الباحثة شذى خليل*
لا يمكن فهم حجم التغيير الذي ستتركه جائحة كورونا على تاريخ البشرية ، فإن تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية قد تكون بالحجم الذي أحدثته الجوائح السابقة أو أكثر نظرا إلى عوامل عدة ولا سيما العولمةمنها
وإذا كان الحديث بلغة الأرقام لا يزال مبكرا، فالحقيقة التي بدأت تتكشف تبدأ بالمطالبات التي بدأت بالظهور لوضع الأمن الصحي على رأس أولويات استراتيجيات الدول العظمى بنفس مستوى التكنولوجيا والأمن الدفاعي.
فمع تزايد الخوف من التقلبات الاقتصادية وعدم استقرار السوق ، يبقى المعدن الأصفر في تزايد مستمر ، مع نمو الطلب الكبير على الملاذات الآمنة في ظل تصاعد التوترات الأميركية الصينية والتي وصلت إلي أوجها مع إمهال الولايات المتحدة، الصين 72 ساعة لإغلاق قنصليتها في ولاية هيوستن، بذريعة حماية الملكية الفكرية للشركات الأميركية.
ما هو نظام الملكية الفكرية وما هو قانونها؟
يرتبط تأسيس القانون الاتحادي الأمريكي بشأن الملكية الفكرية بشكل مباشر بمواد الدستور بشأن حق المؤلف والبراءات. وفيما يتعلق بالعلامات التجارية وغيرها من أشكال الملكية الفكرية، تتمتع الحكومة الاتحادية وحدها بسلطة وضع القوانين من خلال قدرتها على تنظيم التجارة.
وإذا كان الدستور يمنح الكونغرس القدرة على وضع قوانين فيما يتعلق بحق المؤلف والبراءات، فذلك لغرض صريح ألا وهو “النهوض بالتقدم” المحرز في المجالات ذات الصلة. ومن المفهوم أن هذا البيان يرمي إلى ترسيخ القانون الأمريكي المتعلق بالملكية الفكرية في إطار تعزيز الفوائد الاقتصادية والنهوض بقيمة الابتكار والأعمال الإبداعية المتاحة للعامة.
ورغم أن الحكومة الاتحادية كانت فعالة بشأن قانون الملكية الفكرية إلى أقصى حد يسمح به الدستور، فإن قوانين الولايات ما تزال مهمة بالنسبة لقانون الملكية الفكرية. وعليه، فمن المهم الإشارة إلى أنه لا يمكن فهم حقوق الفرد وواجباته فهماً كاملاً إلا بالرجوع إلى القانون الاتحادي وقانون الولاية على حد سواء.
اما الصين “استفزازاً سياسياً” قد يدفعها إلى اتخاذ خطوة ممثالة، في ظل تحضيرات لاحتمالات مواجهة عسكرية بين أكبير اقتصادين في العالم في بحر الصين الجنوبي مما سيؤثر في الاقتصاد العالمي ويدفع المستثمرين بقوة نحو الملاذات الآمنة وعلى رأسها الذهب.
الذهب استثمار امن، إذ يعد بمثابة “الاستثمار الآمن” عند بناء المحافظ الاستثمارية، فيمكن للذهب أن يساعد في الحماية من التضخم أو الانكماش، كما يمكن اعتباره ملاذاً في حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي العالمي، لذا نرى زيادة الاهتمام بهذه السلعة في الوقت الحاضر لا سيما وأن المستثمرين قد وجدوا أنفسهم أمام اضطرابات سياسية عالمية .
الذهب كملاذ آمن في ظل حالة عدم التيقن التي تسببت بها الأزمات الاقتصادية. فهو يعد كمخزن للقيمة عبر آلاف السنين، يبدو مغرياً كفرصة استثمارية، ذات قيمة مستقرة نسبياً خلال فترات ضعف السوق.
وترتفع أسعار الذهب الى أعلى مستوى له منذ سبتمبر(أيلول) 2011 بنسبة 1% بالمئة وزادت عقود الذهب الأميركية الآجلة 0.6 في المئة.
