درج جبران باسيل، رئيس «التيار الوطني الحر» في لبنان وصهر رئيس الجمهورية، على ردّ معظم مشكلات البلد المستعصية إلى وجود النزوح السوري وقبله الفلسطيني، وسبق أن بلغت تصريحاته مستوى التمييز العنصري الصريح الذي يخلط مع ذلك بين عناصر لا جامع يجمع بينها طبقاً للمنطق العقلي البسيط. على سبيل المثال كان باسيل قد غرّد، في أيار/ مايو 2019 وكان يومئذ وزيراً للخارجية، بأن «هذه الأرض التي أثمرت أنبياء وقديسين، لن يحل محلنا فيها، لا لاجئ، ولا نازح، ولا فاسد»، وكأن الفساد المستشري في قلب الفئات العليا من ساسة لبنان ومسؤوليه يقع على عاتق اللاجئ أو النازح.
قبل ذلك، في آذار/ مارس 2018 خلال تمثيل لبنان في مؤتمر روما الخاص بدعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، دعا باسيل إلى شطب كل لاجئ فلسطيني من قيود الوكالة في حال استحصاله على جنسية أخرى، معتبراً أن هذا الإجراء يخفف من أعباء الوكالة المالية، ويسهم في خفض أعداد اللاجئين على الأراضي اللبنانية. ورغم إنكاره بأن هذا المطلب يمكن أن يُسقط حق العودة بالنسبة إلى الفلسطينيين، فإن الحصيلة الإجمالية لمواقف باسيل المعلنة والمبطنة تخدم هذه النتيجة عملياً.
ومؤخراً صرح باسيل بأن وجود اللاجئين الفلسطينيين يؤثر على تحقيق لبنان لمبدأ «الحياد»، وجاء تصريحه هذا في باب التعليق على عظة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي التي طالب خلالها بتحقيق مبدأ «حياد لبنان»، معتبراً أن «هيمنة حزب الله على الحكومة في البلاد تركت لبنان وحيداً ومحروماً من الدعم الخليجي أو الأمريكي أو الأوروبي». وبدل أن يستذكر مقدار الأذى الذي يلحق بلبنان جراء تبعية «حزب الله» للسياسات الإيرانية في المنطقة وقتال ميليشياته إلى جانب نظام بشار الأسد في سوريا، نحا باسيل باللائمة على النزوح الفلسطيني، بعد أن كرر التصريحات ذاتها بخصوص النزوح السوري.
لكن باسيل ليس وحيداً في هذا ضمن التيار، وبالتالي لا يعبر عن آراء شخصية بقدر ما يعكس «فلسفة» عامة متكاملة سبق أن جسدتها مراراً أقوال الرئيس اللبناني ميشيل عون نفسه، كما في تصريحه بأنه «لن يبقى للبنان وجود إذا بقي فيه نصف مليون لاجئ فلسطيني ومليون و600 ألف نازح سوري». وبدا لافتاً بصفة خاصة أن عون كان يتحدث أمام وفد من مجلس كنائس الشرق الأوسط صيف العام الماضي، في إيحاء ضمني بأن النزوح الفلسطيني والسوري يهدد الوجود المسيحي في لبنان على وجه التحديد.
كذلك فإن «التيار الوطني الحر» ليس الجهة السياسية الوحيدة التي تعتنق هذه الحساسية، وكان وزير العمل السابق المنتمي إلى «القوات اللبنانية» هو الذي أشرف على حملات الإغارة على المحالّ والمؤسسات الخاصة والمصانع بحثاً عن «عمالة أجنبية غير شرعية»، فاختلط السوري بالفلسطيني، وتضاربت القوانين والتشريعات والأنظمة. كذلك ليست بعيدة في الزمان ممارسات اللواء جميل السيد بحق اللاجئين الفلسطينيين عبر الرئيس الأسبق إميل لحود في سنة 2003، وهو اليوم نائب في البرلمان بدعم مباشر من «حزب الله».
حرمان الفلسطيني على أرض لبنان من حقوق إنسانية جوهرية لم يعد يشفي غليل باسيل وأمثاله، ويتوجب بالتالي استخدام النزوح لترحيل المآزق واستغفال العقول أيضاً.
القدس العربي