سلسلة الانفجارات والحرائق والحوادث الغامضة التي وقعت في الشهر الأخير في إيران تواصل جذب الاهتمام الدولي لها. حتى بافتراض أن غالبية الأحداث مرتبطة بمستوى الصيانة المتدني لمواقع البنى التحتية في الدولة، فإن الأحداث تنعكس على صورة النظام وتمس بالقوة التي يريد بثها لمواطنيه. وسائل الإعلام في الغرب تنسب عدداً من الحوادث إلى حملة تخريب متعمدة تقف خلفها إسرائيل وربما الولايات المتحدة، وبهذا تحث طهران بصورة غير مباشرة على القيام برد يوضح أنها مصممة على الدفاع عن مصالحها.
قال الجنرال كانت ماكنزي، قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي والمسؤول عن القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، الأسبوع الماضي، لصحيفة الـ “واشنطن بوست” إن إيران قد تردّ بعملية ضد إسرائيل. وحسب أقواله، قد تندلع أزمة جديدة في أعقاب “الهجمات الأخيرة على أجهزة الطرد المركزي لإيران في نطنز ومواقع برنامج الصواريخ. إيران تتهم إسرائيل… تجربتي تقول إنهم سيردون”.
وفي إيجاز توجيهي تلفوني لصحافيين من الشرق الأوسط، أضاف مكنزي بأن الاغتيال الأمريكي للجنرال الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني الماضي خلق ميزان ردع جديداً تجاه إيران، ولكن النظام يريد الاحتجاج على ذلك. “إيران ما زالت تتطلع لتحقيق هيمنة إقليمية وإخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. ولكنهم يحاولون القيام بذلك دون تجاوز الخط الأحمر الذي حددناه”، أضاف. وحسب أقواله، أصبح من الصعب على الإيرانيين منذ الاغتيال اتخاذ قرارات، وبلورة سياسة خوفاً من ألّا يقرأوا الرد الأمريكي المتوقع بصورة صحيحة.
ادعى مكنزي بأن سيكون هناك خطأ شديد يرتكبه تنظيم حزب الله إذا ما حاول العمل ضد إسرائيل من لبنان، كجزء من الرد الإيراني. “هذا لن ينتهي بصورة جيدة ” قال. في الأسابيع الأخيرة، بذلت جهود إيرانية أخرى للقيام بهجمات سايبر ضد إسرائيل استمراراً للهجوم الذي تم إحباطه ضد البنى التحتية لمياه في إسرائيل في نيسان من هذا العام. كما أن هذه المحاولات أيضاً والتي وجهت ضد بنى تحتية للمياه أحبطت.
وما زال جهاز الأمن الإسرائيلي يشخص وجود حرج معين في إيران بعد سليماني، الذي يوصف الآن بـ”الاستراتيجي الغائب”. الجنرال، قائد وحدة القدس في الحرس الثوري، كان القوة المحركة خلف النشاط الاستخباراتي لبلاده في كل أرجاء العالم. أما من حل محله، الجنرال إسماعيل قآني، فاعتبر كرجل قيادة وتنظيم مرتب ومنظم ولكن ليس كمن يستطيع قيادة الاستراتيجية الإقليمية لإيران أو أن يكتسب لنفسه مكانة عالية جداً في سلسلة القيادة والسيطرة في الدولة – بما يتجاوز درجته الأصلية.
سلسلة الأحداث الأخيرة تضع النظام في ضائقة، لأنها تنضم إلى اغتيال سليماني وإلى حادثة إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية بالخطأ في سماء طهران (والتي تم إخفاؤها لعدة أيام)، وإلى أضرار وباء كورونا الذي يواصل تفشيه في الدولة وإلى المشاكل الاقتصادية. من بداية العام، سجل هبوط بحوالي 50 في المئة في قيمة الريال الإيراني – نصفه في الشهر الأخير.
