نظرة على الأميركيين الذين يتدفقون إلى العراق وسورية لمحاربة “داعش”

نظرة على الأميركيين الذين يتدفقون إلى العراق وسورية لمحاربة “داعش”

7e2372a101cd398854c50b18ce6cf289

ثمة طاقم متنافر التكوين من ولاية تكساس، ومن قدامى المحاربين في حرب العراق، من الإنجيليين، والشبان الضجرين، الذين يقاتلون لإسقاط “الخلافة” في سورية والعراق
عندما قام مواطن أميركي يُعرف باسم “أبو عبد الله الأميركي” بتفجير نفسه في هجوم انتحاري في بيجي، العراق، هذا الشهر، فإنه شكل آخر مثال على اتجاه مثير للقلق: ثمة ما يقرب من 200 أميركي سافروا -أو حاولوا السفر- إلى العراق وسورية من أجل القتال مع مجموعة “الدولة الإسلامية”.
مع ذلك، لم يغادر كل الأجانب، أو الذين حاولوا السفر إلى المنطقة، وهم يتطلعون إلى القتال من أجل “الدولة الإسلامية”. ثمة في الحقيقة عدد متزايد من الأميركيين الذين يتجهون الآن إلى هناك من أجل القتال ضد المتطرفين. وهؤلاء المقاتلون الأميركيون -معظمهم من قدامى المحاربين في الجيش، مع حصة غير متناسبة من أهل ولاية تكساس- يرتبطون بالمجموعات الكردية والميليشيات المسيحية في المنطقة، من أجل محاربة متشددي “الدولة الإسلامية” الذين يسيطرون الآن على مساحات واسعة من العراق وأفغانستان. ويلقي تقرير جديد أعده موقع التحقيقات الاستقصائية Bellingcat ونشر يوم الأربعاء الماضي، أول نظرة منهجية على هؤلاء “المقاتلين الأجانب الآخرين”. وقد وجد التقرير أن 108 أميركيين على الأقل -بمن فيهم امرأة واحدة- قطعوا الرحلة إلى العراق وسورية من أجل إسقاط “الدولة الإسلامية”، مما يلقي الضوء على الطبيعة العالمية للصراع والسهولة النسبية للتجنيد والسفر إلى ميدان المعركة. وهو في الحقيقة مسعى خطير، وقد قتل أميركي واحد مسبقاً في القتال. ومات المقيم كيث برومفيلد، 36 عاماً، من مساشوسيتس، بينما كان يقاتل مع ميليشيا كردية في سورية في وقت سابق من هذا العام. وكان برومفيلد، الذي لم تكن لديه أي خبرة عسكرية سابقة، قد جاء إلى منطقة الحرب بعد صحوة دينية مسيحية.
قام ناثان باتن، معد التقرير، بتمشيط المشاركات والإرساليات في وسائل الإعلام الاجتماعية، والتقارير الإخبارية، من أجل تجميع قاعدة البيانات. وعلى الرغم من أن باتِن استطاع العثور على معلومات عن المقاتلين باستخدام المصادر المفتوحة، فإن التقرير يحجب هويات هؤلاء المقاتلين التي لم تتسرب إلى الجمهور في تقارير إخبارية سابقة، وهو لا يتضمن معلومات التعريف الشخصية أو الملعومات التي يمكن أن تقود إلى تحديد مواقع المقاتلين في ساحة المعركة، حرصاً على سلامتهم وسلامة أسرهم.
يوفر انفتاح الأميركيين النسبي على الإنترنت نظرة إلى خلفياتهم وما يدفعهم إلى الرغبة في ترك حياتهم اليومية في الولايات المتحدة وراءهم والمشاركة في حروب بعيدة، والتي لا تبدو لها أي علاقة بهم. واستناداً إلى تفاصيل السير الذاتية المعروضة، كان الأميركيون الذين وجدهم باتِن كلهم من الذكور تقريباً، والذين تميل أعمارهم إلى فئة العشرينات أو الثلاثينات، وتواجدوا في ميدان المعركة بين شهر واحد وأربعة أشهر على الأغلب. ويصف نحو ثلثيهم أنفسهم بأنهم من قدامى المحاربين، القادمين بشكل أساسي من الجيش الأميركي أو مشاة البحرية. وقدمت ولاية تكساس، حتى مع احتوائها لأكبر من المتقاعدين العسكريين بالنسبة لسكانها، حصة غير متناسبة من المتطوعين قياساً بأي ولاية أخرى أمكن التعرف إليها من السير الذاتية في الوطن.
