سياسات ترامب الخارجية فوضوية لكن نتائجها ليست كارثية دائما

سياسات ترامب الخارجية فوضوية لكن نتائجها ليست كارثية دائما

اتسمت سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض بخليط من الفوضى لدرجة أنه أثار انزعاج القطاع الرئيسي من المتمرسين في السياسة الخارجية والمفكرين الاقتصاديين في الولايات المتحدة. ورغم أنه نفّذ الكثير مما تعهّد به للناخبين، إلا أن نتائج تلك السياسات، وفق المحللين، لم تكن دائما كارثية مثلما بدا ذلك لمنتقديه.

واشنطن- يعتقد المحللون أن خشية المتابعين للسياسات الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب ربما لم تكن في محلها بالرغم من الفوضى التي كانت تتسم بها، لأن حصيلة ما فعله المرشح الجمهوري لولاية ثانية لم تكن كارثية في الكثير من الأحيان.

ويرى روبي غرامر، مراسل شؤون الدبلوماسية والأمن القومي في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، أن إدارة ترامب حققت بعض الانتصارات البارزة في الخارج، لكن السؤال الذي يظهر هنا هو عما إذا كانت هذه الانتصارات تفوق كل شيء آخر تسبب به ترامب لبلاده والعالم؟

وفي الواقع، فقد أذهل فوز ترامب بالرئاسة في 2016 مؤسسة الأمن القومي وأطلقت العنان لمناقشات محمومة حول مصير النظام الدولي الليبرالي والهيمنة الأميركية ومستقبل الديمقراطية. وتساءل الحلفاء المتوترون عما إذا كان سيتخلى عن حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو يبدأ حربا مع كوريا الشمالية أو يقضي على نظام التجارة الدولية؟

ولكن بعد مرور أربع سنوات، يقف المتابعون على حقيقة مفادها أن التحالفات لا تزال قائمة، وتظل القوة الصارمة لواشنطن منقطعة النظير. فقد ابتعد ترامب بذكاء عن ارتكاب أي أخطاء عسكرية جديدة باهظة الثمن مثل الحرب في العراق أو التدخل في ليبيا عام 2011 حتى أن بعض أشد منتقديه يعترفون بأن الإدارة قد حققت بعض النجاحات المهمة في السياسة الخارجية وعلى الأخص في الصين والشرق الأوسط.

وتظهر المقابلات مع العشرات من خبراء السياسة الخارجية المخضرمين أنه لا يوجد في الواقع حكم واضح على سياسة ترامب الخارجية. وبالنسبة إلى الكثير من اليساريين، وحتى بعض المحافظين، فإن أيّا من انتصارات الإدارة الأميركية لا يفوق الضرر الذي ألحقه ترامب بمنصب الرئاسة أو حتى ردة فعله تجاه أزمة الوباء التي أودت بحياة أكثر من 221 ألف أميركي حتى الآن.

لكن العديد من مؤيدي ترامب وخبراء السياسة المحافظين يجادلون بأنه، بغض النظر عن تواجد الرئيس على منصة تويتر والمناخ الحزبي المتوتر في واشنطن، فإن إدارته قد فعلت ما هو أكثر أهمية، وهي أنها عززت القوة الصارمة للولايات المتحدة وجعلت البلاد في وضع أفضل لما ينتظرها.

ومع انتهاء فترة رئاسة ترامب الأولى، وربما الوحيدة، في منصبه قريبا، يمكن تصنيف نجاحاته في السياسة الخارجية إلى ثلاث فئات واسعة، وهي الانتصارات الكبيرة، والانتصارات الحزبية، والانتصارات التكنوقراطية.

ويعتقد غرامر أن إدارة ترامب حوّلت بشكل منهجي جهاز الأمن القومي بعيدا عن التركيز على منطقة الشرق الأوسط نحو حقبة من التنافس المتجدد بين القوى العظمى، مما دفع واشنطن إلى التصريح بالرأي القائل بأن بكين تمثل أكبر تهديد وجودي للولايات المتحدة في العقود القادمة.

وعارضت الإدارة الأميركية عمليات النفوذ الصينية وزادت الوعي العالمي بالتهديد الذي تشكله التكنولوجيا الصينية سريعة التطور وخاصة في الجيل التالي من الاتصالات المحمولة كما اتخذت إدارة ترامب كذلك خطوات لتقليل اعتماد الولايات المتحدة على الصين للحصول على المواد الأساسية اللازمة للأمن الاقتصادي والوطني.

كما ضاعفت الإدارة دعمها لتايوان بما في ذلك العديد من مبيعات الأسلحة المعلقة واتخذت موقفا أكثر تشددا بشأن استيلاء بكين على الأراضي في بحر الصين الجنوبي.

وبالعمل من خلال المجموعة الرباعية للمحيطين الهندي والهادئ، نسقت إدارة ترامب السياسة الإقليمية مع الهند واليابان وأستراليا. ووضعت الأساس لخطط طموحة لزيادة حجم القوات البحرية الأميركية بشكل كبير إلى أكثر من 350 سفينة أو ربما حتى 500 سفينة، وهي خطة طويلة الأجل رحب بها بعض مسؤولي الدفاع مع تنامي التهديد العسكري القادم من الصين.

وترى ريبيكا هاينريشس، المحللة في معهد هدسون، أن وضع الولايات المتحدة في حالة مواجهة مع الحزب الشيوعي الصيني والتنافس معه هو أهم إنجاز لهذه الإدارة حتى لو كان هذا هو إنجازها الوحيد، فقد قدمت لهذه الدولة خدمة رائعة من خلال تحريك الكرة في ملعب الصين.

وثم هناك إسرائيل، حيث أثار قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس تحذيرات من إثارة انتفاضات في المنطقة وإقامة صراع مع الفلسطينيين، لكن لم يحدث أي من ذلك. وفي الولايات المتحدة، تمتعت عملية نقل السفارة بدعم واسع من الحزبين وينظر إليها الآن إلى حد كبير على أنها أمر لا رجعة فيه.

ترامب ابتعد بذكاء عن ارتكاب أي أخطاء عسكرية جديدة باهظة الثمن مثل الحرب في العراق أو التدخل في ليبيا عام 2011

وقال المرشح الديمقراطي للرئاسة ونائب الرئيس السابق، جو بايدن، إنه “سيحتفظ بالسفارة في القدس إذا تم انتخابه، حتى مع تراجع الدعم التاريخي للحزبين لإسرائيل في الأوساط الديمقراطية”.

كما أعلنت إدارة ترامب أن الفضل يرجع إليها في تطبيع العلاقات بين إسرائيل واثنين من أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، وهما الإمارات والبحرين. وأشاد المشرعون الديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء بالخطوة، التي وصفها البيت الأبيض بأنها “فجر شرق أوسط جديد”، باعتبارها بقعة تندر فيها الأخبار السارة.

ومع ذلك، يتساءل الخبراء عما إذا كان ترامب يدّعي الفضل في المعاملات الدبلوماسية، التي كانت قيد الإعداد لفترة طويلة. فالإمارات وإسرائيل، على سبيل المثال، كانتا تتعاونان في الأمور الأمنية خلف الكواليس منذ سنوات عدة.

العرب