بعد 30 عاماً على الغزو العراقي للكويت الذي قاده الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في 2 أغسطس/آب 1990، يعمل البلدان اليوم، على إزالة ما تبقى من مخلفات ذلك الغزو، لينجحا خلال السنوات الأخيرة في نسج تفاهمات عدة، خصوصاً في ظلّ سياسة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي تعتمدها السلطات الكويتية، فيما يبقى ملف الأسرى والكشف عن مصيرهم، من أبرز القضايا العالقة، والتي لا تزال من دون حلٍّ حتى اليوم. وأدّى الغزو العراقي للكويت في ذلك العام إلى احتلال هذه الدولة بأكملها، ومقتل الآلاف من الكويتيين، وتهجير مئات الآلاف منهم، قبل أن ينتهي بتدخل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة في العام 1991، وفرض حصار اقتصادي خانق على العراق، لم ينته سوى في العام 2003، مع الغزو الأميركي لهذا البلد، وإسقاط نظام صدام حسين.
وعاش العراق والكويت قبل الغزو في العام 1990، عقوداً طويلة من التوتر السياسي، بسبب الاختلاف على المناطق الحدودية، وذلك على الرغم من وجود روابط عائلية وقبلية ودينية بين البلدين. وادعى ملك العراق غازي بن فيصل في العام 1933، تبعية الكويت لبلده، مطالباً بضمّها، وأعاد الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم هذه الادعاءات، مطالباً المجتمع الدولي بعدم الاعتراف باستقلال الكويت في العام 1961، ومهدداً بغزو هذا البلد. لكن الأمور اختلفت تماماً بعد ترسيم الحدود الجغرافية بين البلدين بشكل نهائي، وإسقاط نظام صدام حسين، إذ يحظى البلدان اليوم بعلاقات سياسية ودبلوماسية جيدة، وتحرراً من “مخاوف الماضي”، وفق ما قال رئيس الوزراء العراقي الحالي مصطفى الكاظمي خلال زيارة وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد الناصر الصباح إلى بغداد في يونيو/حزيران الماضي.
يبقى ملف الأسرى والكشف عن مصيرهم، من أبرز القضايا العالقة، والتي لا تزال من دون حلٍّ نهائي
ويحاول البلدان إزالة ما تبقّى من مخلفات الغزو، والذي لم يؤد فقط إلى تدمير أجزاء واسعة من الكويت وحرق جزء كبير من آبارها النفطية، وتحميلها خسائر اقتصادية ثقيلة تجاوزتها بعد سنوات، بل أدى أيضاً إلى خسائر كبيرة لحقت بالجيش العراقي وبأسلحته وعتاده، بالإضافة إلى الدمار الذي لحق بمناطق واسعة في جنوب العراق، بعد ما عرف بـ”الانتفاضة الشعبانية” في العام 1991.
وأسرت القوات العراقية لدى انسحابها من الكويت، أكثر من 600 كويتي، غالبيتهم من المدنيين وصغار السن، فيما تفيد معلومات غير مؤكدة، جاءت على لسان مقربين من نظام صدام حسين، أنه تم في وقت لاحق خلال التسعينيات من القرن الماضي، إعدام هؤلاء الأسرى وتوزيع جثثهم على مقابر جماعية متفرقة. ويعد ملف الأسرى أحد أبرز مخلفات الغزو، التي يسعى البلدان لإنهائها وتجاوزها، وعثرت الحكومة العراقية في يونيو/حزيران 2016 على مقبرة جماعية ضمّت رفات أكثر من 46 كويتياً جرى تسليمها إلى الكويت بشكل رسمي، فيما لا يزال مصير 366 كويتياً مجهولاً حتى الآن.
وتمكنت الكويت في ظلّ سياسة الوساطة والحياد التي يتّبعها أمير البلاد الحالي الشيخ صباح الأحمد الصباح، والذي كان سابقاً وزيراً للخارجية، من نسج تفاهمات مع كافة رؤساء الوزراء العراقيين الذين تقلدوا مناصبهم في سنوات ما بعد الاحتلال الأميركي، كما أنها تحولت من دولة عدوة للعراق، إلى دولة وسيطة بينه وبين دول الخليج الأخرى التي تتصادم مع المحور الإيراني في المنطقة.
تحولت الكويت من دولة عدوة للعراق، إلى دولة وسيطة بينه وبين دول الخليج الأخرى
وساهمت الكويت أكثر من مرة في تقريب وجهات النظر بين العراق والسعودية، وإنهاء أزمات سياسية عالقة بين البلدين بفعل سياسة صراع المحاور في المنطقة، ووقوف البلدين على النقيض من الآخر. كما تتبع الكويت سياسة النأي وعدم التدخل بالشأن السياسي العراقي، كما أن القيادة السياسية في الكويت وجّهت إعلامها بعدم التدخل في الشأن الداخلي العراقي بقدر الإمكان. وتمكنت الكويت من حشد المجتمع الدولي لدعم العراق خلال مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق مطلع العام 2018، حيث بلغت التعهدات المالية للدول التي شاركت في المؤتمر أكثر من 30 مليار دولار لإعادة إعمار المدن المحررة من تنظيم “داعش”. كما قامت الكويت بتقديم منح صحية بقيمة 100 مليون دولار للعراق، وافتتحت مدارس ومعاهد تعليمية في كافة أنحاء البلاد، مع التساهل في ملف تعويضاتها المستحقة على العراق بعد غزو العام 1990.
وبعد سنوات طويلة من الحروب والدماء والصراعات الحدودية، يبدو أن البلدين قد استوعبا عدم إمكانية إلغاء أي منهما للآخر، وفق ما يقول مراقبون سياسيون، وقررا العمل بشكل مشترك على مواجهة الأزمات والتحديات في المنطقة، في وقت تدق فيه قوى إقليمية ودولية طبول الحرب. وعلى الرغم من وجود خلافات حول الممرات المائية بين الكويت والعراق، إلا أنهما استطاعا تطوير آلية تمكنهما من التفاهم وفق اللجان المشتركة والمباحثات السياسية، بعيداً عن استخدام القوة أو العنف.
خالد الخالدي
العربي الجديد