في بيان له، رفض مكتب التحقيقات الفيدرالي القول ما إذا كان السفر إلى الخارج لمحاربة “الدولة الإسلامية” قانونياً. ومع ذلك، قالت الوكالة لمجلة السياسة الخارجية “فورين بوليسي” إن هناك “قوانين تتجاوز اتهامات الدعم المادي، والتي يمكن أن تنطبق على أفعال مواطني الولايات المتحدة في بلد أجنبي”، في إشارة إلى القوانين التي تحظر على الأميركيين توفير التمويل أو غير ذلك من أشكال المساعدة للجماعات المتشددة المحظورة. كما لا تشجع وزارة الخارجية الأميركيين على السفر إلى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ناهيك عن ذهابهم للقتال هناك.
كان فهم دوافع الرغبة في حمل السلاح ضد “الدولة الإسلامية” على أساس مستقل أكثر صعوبة. وفي العادة، يميل البشر إلى أن يكونوا رواة غير موثوقين حين يتعلق الأمر بحديثهم عن تكويناتهم النفسية الخاصة، كما لا يعرض تقييم الدوافع من الشذرات المستخلصة من وسائل الإعلام الاجتماعية والتقارير الإخبارية، أكثر من نظرة غير كاملة في أحسن الأحوال.
بالاعتماد على المشاركات في وسائل الإعلام الاجتماعية والمقابلات الصحفية مع الأفراد، كان الغضب من الفظائع التي يرتكبها تنظيم “الدولة الإسلامية” من بين أكثر الدوافع التي تم الإعراب عنها في كثير من الأحيان للتطوع. وكان من بين العوامل الأخرى؛ التضامن مع الضحايا المسيحيين، والحنين إلى الرفقة الحميمة في أجواء الخدمة العسكرية السابقة، بل وحتى الشعور المحض بالملل.
يشكل باتريك ماكسويل، الذي سافر إلى العراق ليقاتل مع قوات البشمرغة الكردية، مثالاً على العديد من المقاتلين المذكورين في تقرير باتن. وهو أميركي من تكساس ومحارب قديم متقاعد من مشاة البحرية، والذي خدم سابقاً في العراق. وقال ماكسويل إن خدمته هناك قدحت فيه زناد الرغبة في العودة إلى العراق للانضمام إلى القتال ضد “الدولة الإسلامية”.
وقال ماكسويل لصحيفة “نيويورك تايمز”: “ربما لم أعد مسجلاً في الخدمة، لكنني ما أزال محارباً. وأخمن أنني إذا استطعت أن أرحل من هنا وأقتل أكبر عدد أستطيعه من الأشرار، فإن ذلك سيكون شيئاً جيداً”.
معاملة “الدولة الإسلامية” القاسية للأقلية العرقية الأيزيدية العراقية -بما فيها الإعدامات الجماعية، وإجبارهم على تغيير عقيدتهم، والعبودية الجنسية- هي أسباب ترددت بعمق أيضاً في الكثير من تصريحات المقاتلين الأجانب الأميركيين. “ما يزال هناك أميركيون يصلون إلى العراق وسورية، والذين يستشهدون بمذبحة سنجار في العام 2014 كواحد من الأسباب الرئيسية التي جعلتهم يقررون الانضمام إلى القتال”، كما لاحظ التقرير في إشارة إلى هجمات “الدولة الإسلامية” على مجتمع الأيزيديين الصغير في العراق بالقرب من جبال سنجار في العام الماضي.
