محكمة الحريري: حضرت الحقائق الساطعة وغابت العدالة البسيطة

محكمة الحريري: حضرت الحقائق الساطعة وغابت العدالة البسيطة

ثمة اعتبارات كثيرة تدفع غالبية المراقبين للشؤون اللبنانية عامة، ولموقع حزب الله داخل معادلات القوة والسيطرة في هذا البلد، إلى ترجيح عجز المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عن التوصل إلى استخلاص اتهامات واضحة تكفل تحقيق القسط الكافي من العدالة في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
فبعد أكثر من 15 سنة على وقوع الجريمة، وأكثر من 13 سنة على دخول المحكمة حيز التفعيل، وصرف عشرات الملايين من الدولارات في ميزانية المحكمة، ونفقات مئات من القضاة والمحامين والمحققين، خرج حكم المحكمة بإدانة أحد المتهمين الخمسة الأعضاء في حزب الله، ولكن من دون التطرق إلى مسؤولية الحزب ذاته أو أي من قياداته العليا، أو قيادات النظام السوري وأي من ضباط أجهزته الذين كانوا يُحكمون قبضته على لبنان ساعة الاغتيال، في 14 شباط/ فبراير 2005.
وقد يعود السبب الأول إلى أن قانون إنشاء المحكمة جعل مهامها تقتصر على الأفراد وليس الدول أو الهيئات أو المنظمات، وكان واضحاً منذ البدء أن هذا التوجه لا يتقصد توفير حزب الله أو النظام السوري بصفة أولى، بقدر ما استهدف استبعاد أي إمكانية لإدخال المحكمة في قضايا تخص إرهاب الدولة أو انتهاكات حقوق الإنسان أو جرائم الحرب التي ارتكبتها أو تواصل ارتكابها قوى عظمى خلال مشاريعها الاستعمارية والاستيطانية وحملات التدخل الخارجي العسكرية.
السبب الثاني هو أن الطرفين السياسيين اللذين يفترض المنطق البسيط أنهما جديران بالاتهام الأول والمباشر في عملية الاغتيال، أي حزب الله والنظام السوري، يواصلان حتى الساعة بسط الهيمنة على لبنان كلّ على طريقته، ومن غير المرجح أن تتوفر سلطة قضائية أو قانونية أو سياسية تتولى وضعهما على محك المحاسبة. وقد يكون من الإنصاف، والمحكمة تصدر حكمها، إحياء ذكرى ضابط الأمن اللبناني الشاب وسام عيد الذي كان أول من تنبه إلى ضرورة تفكيك شبكة الهواتف والاتصالات فنجح تباعاً في كشف هويات المشاركين في الاغتيال وارتباطهم بحزب الله، وكان أن دفع حياته ثمناً لأداء واجبه.
ومنذ تشكيل المحكمة وحتى الساعة ظل حزب الله متمسكاً برواية نفي التهم عن كوادره المتهمين والإصرار على براءتهم والتعهد بعدم تسليمهم من جهة أولى، والتذرع من جهة ثانية بأن المحكمة «مسيسة» وتخدم أغراض الصهيونية والإمبريالية الأمريكية وتستهدف الحزب وجبهة المقاومة عموماً. وخلال آخر إطلالة له أعلن الأمين العام للحزب حسن نصر الله أن حزبه سيتعامل مع قرار المحكمة «وكأنه لم يصدر» بعد تحذير سابق من أن التعاطي مع المحكمة يشكل «لعباً بالنار».
لكن الأنوار لن تُطفأ نهائياً في قاعات محكمة لاهاي بعد صدور الحكم، لأن الملفات المفتوحة لا تخص رفيق الحريري وحده بل تشمل عمليات أو محاولات اغتيال أخرى طالت أمثال باسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار الجميل ومروان حمادة والياس المر ووسام الحسن. العدالة ستبقى بعيدة المنال مع ذلك، رغم أن الحقائق واضحة وضوح الشمس.

القدس العربي