واشنطن – يعمل جو بايدن، المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية، على الاستفادة من أخطاء منافسه دونالد ترامب، وتجنب الاتهامات بفتح الباب أمام التأثير الخارجي في الانتخابات.
وأغلق بايدن وفريقه الانتخابي مجال التواصل مع الدوائر الدبلوماسية، سواء لجهة الدول مثار الجدل في الولايات المتحدة مثل روسيا والصين، أو لجهة بقية الدول التي تجمعها بواشنطن مصالحُ وتريد معرفة مواقف المرشحين للتكيف معها.
ويكافح المبعوثون الأجانب من أجل اختراق الدائرة المضيقة لمستشاري السياسة الخارجية في إدارة بايدن المحتملة، ويجد حتى أقرب حلفاء أميركا الباب مغلقا أمام ما يقومون به من محاولات لإجراء محادثات.
وتتخوف أوساط دبلوماسية عربية وخليجية من غموض مواقف بايدن تجاه السياسات الخارجية التي سلكها الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، وتتساءل عما إذا كان سيسلك السياسات نفسها أم هناك تغييرات؟ وهل سيحتفظ بعلاقات إيجابية مع إيران في تناقض كامل مع نظام العقوبات المشددة التي تعتمدها إدارة ترامب؟
ولا تخفي هذه الأوساط قلقها من رؤية بايدن لقضايا الشرق الأوسط، متسائلةً: هل سيستمر في بناء علاقات الثقة مع دول مثل مصر والسعودية والإمارات، خاصة في ظل اتفاقيات السلام الأخيرة المدعومة على نطاق واسع داخل الولايات المتحدة، أم سيعيد إنتاج سياسة الرهان على الفوضى التي انتهجتها إدارة أوباما التي لم تخف دعمها لموجة “الربيع العربي” وصعود الإسلاميين، وهو الصعود الذي جلب الحروب والتفتيت والفوضى لعدد من دول المنطقة؟
ويعتقد محللون سياسيون أن إغلاق بايدن باب التواصل مع الدول الحليفة وعدم توضيح رؤيته للقضايا الخارجية، خاصة بالنسبة إلى الشرق الأوسط الذي هو محور السياسة الخارجية لأميركا، يخفيان رغبة في اتباع سياسة أوباما من باب المناكفة مع ترامب والجمهوريين، وهو ما قد يعرّض المصالح الأميركية إلى هزة في الخليج، خاصة في ظل تبني السعودية سياسةً خارجيةً تقوم على الشراكة المتكافئة، أي تلازم المصالح والمواقف.
وأوضح فريق بايدن للدبلوماسيين الأجانب في واشنطن أنهم لا يستطيعون التواصل مع كبار مستشاري السياسة الخارجية الديمقراطيين، بمن في ذلك أنتوني بلينكن وجيك سوليفان، بشأن خطط السياسة الخارجية، وفقا لأربعة دبلوماسيين.
ويلمّح مستشارو بايدن إلى أنهم لا يتدخلون في السياسة الخارجية للمرشح الحالي، كما فعل فريق دونالد ترامب قبل أربع سنوات.
وخلال الفترة الانتقالية الأخيرة واجه كبير مستشاري ترامب للأمن القومي، مايكل فلين، اتهامات بمحاولة تقويض سياسة إدارة أوباما الخارجية عبر قيادة مساع لمنع تمرير قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي ينتقد إسرائيل.
كما حصل على أموال للضغط من أجل صالح شركة تمثل مصالح الحكومة التركية بينما كان ضمن حملة ترامب، وهو انتماء لم يكشف عنه إلا بعد طرده من البيت الأبيض.
وأصبحت المحادثات الهاتفية السرية التي أجراها فلين في ديسمبر 2016 مع السفير الروسي سيرغي كيسلياك موضوع تحقيق واسع حول التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية وسبب إقالة فلين بعد شهر من العمل.
وقال مسؤول مطلع على سياسة حملة بايدن في تصريح لمجلة فورين بوليسي “هناك حظر صارم على التحدث إلى المسؤولين الأجانب. هناك رغبة في الظهور بشكل مختلف عن ترامب وعدم الرغبة في منح الإدارة أي فرصة لقول إنهم فعلوا الأشياء نفسها التي انتقدوها”.
وقال دبلوماسي أوروبي “يقولون صراحة إنهم لا يستطيعون مقابلة مسؤولين أجانب”.
وتتعارض حملة بايدن مع حقيقة سجلّه، حيث شغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وكان نائبا للرئيس أوباما. كما كتب مقالات ركزت على السياسة الخارجية، وأجاب عما ورد في استبيانات المرشحين، وتحدث عن أولويات سياسته الخارجية، وهو ما يثير الشكوك بشأن هذا التكتم.
ومن المعتاد أن تتواصل السفارات مع الأحزاب السياسية في الدول الحليفة للتعرف على أولويات سياستها قبل الانتخابات، وهو ما يختلف عن الضغط السري الذي سلّطه فلين لمصلحة تركيا أثناء الحملة الانتخابية.
وأثبتت سياسة حملة بايدن أنها محبطة للسلك الدبلوماسي الأجنبي في واشنطن، الذي كان يكافح للتنسيق بين أولويات السياسة الخارجية والحملة خلال المرحلة الأخيرة من الانتخابات.
وقال بيل روسو المتحدث باسم حملة بايدن “خلال الأيام المقبلة، ستظل حملتنا مركزة على التحدث إلى الشعب الأميركي بشأن ما هو على المحك في هذه الانتخابات”.
ويمثل النهج الحذر تحولا جذريا في تصرفات فريق حملة ترامب الذي استضاف اجتماعات مع قادة أجانب عام 2016 في برج ترامب بمدينة نيويورك لتقويض أجندة أوباما الخارجية خلال الأشهر الأخيرة من ولايته.
ويتوقع الديمقراطيون أن تستغل حملة ترامب أي اتصال بين مسؤولي الحكومات الأجنبية وفريق حملة بايدن وتقديمه دليلا على أنهم يحاولون تقويض أجندته حتى لو كانت هذه الادعاءات خاطئة.
وأشار العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين إلى أن المحادثات التي تخللت الحملات الرئاسية في مواسم الانتخابات الماضية ساعدت حكوماتهم على الاستعداد للتكيف مع أولويات السياسة الخارجية الجديدة. وهذا مهم للحلفاء الأوروبيين، الذين نشر بعضهم قوات إلى جانب القوات الأميركية في أفغانستان والشرق الأوسط.
وقال أستاذ القانون في جامعة نيويورك، ريان غودمان “تتعارض تصرفات فريق ترامب الانتقالي عام 2016 في ما يتعلق بتقويض سياسات إدارة أوباما مع قانون لوغان”.
ونصح غودمان فريق بايدن بعدم الانخراط في إجراءات مماثلة، بما في ذلك سياسات العقوبات وتصويت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وعدم الدخول في مفاوضات مع الحكومات الأجنبية في محاولة لهزْمِ سياسات ترامب الحالية.
لكن أستاذ القانون في جامعة نيويورك قال إن قطع جميع الاتصالات مع الحكومات الأجنبية “سيكون مبالغا فيه”. ويمكن لفريق بايدن الاستماع إلى آراء الحلفاء والدول الأخرى والتعرف على احتياجاتهم ومخاوفهم خلال التفاعل معهم، دون القلق من أن مثل هذه الإجراءات لا تتفق مع قانون لوغان.
العرب