المليشيات من خلفنا… والأمونيوم من أمامنا

المليشيات من خلفنا… والأمونيوم من أمامنا

كشف انفجار بيروت، عن حجم الكارثة التي حلّت بالأوطان العربية على شكل حكومات وحكّام، بارعين فقط في تقديم أصناف الموت لشعوبهم، ونشر الخراب في غضون دقائق. في اليمن، الذي يعيش مجموعة كوارث مركّبة منذ نحو 6 سنوات، يبدو أن المأساة ستكون أفدح، فالمليشيا المتناحرة من الخلف والأمونيوم من الأمام، والشارع اليمني لم يعد بين نارين فقط، بل في قلب جهنم، ففي السماء أيضاً، هناك قنابل سعودية لا تزال تتساقط باستمرار، وتنهي حياة عشرات الأطفال بشكل دوري.

أماطت الانفجارات التي ضربت بيروت، عن كميات مضاعفة من نترات الأمونيوم تتواجد في ميناء عدن، الخاضع للحكومة المعترف بها دولياً، تم تكديسها في المرفأ منذ 3 سنوات، وسط أنباء عن كميات مماثلة في ميناء الحديدة الخاضع لجماعة الحوثيين التي تتكتم عن كل شيء.
الكارثة في اليمن لا تتوقف عند هذا فحسب، فناقلة النفط العائمة قبالة مرفأ رأس عيسى، والتي يرفض الحوثيون صيانتها أو تفريغها منذ سنوات رغم تهالكها، لا تزال تشكل تهديداً وجودياً لمدينة الحديدة الواقعة على البحر الأحمر، بعد مخاوف من تسرب أكثر من مليون برميل نفط خام.

الخزّانات النفطية في موانئ “خلف” في حضرموت، و”النشيمة” في شبوة، مشاريع قنابل موقوتة هي الأخرى، وتهدد حياة آلاف المدنيين. في المدن التي لا تمتلك مرافئ، هناك تجار سوق سوداء للمشتقات النفطية يخزّنون الوقود وسط بنايات سكنية بهدف احتكارها والتلاعب بأسعارها، وقبل أسابيع، كانت نيران خزانات الوقود تلتهم عددا من المنازل في صنعاء بعد انفجار غامض.
عشرات القنابل الموقوتة، من نترات أمونيوم وخزّانات وقود تخنق اليمن من اتجاه البحر، وعشرات الفصائل المسلحة، والمليشيات الموالية لطهران والرياض وأبوظبي تتجول في شوارع المدن كحكام أمر واقع، وبينهما شعب يضع يده على قلب بانتظار إحصاء دوي الانفجارات.
تنشط المليشيات في تجارة “نترات الأمونيوم” منذ سنوات، لاستخدامها في الألغام الأرضية والقنابل وتركيبها على رؤوس الصواريخ الروسية العتيقة بهدف زيادة قوتها التفجيرية، كما يتم حشوها بالطائرات المسيّرة بلا طيار التي نشطت خلال العامين الماضيين باليمن.
كانت تجارة “الأمونيوم “و”اليوريا” محتكرة في السابق لنافذين في نظام علي عبدالله صالح، باعتبارها أسمدة كيميائية للمزارعين، وورثها الحوثيون فيما بعد، لكن دخولها إلى المرافئ والاحتفاظ بها طيلة 3 سنوات، يجعل السعودية شريكة في الكارثة المحتملة، كونها المتحكم الأول بالمنافذ البحرية وما يصل إليها منذ 26 مارس/آذار 2015.

دفع التحالف السعودي، في الأيام الماضية، إدارة موانئ عدن لنفي وجود شحنات “الأمونيوم” في مساحات المرفأ، رغم دقة المعلومة، لكن البيان الرسمي اعترف بوجود كميات واسعة من “اليوريا”، وهي مادة تستخدم أيضا في صناعة المتفجرات. تبدو السعودية في ورطة حقيقية الآن وتحاول تدارك الكارثة بالتخلص من الكميات التي قامت بالتحفظ عليها خشية وصولها للحوثيين، لكن ذلك الحذر قد يدخلها في مستنقع جديد في حال حدوث انفجار، وساعتها لن يكون بمقدور فريق التحقيق المشترك التابع لها، المراوغة والحديث عن “حادث عرضي”، كما يزعم في الضربات الجوية المميتة.

زكريا أحمد

العربي الجديد