أثار موقف الحكومة برفض إقرارها للحجر الصحي الشامل جدلا واسعا بتونس، في خطوة يرى مراقبون أنها قدمت المصالح الاقتصادية على المخاطر الصحية بالبلاد، وأنها لم تخضع للضغوط التي مارستها قطاعات مختلفة للعودة إلى الحجر.
تونس – خلف خطاب رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي الذي أعلن فيه عن حزمة من الإجراءات لاحتواء وباء كورونا بالبلاد والسيطرة على الوضع الصحي، ارتباكا في الأوساط التونسية بشأن مدى نجاعة قرارات المشيشي.
ويأتي ذلك في وقت حذر فيه سياسيون من تبعات اللجوء إلى “مناعة القطيع” في ظل عدم توفر شروطها في البلاد، بينما أعلنت وزارة الصحة تسجيل 2500 إصابة جديدة، وارتفاع حالات الوفاة إلى 321.
واعتبر نائب رئيس المعهد العربي لرؤساء المؤسسات وليد حاج عمر “أنّ الإجراءات التي أعلن عنها رئيس الحكومة هشام المشيشي للتوقي من فايروس كورونا، لا تشمل رسائل موجهة لكل فئة”.
وأضاف حاج عمر في تصريح لإذاعة محلية بخصوص الإجراء المتعلق بنظام العمل بالحصة الواحدة المزدوجة “ستكون لهذا القرار تأثيرات على مردودية العمال وعلى جودة الخدمات الإدارية وستعطل مصالح المواطنين والمؤسسات في هذا الظرف بالذات”.
وأكّد أنّ المشيشي لم يُحدد في خطابه أيّ إجراءات خاصة بقطاع النقل، مشيرا إلى أنّه شدّد فقط على ضرورة حمل الكمامات معتبرا أنّ هذا الإجراء بديهي، قائلا “لا أثر لإجراءات أخرى تضمن سلامة مستعملي وسائل النقل”.
وأشار إلى أنّ هناك خطرا قال إنه يتمثّل في أنّ العاملين بمختلف القطاعات، استوفوا حقهم في العطل المرضية والإجازات، وإنّهم سيجدون أنفسهم مجبرين إما على العمل وهم حاملون للفايروس، وإما الالتزام بالحجر الصحي دون أجر، متسائلا “أين الإجراءات التي يمكن أن تضمن حقوق هؤلاء؟”.
وتضع الإجراءات الحكومية البلاد في وضعية “خانقة” ومعادلة صعبة بين ضرورة العمل والإنتاج في المؤسسات ومراكز العمل بما يرافقها من مخاطر التنقل والحشد الاجتماعي وضرورة أخذ الحيطة للتوقي من العدوى.
ويرى مراقبون أنها وضعية صعبة للغاية جعلت حكومة المشيشي التي تتبنى خطاب “الإنقاذ الاقتصادي” مجبرة على مسك الأمور من الوسط وأخذ قرارات محفوفة بالمخاطر تبعا لإكراهات فرضتها وضعية البلاد.
وقال الخبير الاقتصادي معز الجودي “من المؤكد أنه تم الاستناد إلى عملية تقييمية للوضع في العالم عموما، وتقييم القرارات السابقة في تونس مع الحجر الصحي الشامل في شهري أبريل ومايو الماضيين التي خلفت كارثة اقتصادية بأتم معنى الكلمة”.
واعتقد الجودي في تصريح لـ”العرب”،”بأن المشيشي أراد أن يراعي الظروف الاقتصادية من جهة والوضع الصحي من جهة أخرى ليأخذ قرارا في الوسط..الحجر الصحي الشامل حقيقة قرار صعب في الوقت الراهن لأننا لم يعد بإمكاننا تدارك عدة أشياء”.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى ضرورة دعم وزارة الصحة والاهتمام أكثر بالقطاع الحيوي برصد تجهيزات وموارد مالية، قائلا “الأسئلة الحقيقية اليوم أين تلك الاعتمادات التي تم تجميعها في صندوق 1818”.
وتطرح الإجراءات الحكومية الرامية لكبح انتشار سرعة الفايروس، مدى نجاعتها في الظرف الراهن في ظل الخرق الواضح لها وعدم الالتزام بها، وحالت التجمعات في المقاهي والأسواق والفضاءات التجارية العامة والخاصة ووسائل النقل واللوجستيك دون التطبيق الفعلي لإجراءات التوقي من الوباء.
ومن جهته أكد سهيل العلويني مستشار منظمة الصحة العالمية بخصوص جائحة كورونا، أنه “فرض على الحكومة أخذ هذه القرارات لردع الفايروس بمراعاة الجانب الاقتصادي المهم، غير أن موضوع ارتفاع حالات الإصابات من شأنه أن يرفع درجة الانتباه والحذر”.
وشدّد مستشار منظمة الصحة العالمية على أن “الإجراءات لن تكون ناجعة ما لم تطبق بمبدأ التشاركية، لأننا سجلنا مؤخرا نوعا من التسيب على غرار احتفالات النوادي الرياضية وإقامة بعض التظاهرات الثقافية، فضلا عن العودة المدرسية وما رافقها من حركية، وعلى الدولة أن تكون موجودة وتقول كلمتها في هذا الوضع”.
وفرض ارتفاع نسق الحالة الوبائيّة وخطورتها التفكير في مقاربة تأخذ بعين الاعتبار مختلف المستويات دون تعطيل نسق دوران عجلة الاقتصاد.
ويرى متابعون أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي لا يمكن أن يتحمّل مخلفات الحجر، وأن لا بديل عن التعايش مع الوباء مع تشديد الإجراءات الوقائيّة.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت في تصريح لـ”العرب”، “كان بإمكان المشيشي أن يذهب في إقرار حجر ذكي، وكان يمكن للقرار أن يكون وجيها لو كان مصحوبا بإغلاق المؤسسات التربوية لمدة أسبوعين على الأقل نظرا لوجود أكثر من 2 مليون تلميذ وتلميذة بالأوساط التربوية”.
وأشار المحلل السياسي إلى أن الحجر الصحي التام غير مطروح الآن ويمكن تعويضه بحلول أخرى على غرار العمل عن بعد لمن أمكنه ذلك، ويبقى نظام الفريقين في المؤسسات مقبولا شريطة أن يتم إفراغ الفضاء العام من الجمهور المدرسي”.
وكان رئيس الحكومة هشام المشيشي قال خلال كلمة متلفزة السبت، “إنه لا مجال للعودة إلى الحجر الصحي الشامل للوقاية من فايروس كورونا، مشيرا إلى أن التونسيين ليست لديهم القدرة لتحمّل هذه الوضعية”.
وأعلن عن جملة من القرارات التي تهدف إلى الحد من انتشار الوباء، أبرزها حظر التجمعات وفرض ارتداء الكمامات، ومنع جميع التظاهرات الثقافية والفنية وغيرها، فضلا عن التطبيق الصارم للبروتوكولات الصحية في جميع المؤسسات التربوية، وتطبيق الحجر الصحي وحظر التجول في بعض المناطق التي تشهد انتشارا كبيرا للوباء، إضافة إلى تقليص ساعات العمل واعتماد نظام الحصة الواحدة، باستثناء القطاعات الحيوية.
العرب