منذ اللحظة الأولى لتلقيه اتصالا هاتفيا من مدير الموارد البشرية في شركته السابقة يخطره فيه الرجل بإنهاء خدماته بسبب الظروف والتداعيات الاقتصادية السلبية التي فرضتها أزمة كورونا، حاول تامر جاهدا على مدى ثلاثة أشهر تقريبا إيجاد فرصة عمل أخرى، لكنّ كل محاولاته باءت بالفشل.
لم يعد أمام المحاسب “المُفنّش” من عمله سوى العودة إلى “المحروسة” علّه ينجح باستثمار وجني غلة الغربة المُرّة التي لا تزيد على نحو 5300 دينار كويتي (نحو 17 ألف دولار) في “أي مصلحة توكلني عيش أنا وولادي” وفق ما يبين في حديث خاص للجزيرة نت.
نصف راتب
بخلاف تامر الذي تم إنهاء خدماته، قدم إبراهيم استقالته من الصحيفة اليومية التي كان يعمل بها محررا لأكثر من خمسة أعوام. فمنذ شهر مارس/آذار الماضي قامت الصحيفة بخفض الرواتب بمقدار النصف للخروج من الأزمة الراهنة التي أصابت سوق الإعلانات في مقتل.
يقول الصحفي المختص في الشؤون الرياضية في حديث خاص للجزيرة نت “فضلت تقديم استقالتي على البقاء في العمل لأن نصف الراتب الذي يبلغ 225 دينارا (720 دولارا) فقط يكاد لا يكفي إيجار الشقة المتواضعة التي أقطنها وأسرتي الصغيرة في ميدان حولي”.
إبراهيم يؤكد أن القرار لم يكن سهلا على الإطلاق “لكن الأمور لم تعد تطاق فالحياة تزداد صعوبة يوما بعد آخر، ولا يمكنني أن أصرف مدخراتي لتلبية متطلبات الحياة اليومية بانتظار عودة الراتب إلى ما كان عليه قبل الأزمة، لذا أعتقد أن المغادرة باتت الحل الأفضل خصوصا أن تبعات كورونا قد تستمر طويلا ونحن على أبواب موسم المدارس والأقساط وأعباء أخرى لا تنتهي”.
آلاف العمال وجدوا أنفسهم دون عمل في ظل أزمة كورونا (الجزيرة)
160 ألف وافد غادروا
في شهر يوليو/تموز الماضي، كشفت إحصائية رسمية نشرتها جريدة الراي اليومية أن نحو 160 ألف وافد غادروا الكويت منذ منتصف شهر مارس/آذار الماضي، في حين من المتوقع أن يرتفع عدد الوافدين المغادرين إلى نحو مليون ونصف المليون بحلول نهاية العام الجاري، بحسب الإحصائية ذاتها.
ووفق الصحيفة، فإن أسباب سفر كثير من المقيمين تُعزى إلى أن الوضع المالي والمعيشي أصبح صعبا جدا خصوصا بعد أن أنهت بعض مؤسسات القطاع الخاص خدمات أعداد كبيرة من الموظفين بسبب الخسائر المالية الناجمة عن جائحة كورونا إلى جانب توجه الحكومة نحو سياسة الإحلال الوظيفي في الدولة، وهو ما ساهم في دفع أعداد كبيرة من الوافدين إلى حزم أمتعتهم والعودة إلى بلادهم.
وكانت صحيفة القبس نقلت عن مصادر -لم تسمها- تحذيرها من أنه مع تفاقم أزمة كورونا في البلاد وإصدار مجلس الوزراء الكويتي العديد من قرارات إغلاق العديد من الأنشطة في سوق العمل بهدف الحد من تفشي الفيروس، دخل أكثر من ربع مليون عامل دائرة التسريح و”التفنيش”.