إن جائحة كورونا ربما أعادت تشكيل التفكير نحو إدارة المخاطر والحاجة إلى تنويع المحافظ، ما يؤدي إلى هذه العوامل التي تجعل الذهب يكتسب أهمية أكبر
حيث حدد بنك لومبارد أودير السويسري الخاص سبب الاحتفاظ بالمعدن الأصفر الثمين في المحافظ. وشكلت رؤية البنك منعطفاً آخر في الجدل الدائر حول الدور الذي يجب أن يلعبه الذهب في إدارة الثروات، ويبدوا التمسك اقوى بالذهب عندما تبدو المخاطر واضحة، أو عندما تندلع المخاوف من تآكل قيمة الأموال “الورقية” الحكومية.
وبحسب تقرير البنك ارتفعت قيمة المعدن النفيس في الآونة الأخيرة عبر جميع العملات الرئيسة مع نمو الطلب العالمي على الاستثمار في المعدن الأصفر كأحد أفضل الملاذات الآمنة خلال تفشي أزمة كورونا.
ويقول لومبارد أودير السويسري، إن التسهيل الكمي الضخم للبنك المركزي الأميركي – المعروف أيضاً بطباعة النقود – وتأثير الوباء العالمي يخلقان الكثير من المخاطر في ذهن المستثمر، حتى إذا اتضح أن الأموال الجديدة للبنك المركزي يتم مسحها قبل ظهور المشاكل. هذه هي الأصول الكلاسيكية “الملاذ الآمن”. يبقى النقاش: الوقت الذي قد يرغب فيه الشخص في الوصول إلى الذهب قد يكون الوقت الذي تحاول فيه الحكومات الاستيلاء عليه – كما حدث خلال الثلاثينيات في الولايات المتحدة.
يعود وضع الذهب كفئة أصول آمنة إلى اتفاقية بريتون وودز لعام 1944. نظراً لأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كان مضطراً إلى الاحتفاظ بالذهب الذي كان يساوي 40٪ من قيمة الدولار الأمريكي، فقد جمع البنك حوالي 75٪ من الذهب العالمي. لهذا السبب، وافقت غالبية الدول المتقدمة على إصلاح عملاتها مقابل الدولار الأمريكي، و هذا هو السبب في أن الدولار هو العملة العالمية في العالم.
ويؤكد احد المستثمرين في قطاع الذهب وحالة الاحتفاظ به: “تغيرت طبيعة سوق الذهب في خضم جائحة كوفيد19- إذ ينفق المستهلكون أقل ويتجه المستثمرون بشكل متزايد إلى المعدن الثمين كمحفظة متنوعة.
ومع اشتداد المخاوف بشأن فيروس كورونا، سعى المستثمرون إلى السيولة، وارتبطت أسعار الذهب مؤقتاً بأصول أخرى وهبطت. بمجرد أن اتضح للمستثمرين أن العالم يواجه جائحة عالمية، ارتفعت الأسعار تماشياً مع برامج شراء الأصول المالية الضخمة للبنوك المركزية. تاريخياً، وقد يرتفع سعر الذهب عندما تنخفض قيمة الدولار، وبسبب كورونا ، تراجع التعدين على الذهب مما ساعد على خلق بيئة إيجابية لأسعار الذهب وتضيف إلى عوامل الجذب للمعادن الثمينة كتغطية للمحفظة.
تنويع المحفظة الاستثمارية هو استراتيجية استثمار تستخدم لتوزيع المخاطر عبر عدد من فئات الأصول. إعادة التوازن إلى محفظتك هي واحدة من العوامل الحاسمة الضرورية في تأمين الاستثمارات الناجحة على المدى الطويل. و يقلل من فرص وجود عامل سلبي واحد يؤثر على كامل محفظتك. التداول بشكل مربح يتمحوّر على الفوز و الربح على المدى الطويل. لا يمكنك الفوز على المدى الطويل إذا واجهت إنخفاضًا حادًا بما يكفي لمنعك من التداول. تنويع المحفظة الاستثمارية يساعد على تجنب هذا السيناريو السلبي. هل هناك فوائد لتنويع المحفظة الاستثمارية أكثر من مجرد محاولة تقليل المخاطر بشكل عام؟ ومن فوائدها فهو يقلل من المخاطر المرتبطة بفئات الأصول المحددة، يزيد من فرص مواجهة ظروف و فرص مواتية لنظامك و استراتيجيتك والاستفادة من المزيد من الإشارات.
