اتفاقية الإطار الإستراتيجي.. عقد من الفرص الضائعة

اتفاقية الإطار الإستراتيجي.. عقد من الفرص الضائعة

عدّت اتفاقية الإطار الإستراتيجي من أهم الوثائق السياسية في تاريخ العراق، وبنيت عليها آمال كبيرة كونها وثيقة حددت شكل العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية، وأنهت حقبة من الاحتلال المباشر عقب الحرب التي شنتها أمريكا عام 2003. ربطت الولايات المتحدة الأمريكية مع العراق بعلاقة صداقة وشراكة إستراتيجية طويلة الأمد، وخلفت تحالفا مشتركا بشر بأمن مدعم واستقرار دائم في العراق.

وشهد التاريخ تجارب مشابهة لتجربة العراق مع الولايات المتحدة الأمريكية، هناك دولا كبيرة أولها الولايات المتحدة استثمرت التحالفات وبناء شبكة علاقات مع شركاء في أنحاء العالم في ضمان أكبر المصالح، وكان لمثل هذه الاتفاقيات دورا كبيرا في تحقيقها، ومثلت تجربتي اليابان وألمانيا مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية أنجح التجارب في هذا المجال وهما اليوم في مصاف الدول المتقدمة العظمى، وكان ينتظر من اتفاقية الإطار الإستراتيجي أن تحقق في العراق ما حققته الاتفاقيات المماثلة في الدول الأخرى، أو تقلص الفقر وتنهي الخوف على الأقل.
خرج العراق من حرب مدمرة نالت من الدولة وأسسها، محتلّ، غارق في مستنقع حرب أهلية شرسة، مخترق أمنيا، محاطا بأزمات سياسية وأقتصادية واجتماعية كبيرة أججها صراع الإرادات المتضاربة. واتخذت الولايات المتحدة الأمريكية قرار الانسحاب قبل أتمام المشروع الأمريكي في العراق، وكان التحالف ضرورة اقتضتها مصلحة الأمن بعد تصاعد وتيرة العنف وازدياد الخسائر المادية والبشرية.

حينها كان العراق محصورا بين خيارين لا ثالث لهما أما إخراج القوات الأجنبية والبقاء تحت انقاض الحرب والإرهاب ومكائد الأجندات الخارجية، أو الحفاظ على علاقة طيبة مع الولايات المتحدة الأمريكية وبناء شراكة استراتيجية معها، لم تكن الحكومة العراقية تقوى على إدارة الفوضى السياسية والأزمات المعاشة، وكانت تحتاج إلى حليف قوي يقدم لها يد العون للنجاة من خبط النزاع الطائفي والإرهاب.

مثل التحالف الإستراتيجي بين العراق ودولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية فرصة حقيقية للانتقال بحال العراق، وتحقيق النمو والتطور والتقدم بالاستفادة من الخبرات والمساعدات الأمريكية، وتحقيق الانفتاح السياسي والتقدم الاقتصادي عقب سنوات من العزلة والحصار والحرب.

قام الاتفاق على أساس مصلحة مشتركة “التعاون المتبادل لضمان الأمن والاستقرار”. استثمرت الولايات المتحدة الأمريكية الشراكة سبيلا لأكمال مالم تستطع إكماله إبان احتلالها المباشر للعراق. خففت خلالها من الضغوط الداخلية في الولايات المتحدة وأعباء المواجهة مع القوى العراقية المعارضة للوجود الأمريكي في العراق، حيث مكنت الاتفاقية والعلاقة الثنائية التي تمخضت عنها على مدى أكثر من عشرة أعوام الولايات المتحدة من إضفاء الشرعية الدولية على وجودها على أرض العراق كونه قائم على أساس تعاقد قائم بين دولتين ذات سيادة، والانسحاب مع البقاء في منطقة رأس الخليج في آن واحد. خفض الانسحاب الأمريكي نسبة التكاليف المادية والخسائر البشرية إلى حد كبير، فوق ذلك زودت الولايات المتحدة الأمريكية بفرص استثمارية كبيرة في مجال النفط بصورة خاصة والسيطرة على احتياطي نفطي هائل، والاستحواذ على مستوردات المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية من أسلحة وذخائر وتدريب، مايعني السيطرة على الأنفاق العسكري العراقي وهو يصل إلى 4-5% من الناتج المحلي الإجمالي والمقدر 5.5-6 مليار دولار سنويا، إلى جانب توسيع التجارة الثنائية بين البلدين.