دين باركر، مدرب رياضة ركوب الأمواج ومواطن فلوريدا، والذي يقاتل مع وحدات حماية الشعب الكردية في سورية، قال لمحاوره في مقابلة إن تجربة مشاهدة اللاجئين الأيزيديين الهاربين من “الدولة الإسلامية” هي التي ألهمت قراره السفر والقتال. وقد صدمته بشكل خاص صورة طفل أيزيدي حوصر على قمة جبل وقد أحاطت به مجموعة من المتشددين.
وقال باركر في مقابلة بُثت على “يوتيوب”: “شرعت في البكاء، وهكذا؛ لم يسبق أن أثر بي أي شيء مثل ذلك في حياتي أبداً. ذلك الخوف في وجه الطفل كان ساحقاً. وتولد لدي رد فعل تلقائي، فذهبت واشتريت تذكرة سفر على الفور عندئذ”.
وفي المقابل، بدت دوافع المجموعات التي تستضيف أميركيين في ميدان المعركة أقل وضوحاً. وتعرض الخلفيات العسكرية لمعظم المتطوعين احتمال امتلاكهم الحد الأدنى من قوة النيران الإضافية، والبعض يعرضون نقل معرفتهم بالتدريب العسكري الأميركي إلى الرفاق المحليين، وفقاً لباتِن. ولكن، باستثناء بعض الميليشيات المسيحية الصغيرة، فإن عدد الأميركيين الذين يقاتلون “الدولة الإسلامية” في الخارج لا يمثل سوى جزء صغير فقط من القوة الكاملة للمجموعات التي انضموا إليها.
في هذه الأثناء، اتجه بعض الراغبين في القتال إلى ميادين المعارك من دون خبرة عسكرية سابقة. ولم يكن برومفيلد، على سبيل المثال، قد خدم مطلقاً في القوات المسلحة عندما سافر إلى سورية ليقاتل إلى جانب وحدات حماية الشعب الكردية. وقد قُتل وهو يقاتل “الدولة الإسلامية” في المناطق الريفية المحيطة بمدينة كوباني.
تبدو مسائل رفع الوعي العام والمعرفة بهوياتها التنظيمية وتدعيم ثقتها بالنفس من بين الأسباب الأكثر احتمالاً لاستضافة المجموعات لمقاتلين أميركيين من مجرد القيمة العسكرية لهؤلاء المقاتلين، كما يقول باتِن. وقال لمجلة “فورين أفيرز”: “لقد رأيت ذلك يوصف بأنه يشكل دفعة معنوية من الغربيين الذين يروونه بدورهم القصص التي يسمعونها من رفاقهم”.
ووجد التقرير أن المقاتلين الأميركيين يظهرون فقط في المجموعات الكردية أو الآشورية المسيحية، من دون وجود أي آثار مؤكدة على وجود مواطنين أميركيين في صفوف الميليشيات الشيعية العراقية، التي تشكل جزءاً كبيراً من حرب البلد ضد “الدولة الإسلامية” أو في أي من المجموعات العربية الأخرى.
من بين أولئك الذين يعرضون الضيافة على الأجانب، كانت وحدات حماية الشعب الكردية المتمركزة في سورية هي الأكثر ترحيباً إلى حد بعيد، حيث تستضيف 56 أميركياً -وهو ما يشكل أغلبية من بين الأميركيين الذين ذهبوا إلى الخارج لمقاتلة “الدولة الإسلامية”. وهذه المجموعة الكردية تابعة لحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية. وقالت وزارة الخارجية إنها لا تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية مجموعة إرهابية، كما عملت وزارة الدفاع عن كثب مع قوات وحدات حماية الشعب الكردية في سورية، والتي كسبت سمعة كونها من بين أكثر القوات التي تقاتل ضد “الدولة الإسلامية” كفاءة وفعالية.
