تونس – يشير الغضب، الذي عبر عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بخصوص عزم رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فايز السراج التنحي من منصبه نهاية أكتوبر المقبل، إلى أن السراج لم يكمل كل ما طلب منه من قبل الأتراك خلال الفترة الماضية مقابل التدخل لصد الهجوم الذي نفذه الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر للسيطرة على العاصمة طرابلس.
ويثير انزعاج الرئيس التركي تساؤلات المتابعين للشأن السياسي الليبي الذين عزوا ذلك الغضب إلى أحد السببين إما الاقتصادي أو السياسي، مستبعدين وجود سبب عسكري نظرا إلى أن أغلب الكتائب تتواصل معها تركيا بشكل مباشر كما أن ولاء أغلبها لوزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا.
وقال أردوغان تعليقا على قرار السراج بالتنحي “تطور مثل هذا.. سماع مثل هذه الأخبار كان مزعجا بالنسبة إلينا”، مشيرا إلى أن وفودا تركية قد تعقد محادثات مع حكومة السراج في الأسبوع المقبل.
وأضاف “من خلال هذه الاجتماعات إن شاء الله سنحول الأمر صوب الاتجاه المطلوب”.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول تركي قوله بأن “إعلان استقالة السراج كان ثاني مفاجأة في الآونة الأخيرة لأنقرة فيما يتعلق بليبيا بعد إعلان وقف إطلاق النار في الشهر الماضي”.
وأضاف المسؤول “نفضل بقاء السراج في منصبه لأن تحت قيادته من الممكن ظهور ليبيا موحدة قادرة على حل مشاكلها”.
وأوضح “إذا ترك السراج منصبه فهناك بعض الأسماء المشاركة في العملية ويمكنها تولي زمام حكومة الوفاق الوطني. هذه بالطبع مسائل خاصة بليبيا لكن تركيا قد توفر بعض الدعم”.
ولفهم السبب الحقيقي في الانزعاج التركي من قرار السراج لا بد من تحديد وظيفته ووزنه وأهميته على الأرض، حيث أثبتت الاحتجاجات الأخيرة واستعراض الميليشيات والقيادات العسكرية الموالية لفتحي باشاغا أن السراج لا يملك أيّ شعبية أو ثقل عسكري رغم كونه القائد الأعلى للجيش، لذلك فإن أهميته بالنسبة إلى الأتراك محصورة تقريبا في صلاحية توقيع الاتفاقيات الاقتصادية.
ويفسر مراقبون هذا الانزعاج بإمكانية وجود تفاهمات اقتصادية، على الأرجح، بين السراج وأنقرة لم يتم تنفيذها، غير مستبعدين أن تكون متعلقة بالموانئ وخاصة ميناء مصراتة الذي تحدثت تقارير إعلامية إيطالية الفترة الماضية عن بدء التجهيز لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية تركية داخله، في حين تحدثت تقارير أخرى عن أطماع تركية للسيطرة على كامل الموانئ البحرية غرب ليبيا.
وكان مسؤولون أتراك أكدوا وجود محادثات مع السلطات الليبية لبدء عمليات تنقيب عن النفط والغاز في حقول برية وبحرية، إضافة إلى محادثات تتعلق بمجالات أخرى مرتبطة بالطاقة مثل إنتاج الكهرباء.
وتوقع ديوان المحاسبة الليبي الأسبوع الماضي أن تستأنف شركة “إنكا” التركية تنفيذ مشروعاتها في محطات توليد الكهرباء في ليبيا خلال أيام، بعد لقاء عقده رئيس الديوان خالد شكشك مع مسؤولي الشركة الأحد الماضي.
وأثار توقيع محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير على اتفاقية مع وزارة الصناعة والتكنولوجيا التركية في السادس من سبتمبر الجاري، وسط غياب تام لأي ممثل عن الحكومة رغم وجود السراج في أنقرة، الكثير من الاستغراب.
وقبل ذلك جرى توقيع اتفاقية تعاون بين المصرف المركزي التركي ونظيره الليبي، وهو ما عكس استعجالا تركيا لتوقيع الاتفاقيات قبل وصول الحكومة الجديدة واستبدال الصديق الكبير بمحافظ جديد.
وتداولت وسائل إعلام ليبية حينئذ تسريبات تشير إلى وجود مساع تركية للتوسط بين السراج والصديق الكبير، وهو ما يبدو أن أنقرة قد فشلت في التوصل إليه.
وستضطر تركيا، في حالة مغادرة السراج للسلطة دون الحصول على ما يضمن تنفيذ مشاريعها المستقبلية، إلى العودة إلى نقطة الصفر مع الحكومة القادمة وإن كان من غير المستبعد أن يسيطر عليها حلفاؤها الإسلاميون.
ويمكن ربط الانزعاج التركي من تلويح السراج بالتنحي بانعكاسات الإعلان عن طموحات أنقرة في اختراق المسار السياسي حيث أن أطراف المحادثات المحسوبة على السراج كأعضاء لجنة الحوار التابعة للبرلمان الذين انشقوا عنه احتجاجا على هجوم الجيش على طرابلس قد يغيرون ولاءاتهم.
وتتكون لجنة الحوار التابعة للبرلمان من 13 نائبا، سبعة منهم فقط ما زالوا مع المنعقدين في طبرق أما الستة الباقون فينتمون إلى النواب الذين انشقوا وبدأوا عقد جلساتهم مع بعض النواب الإسلاميين الذين قاطعوا البرلمان في بداية انتخابه، في طرابلس.
العرب