يحذر مسؤولون في محافظتي الأنبار وصلاح الدين غرب وشمالي العراق، من زج مدن المحافظتين في معترك التصعيد الأمني والسياسي الجاري في العراق منذ أشهر حول مسألة الوجود العسكري الأميركي في البلاد، والهجمات المتصاعدة من قبل الفصائل المسلحة الموالية لإيران ضد مصالح ومعسكرات تضم تلك القوات، وذلك بسبب ما يؤكدون أنه مشروع لفصائل مسلحة موالية لطهران تتواجد ضمن خارطة انتشار فصائل “الحشد الشعبي”، في المدن المحررة شمال وغربي البلاد، تعمل عليه منذ أشهر، لكسب مقاتلين عشائريين ضمن “الحشد العشائري”، كأجنحة مساندة لتلك الفصائل في موقفها الحالي الرافض للوجود الأميركي في العراق، وقد تستخدمها في تنفيذ عمليات وانشطة أمنية ضد الوجود الأجنبي منها.
وبحسب المعلومات التي كشفها مسؤولون محليون وأكدها جنرال عراقي بارز في قيادة عمليات الأنبار ضمن مديرية الاستخبارات العسكرية، لـ”العربي الجديد”، فإن الهدف هو منح قضية رفض الوجود الأميركي طابعاً وطنياً من خلال تقديم فصائل مسلحة من العشائر العربية السنّية كجهات رافضة للقوات الأميركية ومهددة بالعمل المسلح ضدها، حتى لا يبقى الأمر مقتصراً على الفصائل الشيعية المرتبطة بإيران.
ثلاثة مسؤولين محليين في الأنبار وصلاح الدين، أحدهم في مدينة حديثة والآخر في مدينة القائم والثالث في بلدة مكيشيفة قرب سامراء ضمن محافظة صلاح الدين، تحدثوا مع “العربي الجديد”، في أوقات متفاوتة من شهر يوليو/تموز الماضي، عن كسب فصائل مسلحة موالية لإيران أبرزها “كتائب حزب الله” و”النجباء”، لعشرات المقاتلين المحليين العشائريين في مناطق عدة بصورة تأخذ طابع خلايا أو أجنحة مسلحة محلية تعمل لصالح تلك الفصائل، لا سيما في مناطق غرب الأنبار التي تبدأ من البغدادي، 12 كيلومتراً عن قاعدة “عين الأسد”، والتي تتواجد فيها القوات الأميركية، وكذلك بلدة القائم الحدودية مع سورية.
الهدف هو منح قضية رفض الوجود الأميركي طابعاً وطنياً
وقال أحد المسؤولين الثلاثة، في اتصال هاتفي من محافظة الأنبار مع “العربي الجديد”، في 13 يوليو الماضي حول الموضوع، إن “الحصول على حظوة لدى “كتائب حزب الله” أو أي من الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران يعادل منصباً في الحكومة العراقية، وهذا سر قبول الكثيرين بأن يكونوا ضمن أي مشروع لتلك الفصائل”. وأضاف أن “الفصائل الولائية تعمل منذ أشهر عدة على إيجاد مقاومة عربية سنّية ضد الوجود العسكري الأميركي من داخل الحشد العشائري، وقد حصلت عليها بالفعل”، محذراً من أن “المشروع يهدد استقرار المناطق المحررة بالتأكيد ومدعوم من إيران، ولا اعتقد أن حكومة مصطفى الكاظمي لا تعلم به”. و”الولائية” مصطلح يطلق في العراق على الفصائل المسلحة الموالية لإيران لتمييزها عن تلك التي ترتبط بالعتبات الحسينية والعباسية. وبحسب المسؤول ذاته، فإن “مسلحين محليين من العشائر تم تجنيدهم فعلاً لصالح تلك الفصائل على شكل خلايا أو جماعات صغيرة داخل الحشد العشائري ضمن مشروع خلق أجنحة محلية مسلحة لتلك الفصائل تتبنّى مواقف ضد القوات الأميركية بهوية عربية سنّية وتهدد باستهدافها، وقد نسمع في الفترة المقبلة الإعلان عن جبهة أو فصيل مسلح يقدّم نفسه بهوية سنّية ويشابه بالطرح الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران”، مستدركاً “هذا التحرك يحرم سكان هذه المناطق من فرصة التنعم باستقرار جيد”.