ثمة تفصيل لافت في البيان الرسمي الذي صدر عن حزب الله، تعقيباً على بيانات جيش الاحتلال الإسرائيلي حول التصعيد العسكري الذي شهدته منطقة كفر شوبا جنوب لبنان، وهو أن النص لا ينفي المزاعم الإسرائيلية حول تسلل خلية راجلة من عناصر الحزب إلى داخل أراضي الاحتلال، ولكنه لا يؤكدها في الآن ذاته بل يكتفي بالتشديد على أن «كل ما تدعيه وسائل إعلام العدو عن إحباط عملية تسلل من الأراضي اللبنانية إلى داخل فلسطين المحتلة (…) هو غير صحيح على الإطلاق».
وهذا يعني أن الحزب كان بصدد تنفيذ عملية ما في المنطقة، بصرف النظر عن النتائج التي انتهت إليها وما إذا كانت تندرج في سياق الرد على مقتل أحد عناصر حزب الله في قاعدة إيرانية قرب العاصمة السورية دمشق، خلال قصف جوّي يُرجح أنه كان إسرائيلياً. ولعل العملية تدخل أيضاً في إطار أوسع نطاقاً هو تطبيق «توازن الردع» الذي أعلن عنه الأمين العام للحزب حسن نصر الله السنة الماضية، والقاعدة الأبرز فيه أن الحزب سيثأر عبر لبنان من أي استهداف إسرائيلي لعناصره في سوريا.
غير أن المعطيات الأولية المرتبطة بعملية حزب الله المفترضة، وعلى رأسها العدد المحدود لأفراد الخلية الراجلة وطبيعة السلاح المستخدم والزمن القصير الذي استغرقته، لا تشير إلى نية في التصعيد الشديد من جانب الحزب، كما لا تدل على خطة ملموسة لثأر يُعتد به ويمكن أن يُسكت الاصوات الناقدة التي أخذت تغمز من صمت الحزب المتواصل على العديد من الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت عناصره وسلاحه في سوريا. بل يبدو منطقياً أكثر ترجيح احتمال أن تكون واقعة كفر شوبا بمثابة تكرار لعملية مشابهة من العيار الخفيف شهدتها المنطقة ذاتها في أيلول/ سبتمبر العام الماضي.
والمنطق السليم يخدم هذه الفرضية، بالنظر إلى أن حزب الله ليس في وارد خوض معركة واسعة النطاق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، لأسباب تبدأ من أوضاع لبنان الاقتصادية والمعيشية والسياسية المتدهورة، وتمر بتحميل الحزب القسط الأعظم من المسؤولية عن هذه الأحوال الخانقة، ولا تنتهي عند حقائق الأزمات التي تعيشها إيران لجهة تمويل الحزب أو حتى تغطيته سياسياً وشعبياً في أنظار اللبنانيين. ورغم الاستهداف الإسرائيلي لعناصر الحزب في سوريا، وتكثيف أنشطة الطيران المسير الإسرائيلي في أجواء لبنان، وحاجة الحزب إلى رفع معنويات أنصاره، فإن نائب الحزب الشيخ نعيم قاسم أعلن مؤخراً وبكل وضوح أنه لا يتوقع اندلاع حرب في الأشهر المقبلة، مؤكداً أنه «لا تغيير في قواعد الاشتباك».
على الجانب الإسرائيلي لا يفوت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أي فرصة سانحة للتلويح بقبضة القوة وتحذير حزب الله من «اللعب بالنار»، خاصة وأنه يسمع كل يوم أصوات تظاهرات الاحتجاج المحتشدة أمام منزله والمطالبة بفتح المزيد من ملفات الفساد التي تورط فيها. ولكنه يدرك من جانبه أيضاً أن الذهاب أبعد في التصعيد مع حزب الله ليس في صالح تحالفاته الراهنة، ويسير على نقيض المزاج الإسرائيلي الشعبي العام.
وهكذا فإن التصعيد العسكري الأخير يبدو أقرب إلى تمرين بين حزب الله والاحتلال، حول طرائق التوتير المحسوب ضمن توازن الردع واللعب بالنار.
القدس العربي