تدور النقاشات المتعلقة بإقرار قانون الانتخابات البرلمانية في العراق داخل حلقة مفرغة، في ظل تعدد الجهات المؤثرة وصعوبة التوصل إلى إجماع سياسي.
وحددت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي السادس من يونيو 2021 موعدا لإجراء انتخابات مبكرة، مختصرة نحو عشرة أشهر من عمر الدورة النيابية الحالية التي يفترض أن تنتهي في أبريل القادم، بعد احتجاجات شعبية واسعة أطاحت بالحكومة السابقة التي كان يتزعمها عادل عبدالمهدي.
وفضلا عن الاعتراضات على عدد مقاعد البرلمان يرى نشطاء أن إجراء الانتخابات العامة دون حصر سلاح الميليشيات المنفلت لن يؤدي إلى تحقيق مطالب المتظاهرين المنادية بالتغيير.
لكن حيدر الملا، القيادي في تحالف القوى الذي يتزعمه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، قال إن الكاظمي تعجل في تحديد موعد الانتخابات المبكرة، دون التشاور مع مجلس النواب والقوى السياسية، مستبعدا إمكانية إجراء انتخابات مبكرة من الأساس.
ويقول الملا إن “استمرار هيمنة البلطجية (في إشارة إلى الميليشيات العراقية التابعة لإيران) على الحياة السياسية، يحول التغيير الذي تنشده الجماهير إلى نكتة”، مطالبا الحكومة بتحقيق الأمن الانتخابي قبل ضغطها على البرلمان لاستكمال قانون الانتخابات.
ويؤكد الملا وجود خلافات عميقة بين الكتل السياسية بشأن القانون الذي ينظم عملية الاقتراع، بالرغم من تصويت مجلس النواب على عموده الفقري.
وبرر الملا، بشكل غير مباشر، موقف رئيس البرلمان الذي دعا إلى إجراء انتخابات في موعد أبكر من الموعد الذي حدده رئيس الحكومة، عندما تحدث عن وجود تباين بين وجهتي نظر الحلبوسي والكاظمي.
وقال الملا إن الكاظمي حاول إلقاء الكرة في ساحة البرلمان عندما حدد موعدا للانتخابات دون مشاورات، فأعاد الحلبوسي الكرة إلى ساحة الحكومة عندما أعلن رغبته في تبكير موعد الاقتراع، تأكيدا لاستعداده لها.
ونتيجة للاحتجاجات الشعبية الواسعة منذ أكتوبر 2019، تخلى البرلمان عن اعتماد صيغة التمثيل النسبي في قانون الانتخابات الجديد، بعدما بقيت سارية منذ 2005، وأقر مبدأ الفائز الأعلى، فيما تتكون الدوائر الانتخابية على مستوى الأقضية وليس المحافظات، ما يسمح بفوز شخصيات محلية ومستقلين.
لكن البرلمان لم يتمكن حتى الآن من استكمال التصويت على ملاحق القانون التي تتعلق بآلية توزيع المقاعد على الأقضية، بسبب خلافات كبيرة بين الكتل السياسية.
ويدفع كل طرف نحو صيغة قانونية تحمي مصالحه السياسية وتناسب طبيعة انتشار جمهوره؛ إذ تريد أطراف، مثل التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، إمضاء صيغة الدائرة الواحدة لكل مقعد، بينما يدفع ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي نحو صيغة الدائرة لكل محافظة، فيما يقترح الفريق الاستشاري لرئيس الوزراء تقسيم البلاد إلى 80 دائرة انتخابية، تخصص 4 مقاعد لكل منها، بهدف انتخاب 320 نائبا.
وهناك مقترح رابع يتحمس له الأكراد، وهو اعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة، وهو المقترح الذي يتماشى مع فكرة خفض عدد المقاعد لأسباب تقشفية، لكنه يمنح الأحزاب الكبيرة والزعامات التقليدية فرصة للهيمنة على البرلمان المقبل، مستفيدة من توزع جمهورها في مناطق مختلفة.ولم تحسم القوى السياسية حتى الآن خلافاتها بشأن عدد مقاعد البرلمان في دورته القادمة، إذ يرى مراقبون وساسة أن عدد المقاعد الذي وُضع في 2018 بناء على تقدير تقريبي لعدد السكان، لن يكون صالحا في 2021، حيث يشهد العراق نحو مليون ولادة جديدة سنويا.
لكن هذه النقاشات تصطدم بواقع الضغط الشعبي لتقليص عدد مقاعد البرلمان، ضبطا للنفقات، في ظل أزمة مالية خانقة تعانيها البلاد بسبب انهيار أسعار النفط، بالتزامن مع جائحة كورونا.
ويرى سرمد الطائي، وهو صحافي بارز في العراق، أن الميليشيات التابعة لإيران قد تعزز مكاسبها التي حققتها في 2018 خلال انتخابات 2021، ما لم تقم الحكومة بنزع أسلحتها.
ويقول الطائي إن الذهاب إلى انتخابات مبكرة في العراق دون توفير الشروط اللازمة التي تضمن حماية أصوات الناخبين، قد يعزز الهيمنة الإيرانية على الحياة السياسية في البلاد.
لكن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يؤكد أن الانتخابات المبكرة هي أهم مهام حكومته، مذكرا بأن إجراء انتخابات مبكرة هو أحد أبرز مطالب احتجاجات أكتوبر 2019. وتتوقع مصادر سياسية استمرار الجدل بشأن قانون الانتخابات ما لم يتدخل ضغط الشارع لدفع الأحزاب نحو القبول بخيارات ربما تضر بجزء من مصالحها.
صحيفة العرب