لا داعي لتكرار القول بأن القضية الفلسطينية هي قضية أمن قومي عربي، وهي في الوقت ذاته، قضية أمن وطني خاص يمنح كل دولة عربية الحق في اختيار أسلوبها في التعامل مع إسرائيل وفق تقديرها لمصالحها، ورؤيتها للدور الذي تعتقد بأفضليته في تحقيق أفضل الحلول للمشكلة القومية العالقة، ولكن مع الحفاظ على ثوابت القضية المركزية العربية التي تتلخص في إنهاء الاحتلال، وتطبيق حل الدولتين، وقيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، والتي هي في النهاية حقٌ خالص للشعب الفلسطيني وحده، وهو الوحيد الذي يحق له أن يقرر الصيغة النهائية للحل المتوفر والممكن لهذه القضية التي أكلت من عمره ومن أعمار الشعوب الأخرى في المنطقة الكثير.
ولأن الاتفاق المزمع توقيعه بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل الذي وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه تاريخي، لم يُوقع، ولم تُنشر تفاصيله، ولم يتبين، بعدُ، مدى صدق الإسرائيليين في احترامه وتحويله إلى اتفاق تاريخي حقيقي، فإن الحملة “الجهادية” المبكرة المعارضة للاتفاق التي شنها كتاب ومحللون وسياسيون مملوكون بالكامل لإيران خامنئي، وتركيا أردوغان، وقطر تميم والحمَدين، والإخوان المسلمين، وحماس إسماعيل هنية، هي “غضبة” مفهومة ومتوقعة.
نعم إن الإمارات العربية المتحدة تقدمت خطوة في مسيرة البحث عن السلام العادل، كما تراه، وما على الغير سوى الانتظار ليروا بالعقول ويسمعوا بالقلوب معالم الطريق دون تهويش وتهريج وتضليل.
فالاتفاق الجديد، من خلال صيغته الأولى المعلنة، لا يسحب البساط، فقط، من تحت إيران وتركيا وقطر والإخوان المسلمين، بل يذكر العرب عموما والفلسطينيين خصوصا بأن الهتاف بموت إسرائيل والوعود بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر أكذوبة خدرت الفلسطينيين وشعوب المنطقة كلها، ولم تُعطهم غير مزيدٍ من الدماء والدموع وخراب البيوت.
متى ستهجم جيوش الولي الفقيه والسلطان أردوغان لتمحو لنا إسرائيل، وتعيد لنا فلسطين كاملة، وعاصمتُها القدس الشريف؟
وأغرب ما في هذه الحملة أن أحدا من الممانعين المقاومين “المجاهدين” المعارضين للاتفاق الجديد لا يجرؤ على استنكار العلاقات الحميمة بين أردوغان وإسرائيل، وبين قطر وإسرائيل. كما أن أحدا منهم لا يغضب ولا يعترض على العلاقة الذيلية بين حماس وإيران، وبين بعض السياسيين الفلسطينيين الآخرين وبين هذه الحكومة العربية أو الأجنبية أو تلك.
فتركيا وإيران وقطر وجماعة الإخوان المسلمين لا ترى ضيرا في العلاقات الودية والتجارية والسياسية السرية العلنية بين حكوماتٍ وأحزاب وشخصيات عربية أخرى مع الإسرائيليين، بل هي تلهث من أجل تعميق التعامل مع هذه الحكومات والأحزاب والشخصيات، رغم ذلك.
كما أن التحالف السياسي والمالي والمخابراتي والعسكري المتين القائم بين جمهورية خامنئي وسلطنة أردوغان وحماس وقيادات الإخوان المسلمين وبين قطر لم يعد بحاجة إلى برهان، حتى بعد أن دافع حمد بن جاسم، في حديثه المسجل مع معمر القذافي، عن علاقة الحكم القطري بإسرائيل -وكان رئيس وزراء قطر- وبررها بالحاجة إلى الإسرائيليين لمساعدته على تلطيف الأجواء مع الأميركيين لو غضبوا يوما عليه بسبب أو بآخر.
كما أن قواتٍ تركية وأخرى إيرانية وقيادات إخوانية مهمة متواجدة في قطر غير بعيدٍ عن أضخم قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة شكَرَ ترامب تميم على إنفاقه المليارات في بنائها.
وهنا نسأل الكتاب والمعلقين، متى ستهجم جيوش الولي الفقيه والسلطان أردوغان لتمحو لنا إسرائيل، وتعيد لنا فلسطين كاملة، وعاصمتُها القدس الشريف؟ أفلا تعدلون؟ أفلا تستحون؟ أفلا تعقلون؟
العرب