بيروت – يدخل لبنان غدا الأربعاء مرحلة جديدة في تاريخه الحديث عندما تنعقد الجلسة الأولى لترسيم الحدود بينه وبين إسرائيل. وتنعقد الجلسة بين وفدين لبناني وإسرائيلي في أحد مقرات الأمم المتحدة في بلدة الناقورة الواقعة على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية. وستكون المفاوضات بطابعها السياسي والعسكري برعاية أميركية وحضور ممثلين للأمم المتحدة التي لديها قوّة دولية ترابط في جنوب لبنان منذ عام 1978.
وقالت مصادر سياسية إن أهمية المفاوضات تكمن في الغطاء الذي وفّره لها “الثنائي الشيعي” الذي يضمّ حزب الله وحركة أمل من جهة، وفي كون الوفدين اللبناني والإسرائيلي يضمان عسكريين وموظفين مدنيين من جهة أخرى. وهذا يعني، حسب هذه المصادر، أنّ مفاوضات في العمق ستجري بين الجانبين لا تقتصر على مسائل عسكرية، بل تشمل قضايا سياسية.
وسيرأس الوفد الأميركي المتوقع أن يشارك في جلسة افتتاح المفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر الذي شدّد في بيان أصدره على أهمّية هذه المفاوضات لجهة دعم الاستقرار في المنطقة وأمن لبنان وإسرائيل في الوقت ذاته.
وفي حين مهّد رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي -الذي يرأس حركة أمل- للمفاوضات عبر البيان الذي تلاه قبل أيّام وحدّد فيه إطارها، ترك برّي لرئيس الجمهورية ميشال عون (المسيحي) إعلان أسماء أعضاء الوفد السياسي – العسكري اللبناني.
وأثار ذلك اعتراضا لدى رئاسة الوزراء التي هي موقع سنّي، إذ أصدر الأمين العام لمجلس الوزراء بيانا جاء فيه: وجه الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية كتابا إلى المديرية العامة لرئاسة الجمهورية يتعلق بتشكيل الوفد اللبناني إلى التفاوض التقني لترسيم الحدود.
وأكد مكية أن التفاوض والتكليف بالتفاوض بشأن مفاوضات ترسيم الحدود يكونان باتفاق مشترك بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، مشيرا إلى أن أي منحى مغاير يشكل مخالفة واضحة وصريحة لنص الدستور.
وأعلنت الرئاسة اللبنانية قائمة الوفد، الذي سيتولى التفاوض مع الجانب الإسرائيلي بشأن ترسيم الحدود، ويضم العميد الركن الطيار بسام ياسين، والعقيد الركن البحري مازن بصبوص، وعضو هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان وسام شباط، والخبير في القانون الدولي نجيب مسيحي الذي يعمل مع قيادة الجيش في المواضيع المتعلقة بالخرائط.
ويعد بسام ياسين، الذي سيرأس الوفد، من الشخصيات المقربة من حركة أمل، ويحظى بثقة رئيس الحركة ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
وبدا واضحا من خلال أسماء الوفد أنه جرى الحرص على أن يكونوا من طوائف متنوعة لتوفير تغطية سياسية وطائفية مطلوبة.
وكان رئيس مجلس النواب اللبناني، قد أعلن التوصل إلى “اتفاق إطار” لإطلاق المفاوضات بين بلاده وإسرائيل لترسيم الحدود.
وحرص برّي لدى إعلانه عن التوصل إلى الاتفاق مع إسرائيل على استبعاد أن يكون ما أعلن عنه سيمهد لتخلي حزب الله عن سلاحه. وكان لافتا في هذا المجال ترديده الشعار الذي يبرّر به الحزب احتفاظه بسلاحه وهو شعار “الشعب والجيش والمقاومة”. لكن مراقبين قالوا إن بري، الذي لم يلجأ إلى وصف إسرائيل بـ“العدوّ” أو “الكيان الصهيوني” أو “الاحتلال”، أرسل إشارات تفيد بكون الثنائي الشيعي لا يمانع في فتح قنوات مع تل أبيب أبعد من الاتفاق البحري من شأنها أن تخفف الضغوط عن حزب الله ومن ورائه إيران.
وقال بري، خلال مؤتمر صحافي عقده في مقر إقامته غرب بيروت، إن “مفاوضات لترسيم الحدود مع إسرائيل ستتم برعاية الأمم المتحدة”، مشيرا إلى أن “الولايات المتحدة ستعمل كوسيط لترسيم الحدود البحرية”، وأنها “تعتزم بذل قصارى جهودها من أجل إدارة المفاوضات، واختتامها بنجاح في أسرع وقت ممكن”.
واعتبر بري أن الولايات المتحدة “تدرك أن حكومتي لبنان وإسرائيل مستعدتان لترسيم الحدود استنادا إلى التجربة الإيجابية للآلية الموجودة من تفاهم أبريل 1996 (لوقف إطلاق النار)، وحاليا بموجب القرار 1701”.
وتم التوصل إلى تفاهم أبريل 1996 (اتفاق مكتوب غير رسمي بين إسرائيل وحزب الله) بفضل الجهود الدبلوماسية للولايات المتحدة، والتي أنهت صراع 1996 العسكري بين الجانبين.
وسارعت الولايات المتحدة إلى الترحيب بهذا الاتفاق على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو.
وقال بومبيو إن “الاتفاق على مفاوضات إسرائيلية لبنانية هو نتيجة ثلاث سنوات من المساعي”.
وأضاف أن “المشاورات بين لبنان وإسرائيل تمهد للاستقرار والأمن والازدهار، والخطوة تخدم حماية مصالح لبنان وإسرائيل والمنطقة”.
وعبر عن تطلع واشنطن إلى انطلاق مناقشات الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل قريبا.
ويتألف الوفد الإسرائيلي المشارك في المفاوضات من ستة أعضاء، بينهم المدير العام لوزارة الطاقة أودي أديري، والمستشار الدبلوماسي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، رؤوفين عازر، ورئيس دائرة الشؤون الإستراتيجية في الجيش.
وأعلن يوفال شتاينتس، وزير الطاقة الإسرائيلي، أن محادثات الأربعاء، لترسيم الحدود المائية مع لبنان، ليست “من أجل السلام أو التطبيع”.
وقال يوفال، في تغريدة نشرها على حسابه في تويتر الاثنين، إن “التوقعات بشأن مفاوضات المياه الاقتصادية مع لبنان، يجب أن تكون واقعية”.
وأضاف “نحن لا نتحدث عن مفاوضات من أجل السلام أو التطبيع، بل عن محاولة لحل نزاع تقني – اقتصادي، يؤخر تنمية الموارد الطبيعية في البحر، منذ عشر سنوات، ومن أجل صالح شعوب المنطقة”.
وبدورها، أعربت جهات أمنية إسرائيلية عن تفاؤلها حيال بدء المحادثات بين إسرائيل ولبنان غدا الأربعاء، في مقر الأمم المتحدة بمنطقة رأس الناقورة (شمال)، حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، الاثنين، عن هذه الجهات التي لم تذكر اسمها قولها إن “من شأن الأزمة الاقتصادية في لبنان، تسهيل التوصل إلى اتفاق”.
وأضافت أن “هذه الأزمة تخفّف من معارضة حزب الله لهذه المحادثات”.
العرب