قد يكون الاستثمار في الأصول المقومة بالعملات الأجنبية أمرًا يستحق الاهتمام ، نظرًا لانخفاض التكاليف وإمكانية الوصول إلى الأسواق الأجنبية في العصر الحديث. يمكن إضافة الاستثمارات بعملات مختلفة إلى محفظة مربحة لأغراض التنويع. على سبيل المثال ، إذا استثمرنا بعض الأموال في العقارات داخل الولايات المتحدة، و اقترضناها بأسعار فائدة منخفضة، يمكن استثمار الأموال المتبقية في عملة مختلفة، و ربما عملة ذات معدل فائدة أعلى. من المهم الإشارة إلى أن قوة العملة غالباً ما ترتبط بميزان تجاري قوي و نشاط اقتصادي قوي.
عزّزت تدخلات البنك المركزي الأخيرة حالة الاحتفاظ بالذهب كأداة لتنويع المحافظ في هذه المستويات، لماذا تملًك الذهب في محفظة؟ مزيج من عائدات السندات الحكومية المنخفضة إلى السلبية بالإضافة إلى ضعف الدولار الأميركي، والأهم من ذلك، تسكين التضخم للبنك المركزي والذي يدعم الطلب المالي. استمرت هذه العلاقة بين الذهب والعوائد الحقيقية خلال العقد الماضي، بالإضافة إلى ذلك، بينما ينظر المستثمرون في الآثار المترتبة على الوباء على المدى الطويل، فمن المرجح أن ينظروا بجدية أكبر في تعرضهم للديون السيادية وملاءة الحكومات المدينة. هذا يزيد من جاذبية الذهب، والذي، حتى لو لم يولّد أيّ دخل ومكلف للتخزين، فهو لا ينطوي على مخاطر الائتمان.
مستقبل الذهب في 2020 معظم أسعار السلع هي التوازن بين العرض والطلب. ولكن في حالة الذهب، تكون التهديدات بالعرض مبالغاً فيها في بعض الأحيان. في عام 2019، انخفض المعروض من مناجم الذهب بنسبة 1 في المئة، وفقاً لمجلس الذهب العالمي. هذا العام، انخفض العرض بنسبة 3 في المئة في الربع الأول حيث أغلقت العديد من المناجم خلال أزمة كوفيد 19. إن الانقطاعات، التي اشتدّت في الربع الثاني، والمصافي المغلقة وسلاسل اللوجستيات الأكثر تعقيدًا أدت إلى تعقيد إمدادات سبائك الذهب والعملات المعدنية.
وان تحركات الذهب الأخيرة بحسب بنك لومبارد أودير، الذي شجع الاستثمار بالذهب ، يرى أن الطلب العالمي هو رصيد الإنفاق الاستهلاكي على الذهب المادي والاستثمارات المالية. ويضيف أنه تماشياً مع الانكماش الاقتصادي الواسع النطاق، انخفض الطلب على المجوهرات بشكل ملحوظ خلال الوباء. وانخفض الطلب من الصين الكبرى، التي استحوذت على 28 في المئة من المشتريات في عام 2019 كأكبر سوق في العالم، بنحو الثلثين في الربع الأول. الهند، ثاني أكبر سوق، لا تزال تدير الوباء مع الحجر العام. في ما تستهلك الصين والهند أكثر من نصف استهلاك العالم من الذهب المادي للذهب.
ومن جهة ثانية قام المستثمرون بزيادة مشتريات الذهب من خلال الوباء. شهد النصف الأول من عام 2020 شراء الصناديق المتداولة في البورصة رقماً قياسياً بلغ 734 طناً من الذهب بقيمة حوالي 39.5 مليار دولار، بزيادة قدرها 600 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي وأكثر من أية فترة سنة كاملة في التاريخ، وفقاً لبيانات مجلس الذهب العالمي.
نتوقع أن تظل أسعار الذهب ، مدعومة بتوقعات اقتصادية ومع تحسن التوقعات للاقتصاد العالمي. سيكون الخطر على ذلك تعافياً اقتصادياً أقوى من المتوقع، ما يُقنع البنوك المركزية على مستوى العالم بأنها تستطيع أن تخفّض أو توقف إنفاقها التحفيزي الاستثنائي على الأصول بأمان. وهذا يعني أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيكون مستعداً عندئذ لزيادة أسعار الفائدة، رغم عدم الاستقرار السياسي وانعكاسه الاقتصادي خاصة والانتخابات باتت قريبة وارتفاع حد المنافسة بين الجمهوريين والديمقراطيين .
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية