الكاظمي، عندما يزورها في غضون الأيام القليلة المقبلة. وذكر أحد الدبلوماسيين الإيرانيين أن جدول المباحثات الأمنية بين طهران وبغداد، خلال زيارة الكاظمي، يشمل ملف تصفية سليماني. وهي محاولة بائسة من قبل الإيرانيون لابتزاز حكومة مصطفى الكاظمي.
ويعتقد مراقبون أن إيران لن تتورع عن ابتزاز الكاظمي، في حال لمست منه جنوحا أو تمردا، وهو ما يكشف عنه سلوكها التصعيدي ضد حكومته مؤخرا.
واعتادت إيران على استخدام لغة العصا، وأحيانا تكون إلى جانبها جزرة، في التعامل مع معظم رؤساء الحكومات العراقية السابقة، لكنها قد تكون بحاجة إلى لغة جديدة، في حال أرادت الإبقاء على علاقات طيبة مع الكاظمي، الذي يبدو أن لديه خيارات أخرى، بالفعل.
ويرى المتابعون للشأن العراقي، أن إيران لا يمكنها أن تجابه حقيقة الرفض الشعبي العراقي الواسع لسياسات جميع حلفائها في بغداد، والذي عبرت عنه بوضوح انتفاضة تشرين أول أكتوبر 2019، حيث هتف مئات الآلاف من العراقيين الشيعة بسقوط مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي وطرد النفوذ الإيراني السلبي من بلادهم. وأن ورقة انتفاضة تشرين الأول/ أكتوبر قد تكون سلاحا مؤثرا في يد الكاظمي عندما يتعامل مع إيران، بشرط تحصين جبهته الداخلية وضمان ولاء المؤسسة العسكرية للدولة.
ويرى مراقبون أيضًا أن إيران تدرك عمق أزمتها في العراق، بعدما حطم الشارع الشيعي العراقي، خلال انتفاضة تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أسطورة أنها حامية المذهب الشيعي.
ويفرق مراقبون عراقيون بين استجابة إيران الدولة، التي يمثلها الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، واستجابة إيران الثورة، التي يمثلها المرشد علي خامنئي والحرس الثوري، لهذا الإدراك بشأن التغيير الكبير الذي أصاب مزاج شيعة العراق، بسبب الأحزاب والميليشيات الموالية لطهران.
وبينما تريد إيران الدولة الحفاظ على هيمنتها في العراق بنعومة، من خلال الأدوات الدبلوماسية والتغلغل الاقتصادي والتأثير الهادئ في السياسة، تصر إيران الثورة على الصخب والفوضى من خلال النظر إلى العراق بعيون زعماء ميليشيات عراقيين يرون أنفسهم فوق القانون، ويقولون إن مصطفى الكاظمي مجرد عميل لأميركا وأن عليه ألا يندفع في تنشيط العلاقات مع السعودية.
ولا يسمع الكثير من العراقيين عن إيران الدولة، لأن إيران الثورة تصنع الكثير من الصخب ضد الولايات المتحدة والسعودية وحكومة الكاظمي، عبر وسائل الإعلام العراقية التي يديرها الحرس الثوري الإيراني. ولكن الكاظمي قادر بما يمتلكه من حس المسؤولية الوطنية في إدارة أزمات العراق المعقدة داخليًا وخارجيًا.
وحدة الدراسات العراقية