باريس – أرسل رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس مؤشرات قوية إلى أوروبا، وخاصة دولا مثل بريطانيا وألمانيا، على أن بلاده لن تقبل بـ”مساومات” تفضي إلى التطبيع مع تيارات الإسلام السياسي التي وفرت الحاضنة الفكرية والروحية للمتشددين الذين ينفذون عمليات إرهابية، ليس في فرنسا وحدها بل في دول أوروبية أخرى بعضها سعى لاحتواء تلك الجماعات كما سعى لتوظيفها.
ورفض كاستيكس ما أسماه بـ”المساومات” التي قامت بها أحزاب سياسية ومثقفون “على مدى سنوات” مع “التطرف الإسلامي”، داعيا إلى “معركة أيديولوجية” ضده.
واعتبر كاستيكس في حديثه لشبكة “تي أف 1” التلفزيونية أن “هذه المعركة أيديولوجية؛ العدو يسعى أولا إلى تقسيمنا ببث الكراهية والعنف، وإلى كسر المجتمع الوطني”.
وندد بكل المساومات التي حصلت على مدى سنوات طويلة وأعطت التبريرات لهذا التطرف الإسلامي”، قائلا “يجدر بنا أن نلوم أنفسنا، ونندم على الاستعمار وغيره من الأمور”.
وقال إن “الطريقة الأولى للانتصار في حرب هي أن يكون المجتمع الوطني ملتحما، موحدا، فخورا بجذورنا، بهويتنا، بجمهوريتنا، بحريتنا. يجب الانتصار في المعركة الأيديولوجية”.
وتابع “انتهى الأمر، لا مجال بعد اليوم لأي تساهل من قبل مثقفين وأحزاب سياسية، يجب أن نكون جميعا موحدين على أساس قيمنا، على أساس تاريخنا”.
واعتبر متابعون للشأن الفرنسي أن كلام كاستيكس هو رسالة من الرئيس إمانويل ماكرون إلى أطراف داخلية وخارجية دأبت على الدفاع عن توطين الإسلام السياسي في فرنسا وأوروبا تحت يافطة الحريات، متناسيةً أن الفكر المتشدد الذي تحمله جمعيات ومراكز إسلامية يهدف بالأساس إلى تقويض نظام الحرية الذي تقوم عليه القيم الفرنسية، واستبدالها بقيم وافدة وإرغام الفرنسيين على تبنّيها.
وأضاف هؤلاء المتابعون أن تجربة فرنسا الطويلة مع ممثلي الإسلام السياسي من بوابة مختلف الجمعيات أفضت إلى نتيجة واحدة؛ وهي استثمار المتشددين مناخَ الحرية لبناء عالم منعزل يقوم على كراهية الغرب ويشحن الشباب، وخاصة الوافدين الجدد، بالكراهية والحقد ليتولوا تنفيذ عمليات صادمة. وتساءل المتابعون: ما الذي يدفع فرنسا إلى الرضا بهذا الواقع المعادي لها؟
وأعلن كاستيكس عن حل “جمعيات واجهة” قريبا وعن عمليات ضد “مساجد زائفة (…) ومدارس غير قانونية”.
وقال “المدارس غير القانونية، نحن نغلقها، وسنواصل إغلاقها. الجمعيات الزائفة التي تقوم بغسل أدمغة، سنحلها (…) حللنا اثنتين منها، وسنواصل ذلك”.
وأضاف “يتحتم علينا تعزيز تشريعاتنا، وخصوصا سبل التحرك من أجل التصدي” للكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وذكر المتابعون أن رسالة باريس إلى دول الاتحاد الأوروبي واضحة؛ إذ تفيد بضرورة استيعاب ما يجري في فرنسا التي شهدت أعمالا إرهابية لمجرد أنها سعت إلى حماية قيمها ورفضت أي ضغط وابتزاز لإجبارها على المداهنة، مشيرين إلى أن كل من ألمانيا وبريطانيا تحتاجان إلى فهم مواقف باريس وتجربتها في العلاقة بالإسلاميين الذين قد يقبلون المداهنة لكنهم لا يتغيرون ولا يقدمون تنازلات من أجل التعايش السلمي؛ ذلك أنهم في لحظة ما سينتجون ردة فعل شبيهة بما يجري في فرنسا إنْ حاولت بون أو لندن الضغط عليهم أو تحصيل تنازلات منهم.
