هل من توافق روسي تركي بشأن ليبيا؟

هل من توافق روسي تركي بشأن ليبيا؟

تكثفت في الآونة الأخيرة دعوات أممية وغربية للعودة مجدداً إلى طاولة المفاوضات في ليبيا، وتسارع حراك ديبلوماسي، دولي وإقليمي، يرمي إلى إيجاد مخرجٍ سياسي للوضع المتأزم في ليبيا، وإنهاء حالة التوتر والتصعيد العسكري، والتمكّن من نزع فتيل الأزمة قبل انفجارها في مناطق التوتر العسكري في وسط ليبيا، وخصوصا في سرت وقاعدة الجفرة.

وشهدت عدة عواصم لقاءات ونقاشات بين رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء خارجية ومنظمات دولية وإقليمية فاعلة ومتدخلة في الوضع الليبي، في ظل استمرار الاتهامات المتبادلة والتهديدات بين دول متدخلة في الأزمة الليبية، وخصوصا بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية من جهة، وتركيا وفرنسا ومصر وسواها من جهة أخرى.

وحملت التطورات الأخيرة متغيرات وتحولات في الوضع الليبي، أفضت إلى تحوّل كل من تركيا وروسيا إلى لاعبين أساسيين في ليبيا، حيث تدعم تركيا حكومة الوفاق، برئاسة فائز السراج، فيما تدعم موسكو الطرف المناوئ لها. ولذلك تتجه الأنظار إلى ما تتمخض عنه الاتصالات والمشاورات ما بين المسؤولين الروس والأتراك بشأن الوضع في ليبيا، والتي لم تنقطع منذ أطلق الرئيسان، التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، مبادرة عقب لقائهما في إسطنبول في الثامن من يناير/ كانون الثاني الماضي، تهدف إلى تهدئة الوضع على الأرض في ليبيا، وإعداد أرضيةٍ مناسبةٍ، من أجل عملية سياسية تحقق مصالح الدولتين.

تركز روسيا وتركيا على كيفية التوصل إلى التهدئة وخفض التصعيد وتوافقات تفضي إلى وقف إطلاق النار

ويبدو أن الطرفين، الروسي والتركي، لا يريدان حدوث أي مواجهة عسكرية بينهما في ليبيا، ولو بطريقة غير مباشرة، ولذلك يركزان على كيفية التوصل إلى التهدئة وخفض التصعيد، وإلى توافقات تفضي إلى وقف إطلاق النار في ليبيا، في إطار مخرجات مؤتمر برلين الذي عقد في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي. ولذلك أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ونظيره التركي مولود جاووش أوغلو، على “ضرورة مواصلة تبادل الآراء، حول سبل تطبيع الوضع في ليبيا، ووقف النار، وعقد الحوار الليبي بمشاركة الأمم المتحدة”، حسبما أعلنته الخارجية الروسية. وعلى هذا الأساس، جدّدت كل من تركيا وروسيا “التزامهما القوي بسيادة ليبيا واستقلالها ووحدة أراضيها، وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة”، وذلك بعد مشاوراتٍ أجراها وفد روسي مع نظيره التركي في أنقرة في 22 الشهر الماضي (يوليو/ تموز الماضي)، وتمخض عنها ما يمكن تسميته توافقاً تركيا روسياً على “تشكيل مجموعة عمل مشتركة حول ليبيا، وعقد أول جولة مشاورات في موسكو قريباً”، حسب البيان المشترك الذي صدر عقب اللقاء، واعتبرا فيه أن “لا حل عسكريا للأزمة في ليبيا، ولا يمكن حل المشكلة إلا عبر عملية سياسية بقيادة الليبيين ورعايتهم وبتسهيل من الأمم المتحدة”، كما أكدا على ضرورة الاستمرار في مكافحة الأشخاص والكيانات الإرهابية في ليبيا المحدّدة من مجلس الأمن. وشدّدا على عزمهما حيال مواصلة الاتصالات الثنائية بهدف ضمان أمن ليبيا واستقرارها وتحسين الوضع الإنساني. والأهم أن كلا من روسيا وتركيا اتفقتا “على مواصلة الجهود المشتركة بما فيها تشجيع الأطراف الليبية بهدف تهيئة الظروف من أجل إعلان وقف إطلاق نار دائم، وتعزيز الحوار السياسي بين الليبيين بتنسيق مع الأمم المتحدة، وبشكل يتناسب مع نتائج مؤتمر برلين، إلى جانب ضمان الوصول الإنساني الآمن، ودعوة الأطراف إلى اتخاذ التدابير لضمان إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة لجميع المحتاجين”.

ترفض تركيا أي دور للنظام المصري في ليبيا، وترى موسكو ضرورة أخذ الدور المصري بالاعتبار

ولعل السؤال الأهم يتعلق بالكيفية التي سينعكس بها هذا التوافق الروسي التركي على الوضع الميداني والسياسي في ليبيا في المرحلة المقبلة، خصوصا أن الدول المتدخلة وأطراف الصراع في ليبيا لم تظهر أي تجاوب مع الدعوات الدولية والأممية إلى التهدئة، ولم تكترث بالمساعي التي تُبذل في سبيل البحث عن حل سياسي، بل واصلت الحشد العسكري والتصعيد. ولكن الملاحظ أن تركيا أضحت تطالب بأن يتضمن أي اتفاق بخصوص ليبيا انسحاب قوات اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، من سرت والجفرة، بينما لا توافقها روسيا على ذلك، بل تطالب بضرورة مشاركة حفتر في أي نقاش حول ليبيا، ولذلك لا تعبر نتائج اجتماع الوفدين، الروسي التركي، عن تقارب كامل في رؤى الجانبين بشأن الوضع في ليبيا.

وفيما ترفض تركيا أي دور للنظام المصري في ليبيا، ترى موسكو ضرورة أخذ الدور المصري بالاعتبار، خصوصا مع تزايد احتمالات حدوث صدام مباشر بين مصر وتركيا، والسعي المصري إلى تسليح قبائل ليبية لمواجهة تركيا في ليبيا. إضافة إلى أن الولايات المتحدة تراقب عن كثب ما يحدث في ليبيا من تطورات، وخصوصا بعد تزايد النفوذ الروسي فيها. أما مواقف كل من الجزائر وتونس فتدور حول دعوة كل الأطراف إلى ضرورة الحفاظ على وحدة البلاد وسيادتها والتمسك بالحل السياسي، والتخلي عن السياسات التصعيدية، لكنها مواقف غير فاعلة، ولا تؤثر على تطورات الوضع الليبي.

وعلى الرغم من التصعيد في الوضع الليبي، خصوصا بعد الإعلان المصري عن الاستعداد لإرسال قوات إلى ليبيا، إذا حاولت حكومة الوفاق الوطني والقوات التركية السيطرة على سرت، إلا أن الطرفين، الروسي والتركي، لا يرغبان في مزيد من التصعيد العسكري، ويفضلان التوصل إلى تفاهمات سياسية، يراعي فيها كل طرفٍ مصالح الآخر، على غرار ما أبرمه ساسة البلدين من تفاهمات واتفاقات خلال تطورات الملف السوري في السنوات السابقة. وبالتالي، ستستمر الاتصالات والمشاورات بين مسؤولي البلدين حول الملف الليبي إلى حين توصلهما إلى توافق يراعي مصالح البلدين، مع تمسّك كل منهما بما حققه على الأرض، وبشكل يمكّنهما من التحكم بالقرارين، السياسي والعسكري، في ليبيا.

عمر كوش

العربي الجديد