أباحت اتفاقية التعاون والشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية الفرصة لأحداث نقلة كبيرة في واقع العراق بشكل يعزز الأمن والاستقرار فيه، بتحقيق الانفتاح على دول العالم وإقامة علاقات إيجابية معها، وتلقي الدعم لتعزيز الديمقراطية والمؤسسات الديمقراطية وحمايتها من الأخطار الداخلية والخارجية، وإنجاز التنمية من خلال بناء اقتصاد مزدهر ومتنام ومندمج في النظام الاقتصادي العالمي، وتنمية موارد العراق الطبيعية والبشرية. اتخذت الولايات المتحدة مهام تجاه العراق تتجسد في الاستقرار السياسي، التحول الاقتصادي، والاستقرار الأمني، ووعدت ببناء قوة العراق الأمنية، فضلا عن دعمه في ردع المخاطر ومواجهة الإرهاب ووقف تدفق الأسلحة والتدريب من دول الجوار.

حقيقة، قدم التعاون مع الولايات المتحدة للعراق مكاسب مختلفة، من إنهاء الاحتلال المباشر، وتحقيق استقرار نسبي مقارنة بمرحلة الاحتلال، والتحرر من طائلة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة فتح أمامها نوافذ الانفتاح على المجتمع الدولي والدخول في مرحلة جديدة بعد عقود من العزل والحصار. بنى العراق علاقات جديدة مع دول في العالم وأعاد إحياء روابط انقطعت لعقود، خلقت الشراكة العراقية الأمريكية فرص للانفتاح الاقتصادي، والحصول على الدعم الأمريكي في بناء المؤسسات والقوات الأمنية والعسكرية قدمت فيها الولايات المتحدة مساعدات أمنية مادية وأخرى لوجستية من تدريب وأجهزة وعتاد عسكري بلغت بحسب تقارير 25-30 بليون دولار، ومساعدات إنسانية بلغت أكثر من مليار.

مع ذلك…كان ينتظر من هذا الاتفاق أكثر مما حققه لحد اليوم، نحن نتحدث هنا عن استقرار سياسي وتحول اقتصادي وأمن مدعم، لم يتحقق ذلك بعد.
لايزال العراق يعاني من الاختراقات السياسية والأمنية من قبل دول الجوار، ويقبع تحت وطأة التخلف والعجر الاقتصاديين، ولازالت الديمقراطية في حقيقتها محبوسة، ولايزال يشهد مستويات من الجهل والفقر والبطالة، ويتقدم العراق قوائم الفساد العالمي والمديونية والعنف والإرهاب، ويتذيل قوائم الديمقراطية ومؤشر الحريات. وعلى أثر ذلك شهد العراق أزمات مختلفة هزت أمنه وأربكت استقرار شعبه، بين قمع، و إرهاب، وأزمات بين قيادات سياسية وصلت لحد الاشتباك العسكري المباشر.

هذه الحقائق إن دلت على شيء فهي تدل على عجز اتفاقية الإطار الإستراتيجي وعلاقة التحالف التي تمخضت عنها حتى اليوم في تحقيق مصالح العراق من أمن- استقرار- وتنمية. لكن هذا العجز ليس مرتبطا بالاتفاقية بحد ذاتها أو بطبيعة العلاقة المتبادلة مع الولايات المتحدة، بل يعود بشكل كبير إلى فشل القيادات السياسية العراقية في توظيف العلاقة مع قوة عظمى بحجم الولايات المتحدة الامريكية في تحقيق التطور والتقدم والنمو ومن ثم الأمن والاستقرار للبلاد، وهويعود بدوره إلى الفساد في المقدمة، وسياسة محاصصة المكاسب، وإلى فقدان المنهج للعمل وتركيز اطراف الاتفاق على التعاون في الشق الأمني العسكري وإهمال الجانب التنموي منه.

هذه التقصيرات أضاعت على العراق فرص حقيقية لو استثمرت بشكل صحيح ربما كان من شأنها إحداث التغيير المنتظر، وربما كان العراق في حال أفضل.

رووداو

لافا عثمان