واعتبر الصحافي البريطاني رود ليدل أن بريطانيا -وأوروبا عموما- تفتقر إلى شجاعة ماكرون في تسمية التنظيمات الإسلامية المتطرفة بأسمائها بعد أعمال القتل الوحشية في نيس.
وقال ليدل الذي سبق أن قدم برامج تلفزيونية عن الأصولية والدين والهجرة -“الأصوليون الجدد” و”مشكلة الإلحاد” و”الهجرة قنبلة موقوتة”- “كان ماكرون صريحا وثابتا بشكل مثير للإعجاب في معالجة هذه الاعتداءات، لذلك أثار كل هذا الجدل في الدول الإسلامية”.
وأكد على أن الرئيس الفرنسي يستحق الثناء على دفاعه عن حرية التعبير لأنها مهددة في جميع أنحاء أوروبا.
ومن الواضح أيضا أن الرسالة الفرنسية تعني تونس التي بات يتسرب منها المهاجمون للثقافة الفرنسية، إذ تفيد بأن باريس ليس لديها استعداد للاعتراف بنموذج إسلامي على حدودها الجنوبية يمكن أن يشكل نواة لزراعة الحقد على الغرب، وأن “تنازلات” الإسلاميين بشأن الاعتدال والتماهي مع القيم الكونية ليست سوى مناورة ينتهي مفعولها بانتفاء حالة الضعف التي يشعرون بها.
واتجهت باريس بسرعة إلى خيار التنسيق مع السلطات التونسية والجزائرية بحثا عن معطيات أمنية قد تساعد على كشف خلايا نائمة أو أشخاص خطرين على أمنها، وهو ما سيكون محور زيارة جيرالد دارمانان، وزير الداخلية الفرنسي، إلى تونس والجزائر نهاية الأسبوع.
وأعلن وزير الداخلية الفرنسي، الاثنين، أنه سيتوجّه إلى تونس والجزائر “في نهاية الأسبوع” لتناول مسألة مكافحة الإرهاب وطرد الأجانب “المتطرّفين”.
وأعلن قصر الإليزيه الأحد أن “الرئيس إيمانويل ماكرون طلب من وزير الداخلية التوجه إلى تونس للقاء نظيره” من أجل بحث مكافحة الإرهاب، بعد الاعتداء الذي وقع الخميس في نيس بجنوب فرنسا نفذه تونسي عمره 21 عاما.
وقال الوزير لقناة “بي أف أم تي في” الاثنين “سأذهب في نهاية الأسبوع”، مضيفا أن هدف الزيارة هو “التحدث مع نظيريّ من وزارتَيْ الداخلية ومع أجهزة الاستخبارات وتبادل وجهات النظر من أجل الحصول على المزيد من المعلومات”.
وتابع أن “رئيس الجمهورية تحدث مع نظيريه لنتمكن من التوافق على إعادة عدد معين من الأشخاص يحملون جنسية هاتين الدولتين ويُشتبه في أنهم متطرفون في بلدنا”.
وأعلنت الرئاسة الفرنسية عن مكالمة هاتفية جرت السبت بين ماكرون والرئيس التونسي قيس سعيّد الذي “أعرب عن تضامنه مع فرنسا بعد الأعمال الإرهابية”.
وأوضح الإليزيه أن الرئيسين “اتفقا على تعزيز التعاون على صعيد مكافحة الإرهاب” مضيفا أنهما “بحثا المسألة الحساسة المتعلقة بعودة التونسيين الملزمين بمغادرة الأراضي الفرنسية، وفي طليعتهم المدرجون على القائمة الأمنية” لأجهزة الاستخبارات.
العرب