قرارات الحكومة بتقليص دعم المنتجات الحيوية أثارت غضباً عاماً جديداً، وفي الأسبوع الماضي أبلغ عن وقوع مظاهرات احتجاج. الوضع الاقتصادي البائس في ظل العقوبات الأمريكية، حث الحكومة على إعادة فتح الاقتصاد، بصورة زادت الإصابات بكورونا. مصاعب الموازنة بدورها أدت إلى تقليص المساعدة الإيرانية لحزب الله والمليشيات الشيعية في العراق ومنظمات أخرى تشغلها إيران لأغراضها في أرجاء المنطقة.
وأضيف إلى مصاعب النظام أن إسرائيل، حسب تقارير إعلامية أجنبية، زادت هجماتها الجوية في سوريا في الأشهر الأخيرة، ضد مواقع متماهية مع الجهد الإيراني للتمركز العسكري وتهريب سلاح لحزب الله. وفي الوقت نفسه، ثمة معلومات استخباراتية حولتها إسرائيل للوكالة الدولية للطاقة النووية، استناداً إلى وثائق الأرشيف النووي التي سرقها الموساد في عملية في 2018، وأدت إلى مطالبة الوكالة الدولية للطاقة النووية لإجراء زيارة لمراقبين لموقعين آخرين أراد الإيرانيون إخفاءهما.
د. داليا ديسا – كاي، مديرة مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد “راند” الأمريكي، قالت يوم الأحد، في مقابلة لشبكة “سي ان ان”، بأن شخصيات كبيرة إسرائيلية تشخص أن إيران معزولة في الساحة الدولية وموجودة في موقف ضعف. وحسب أقوالها، فإن الاندماج ما بين سياسة الضغط بالحد الأعلى التي تمارسها إدارة ترامب على إيران، وكورونا وموت سليماني.. كلها تحث إسرائيل لممارسة ضغط خاص بها على النظام.
إن الإدارة الأمريكية -حسب أقوال ديسا كاي- لا تتخذ خطوات لكبح العمليات الإسرائيلية، وفي الواقع تجعل القيادة في إسرائيل تؤمن بأن لديها ضوءاً أخضر من الإدارة الأمريكية للعمل. لقد قدرت بأن هناك إمكانية معقولة بأن إسرائيل تقف خلف الانفجار الذي وقع في مصنع أجهزة الطرد المركزي في بداية الشهر، كما ادعت مصادر استخباراتية في المنطقة، تم اقتباسها من “نيويورك تايمز”، وربما من المتوقع حدوث عمليات إسرائيلية أخرى قد تذهب بهدفها إلى أبعد من تغيير الاتفاق النووي. هي تطرح إمكانية حدوث احتكاك عسكري متصاعد، وحتى وقوع محاولة لإسقاط النظام، وتحذر: “ربما تقوم إسرائيل بمقامرة خطيرة عندما تفترض بأن إيران لن ترد، لأنه يصعب منع تصعيد عندما يكون الوضع الإقليمي حساساً جداً أصلاً.
وفي تحليل ديسا كاي، علينا أن ندمج الواقع السياسي الداخلي في إسرائيل والولايات المتحدة. لقد بقي لإدارة ترامب ثلاثة أشهر ونصف حتى الانتخابات التي سيخسر فيها الرئيس، حسب كل الاستطلاعات (وكذلك شهران ونصف حتى انتهاء ولايته، إذا خسر حقاً). وفي إسرائيل، يقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أمام أزمة غير مسبوقة نابعة من أضرار كورونا الصحية والاقتصادية، إلى جانب بداية محاكمته ومستوى متزايد من عدم ثقة الجمهور. ترامب ونتنياهو أمام مواقف ضعف ليسا معتادين عليها. هذه أوقات استثنائية، ومن الممكن أن تتطور إلى سيناريوهات تصعيد غير متوقعة مستقبلاً.
القدس العربي