تعود شهرة وحدات حماية الشعب الكردية كوجهة للأميركيين الذين يريدون السفر إلى الخارج للقتال إلى الحضور المبكر لجوردان ماتسون، وهو محارب سابق في الجيش الأميركي، وصل إلى سورية في أيلول (سبتمبر) من العام 2014، وكان بمثابة إعلامي صديق بارز ومتطوع، والذي حث الغربيين الآخرين على الانضمام. وكان قد صرح لمحطة (سي. إن إن) في تشرين الأول (أكتوبر) 2014 بالقول: “وردتني أسئلة وطلبات من عسكريين سابقين من أوروبا الشرقية، وأوروبا الغربية، وكندا، والولايات المتحدة، وأستراليا، وسمِّ ما شئت”.
ساعدت صورة ماتسون كشخصية مشهورة إلى حد ما في إثارة الاهتمام بالمجموعات الكردية شبه العسكرية، وزاد عدد الأميركيين الذين يتدفقون إلى العراق وسورية من أجل القضاء على الجهاديين في أعقاب هذا الصخب الإعلامي.
وعلى النقيض من الجماعات الأخرى التي تقدم الضيافة على جبهة القتال، فإن مجموعة حماية الشعب الكردية مفتوحة لأولئك الذين ليست لهم خبرة عسكرية سابقة. كما أنها تقوم بنشاط بإغراء المقاتلين الأجانب بالقدوم، فتدير مجموعة “فيسبوك” مخصصة لمتطوعيها تسمى “أسود كردستان السورية”. وفي صفحة المجموعة، يقول ماتسون للمتطوعين المحتملين: “إذا كان لديك جواز سفر ساري المفعول، ويمكنك أن تتكلف ثمن التذكرة، وتكون قد ادخرت المال الكافي لتذكرة العودة عندما ترغب في الرحيل، اتصل بمجموعة وحدات حماية الشعب الكردية”.
تستضيف قوات البشمرغة الكردية في العراق ثاني أكبر عدد من المتطوعين الأميركيين. وفي حين لا تحب وحدات البشمرغة الموالية للحزب الديمقراطي الكردستاني وجود غرباء في صفوفها، فإن الوحدات المتحالفة مع الاتحاد الوطني الكردستاني، كانت أكثر ترحيباً، ولو بمحاذير. وتطلب وحدات بشمرغة الاتحاد الوطني الكردستاني أن يكون المتطوعون لائقين وعلى استعداد للخضوع للتدريب والانضباط. ويستطيع المتطوعون الذين يستوفون المعايير الانضمام إلى وحدة مقاتلة مخصصة للأجانب، والتي تسمى “فيلق اليشمرغة”.
هناك اثنتان من الميليشيات المسيحية الآشورية في العراق، “دويخ نوشا” و”وحدات حماية سهل نينوى”، واللتان تستضيفان أيضاً عدداً أصغر من المقاتلين الأميركيين. وعلى الرغم من أن ميليشيا “دويخ نوشا” استضافت نحو عشرة أميركيين، فإنه يقال إن هذه الميليشيا شهدت القليل من الخبرة القتالية في الخطوط الأمامية، وهي ليست حريصة على استيعاب أعداد كبيرة من المجندين الجدد.
لكن استياء الحكومة الأميركية لم يبطئ تدفق المتطوعين الأميركيين. وبدلاً من ذلك، ما يزال عدد الأميركيين الذين يسافرون إلى الخارج لمحاربة “الدولة الإسلامية” في صعود؛ حيث وصل نحو 44 في المائة من جميع المقاتلين الأميركيين الذين تعرف إليهم التقرير في الفترة ما بين أيار (مايو) ومنتصف آب (أغسطس) من العام 2015. وسواء كنتَ تعتقد أنهم وطنيون شجعان يهبُّون للوقوف في وجه تهديد كبير، أو كنت تراهم مجرد سياح حرب متطفلين يخوضون مخاطرة حمقاء، فثمة شيئاً واحداً يبدو مؤكداً: سوف يصل المزيد من الأميركيين إلى العراق وسورية لينخرطوا في القتال ضد مجموعة “الدولة الإسلامية” في المستقبل القريب.

آدم راونسلي

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

مجلة: فورين أفيرز