وتحدث مسؤول آخر من محافظة صلاح الدين لـ”العربي الجديد” عن عقد لقاء نهاية يونيو/حزيران الماضي في فندق بحي الكرادة بالقرب من شارع أبو نواس وسط بغداد، ضم شخصيات محلية وعشائرية غالبيتها مغمورة من عدة مناطق محررة غرب وشمال البلاد، وحضرته شخصيات في فصائل مسلحة بارزة وبمشاركة شخصية سياسية من نينوى مقربة من “الحشد الشعبي”، وكان نائباً في البرلمان عن الدورة السابقة، تم الاتفاق خلاله على “خلق جبهة مشتركة ضد الوجود الأميركي ودعم السيادة العراقية وعدم ترك مهمة رفض الوجود الأميركي لمكون واحد”. وأكد أن عملية التحشيد من قبل القوى المقربة من إيران مستمرة في مناطق شمال وغرب العراق ضد الوجود الأميركي، لافتاً إلى أن “الموضوع أكبر من كونه مبادرة أو فكرة لفصيل أو اثنين، بل هو مشروع كبير للتحشيد داخل العراق ضد الولايات المتحدة، بعد أن اقتصرت المطالبات الأخيرة الرافضة للقوات الأميركية على فصائل مسلحة محسوبة على إيران، وصدور مواقف كردية وسنّية رافضة أو متحفظة على مشروع مدعوم إيرانياً لإخراج القوات الأميركية من العراق”، في إشارة منه إلى أن مشروع التحشيد الحالي تتبناه إيران. وألمح إلى دور للقيادي في “حزب الله” اللبناني محمد الكوثراني من خلال علاقاته مع قيادات سياسية عربية سنّية، لتبني مواقف أكثر وضوحا وأقرب لموقف الفصائل المسلحة من الوجود الأميركي.
المتحدث باسم مجلس عشائر نينوى، مزاحم الحويت، قال لـ”العربي الجديد” إن “الأجنحة المحلية ستكون أدوات لأي مواجهة محتملة في تلك المناطق وغطاء سياسياً بالتأكيد، والكثير ممن انخرط في المشروع معروفون محلياً”، مضيفاً أن “الموضوع يشكل تهديداً وخطورة على استقرار المدن المحررة وحتى إعمارها وتطويرها”. واعتبر أن “خلق أجنحة مسلحة من داخل الحشد العشائري متخادمة مع الفصائل المرتبطة بإيران في مناطق غرب وشمال العراق أنجز فعلاً، ويتعدى موضوع التحشيد ضد الأميركيين إلى ملفات أخرى مثل الانتخابات المقبلة”.
تخوف من تداعيات المشروع على استقرار المدن المحررة
في المقابل، رد المسؤول في منظمة “بدر” في محافظة الأنبار، قصي الأنباري، على هذه المعلومات في اتصال هاتفي مع “العربي الجديد”، بأن كل أفراد “الحشد العشائري” يعملون وفقاً لتوجيهات القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء، أما “أنباء الكسب أو التجنيد غير صحيحة ولا أصل لها”. لكنه عاد للقول إن “العشائر السنّية هي أول من رفض الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 ورفع السلاح بوجهها، ولهذا لا تحتاج تلك العشائر أي تجنيد من أي جهة حتى تكون ضد الاحتلال الأميركي فهي ضده”. وأضاف أن “الجهات والشخصيات العربية السنّية المؤيدة لبقاء القوات الأجنبية في العراق، لا تمثل الشارع السنّي، الذي يرفض أي قوة محتلة أجنبية، كما أن هناك تنسيقاً واتصالاً بين العشائر، وفصائل المقاومة لتوحيد وتنسيق المواقف والجهود لرفض أي قوة محتلة مهما كانت هويتها”.
عادل النواب
العربي الجديد