وفي إحدى افتتاحياتها في شهر يونيو/حزيران الماضي، دعت “القبس” الحكومة إلى ما سمّته الانتقال السريع إلى مرحلة الأمر الواقع والموازنة العادلة بين الإجراءات الصحية مع الاحترازات الاقتصادية والاجتماعية للتقليل من مخاطر تفكك الأسر، وإفلاس الشركات، وتسريح الموظفين بسبب الإغلاق الاقتصادي الذي دام أشهرا طويلة.
الخطوط الجوية الكويتية
بدورها، أعلنت شركة الخطوط الجوية الكويتية في نهاية شهر مايو/أيار الماضي الاستغناء عن 1500 موظف من غير الكويتيين من مختلف القطاعات في ضوء تعاملها مع أزمة فيروس كورونا وتأثيرها السلبي على التشغيل التجاري مع توقف حركة السفر والطيران بشكل كامل.
وأكدت الشركة في بيان صحفي أن اهتمامها بموظفيها يأتي على رأس أولوياتها، وأن “هذا القرار الصعب يأتي نظرا للصعوبات الكبيرة التي تتعرض لها الشركة بشكل خاص وقطاع الطيران العالمي بشكل عام”.
الكويت نظمت حملة في شهر أبريل/نيسان الماضي للسماح لمخالفي الإقامة من الاستفادة من قرار العفو والمغادرة من دون غرامات (الجزيرة)
خيارات محدودة
يقول أبو عبد الله وهو وافد أردني يعمل مديرا في إحدى شركات النقل البحري في تصريح خاص للجزيرة نت إنه باشر بالفعل فور إعادة فتح مطار الكويت الدولي مطلع شهر أغسطس/آب الجاري الإعداد للانتقال وعائلته بشكل كلي إلى الأردن رغم مرور أكثر من 13 عاما على وجودهم بالكويت.
ويضيف الرجل الخمسيني أنه “على الرغم من أن دخلي الشهري لم يتأثر كثيرا خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ إن حركة الشحن وتحديدا تلك المرتبطة بالمواد الغذائية والطبية لم تتوقف أبدا، إلا أن الصورة تبدو ضبابية جدا خلال الأشهر القليلة المقبلة في ظل محدودية الخيارات أمامنا كوافدين مع تزايد الصعوبات الاقتصادية التي تلقي بظلالها الثقيلة على الجميع”.
ويتابع أبو عبد الله أنه بناء على ذلك قرر تأسيس عمله الخاص في الأردن كونه لا يزال قادرا في هذه المرحلة على البدء من جديد في ظل توفر رأس المال والعلاقات والخبرة، ولكن بعد مرور خمس سنوات من الآن ربما يكون قد فات الأوان على حد تعبيره.
مشكلة الإقامة
الكثير من الوافدين الذين تم تسريحهم من وظائفهم وفي ظل عدم القدرة على الالتحاق بعمل أو وظيفة جديدة بسبب تأثير كورونا الشامل على غالبية الشركات المحلية، يجد نفسه مجبرا على الخروج النهائي من الكويت ولا سيما أن القانون يمنحه ثلاثة أشهر فقط لنقل إقامته من كفيل إلى آخر وإلا تراكمت عليه المخالفات المالية، لذلك يفضل الكثيرون المغادرة والعودة إلى بلادهم بدل الانتظار المحفوف بالمجهول مع انقطاع الرواتب.
لا مال للعودة
نظمت وزارة الداخلية الكويتية في شهر أبريل/نيسان الماضي حملة لاستقبال مخالفي الإقامة من الراغبين في الاستفادة من قرار العفو والمغادرة من دون غرامات أو تكاليف سفر، وقد استفاد من هذه الحملة بحسب أرقام رسمية حوالي 120 ألف وافد من جنسيات مختلفة أبرزها الهندية والمصرية.
ولكن بعض التقارير الصحفية تحدثت في المقابل عن وجود آلاف الوافدين من غير المخالفين لقانون الإقامة يرغبون بالعودة إلى بلدانهم ولكنهم لا يملكون المال لحجز التذاكر بعد تقطع السبل بهم بسبب الفصل من وظائفهم من دون الحصول على مستحقاتهم.
المصدر : الجزيرة