هجوم دياب على مصرف لبنان إبراء ذمة أم تحريض من حزب الله

هجوم دياب على مصرف لبنان إبراء ذمة أم تحريض من حزب الله

بيروت – وجه رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية حسان دياب الثلاثاء انتقادات حادة لمصرف لبنان المركزي، مطالبا إياه بتسليم كافة المستندات للتدقيق الجنائي الجاري في حساباته، موحيا بأن الأخير يحاول إخفاء تجاوزات لاسيما في مسألة الودائع.

تأتي تصريحات دياب في توقيت يحمل دلالة رمزية كبيرة، لجهة تزامنها مع الانتخابات الأميركية حيث كل أنظار المنطقة ولاسيما لبنان مصوّبة نحوها بالنظر لما يمكن أن تحمله من تحولات عاصفة سيكون الأخير أحد المتأثرين بها.

ولم يترك دياب الذي شارفت مهمة حكومته على الانتهاء حيث يجري بحث تشكيل حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري، الفرصة دون أن يفتح “النار” مجددا على المصرف وحاكمه رياض سلامة الذي سبق وأن خاض معه جولات عدة من المعارك طيلة فترة حكومته.

وفيما يقول سياسيون إن دياب أراد تسجيل نقاط في رصيده الهزيل، قبل خروجه من الباب الضيق بعد اضطراره لتقديم استقالته في أغسطس الماضي على خلفية احتجاجات شعبية، يرى آخرون أن عودة تصويب دياب على مصرف لبنان جرت بإيعاز من الثنائي حزب الله والتيار الوطني الحر اللذين سبق أن استخدماه في معركتهما مع المصرف.

وطالب رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال بتسليم الشركة الدولية التي جرى التعاقد معها مؤخرا لإجراء “التدقيق الجنائي” في حسابات مصرف لبنان، المستندات والمعلومات التي طلبتها حتى يتسنى لها القيام بمهمتها.

وكانت الحكومة اللبنانية المستقيلة قد أقرت التعاقد مع شركة عالمية للتدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي، على الرغم من وجود شركتين دوليتين تتوليان بشكل منتظم عملية التدقيق في الحسابات، وذلك بعدما اندلع خلاف كبير قبل عدة أشهر بين الحكومة ومصرف لبنان حول أرقام العجز واحتساب الخسائر المالية، حيث تضاربت الأرقام وتفاوتت بشكل كبير ما بين خطة التعافي المالي والاقتصادي التي وضعتها الحكومة، والأرقام التي قدمها المصرف.

ويشكل التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان أبرز بنود خطة النهوض الاقتصادية التي أقرتها الحكومة قبل أشهر للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، كما ورد ضمن بنود خارطة الطريق التي وضعتها فرنسا لمساعدة لبنان على الخروج من دوامة الانهيار الاقتصادي.

وتدعو خارطة إصلاح وضعتها فرنسا إلى تطبيق قانون لحركة رؤوس الأموال يسانده صندوق النقد والشروع في تدقيق محاسبي للبنك المركزي وإطلاق إصلاحات لقطاع الكهرباء.

وطلبت شركة “الفاريز ومارسال” من مصرف لبنان تزويدها بالوثائق المتبقية بحلول الثالث من الشهر الحالي، بعد أن مدها بـ42 في المئة فقط من الوثائق المطلوبة.

ووفق ما قال مصدر في المصرف، امتنع المصرف المركزي عن إرسال المستندات المتبقية كون ذلك “يعارض” قانون النقد والتسليف الذي ينظم عمل المصرف المركزي، والسرية المصرفية.

وذكر دياب في بيان أنه كلف وزير المالية غازي وزني بمخاطبة مصرف لبنان المركزي لتسليم الشركة الدولية المستندات اللازمة. وأشار إلى أن هيئة التشريع والاستشارات (جهة إفتاء تشريعية بوزارة العدل) أكدت أن قرار مجلس الوزراء بالتعاقد مع شركة لإجراء عملية التدقيق الجنائي يلزم البنك المركزي بتسليم المستندات المطلوبة، مع حجب أسماء الزبائن عند الحاجة واستبدالها بأرقام حفاظا على السرية المصرفية، لافتا إلى أن حسابات الدولة لا تخضع للسرية المصرفية.

وقال دياب “إن أي إصلاح لا ينطلق من التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، يكون إصلاحا صوريا لتغطية استمرار النهج الذي أوصل البلد إلى ما وصل إليه على المستوى المالي، والمطلوب اليوم أن يبادر مصرف لبنان إلى تسليم شركة التدقيق الجنائي المستندات والمعلومات التي تطلبها، كي ينطلق هذا التدقيق لكشف الوقائع المالية وأسباب هذا الانهيار”.

حزب الله قرر فتح المعركة مجددا مع المصرف من خلال مسألة التدقيق الجنائي، في محاولة للضغط على رياض سلامة بعدم التماهي أكثر مع واشنطن في محاصرته ماليا

وأضاف “إن أي محاولة لعرقلة التدقيق الجنائي، هي شراكة في المسؤولية عن التسبب بمعاناة اللبنانيين على المستويات المالية والاقتصادية والمعيشية”، محذرا مما أسماه محاولة الإطاحة بالتدقيق الجنائي لمنع اللبنانيين من معرفة حقيقة خلفيات اختفاء ودائعهم، وأسباب الانهيار المالي والتلاعب المدروس بسعر العملة الوطنية.

ويسود التوتر الشديد العلاقة بين رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وحاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، حيث سبق لدياب أن هاجم سلامة مُحمّلا إياه، في أكثر من مناسبة وبصورة علانية، المسؤولية عن التدهور النقدي والمالي الذي تشهده البلاد، واتهمه بتمويل ودعم السياسات المالية للحكومات المتعاقبة، والتي كانت تقوم على إهدار أموال الدولة والمودعين في القطاع المصرفي.

ويخوض دياب المعركة ضد مصرف لبنان نيابة عن حزب الله، الذي سعى في الأشهر الأخيرة إلى إلقاء مسؤولية تدهور الوضع المالي على المصرف وحاكمه رياض سلامة.

ولا يخفى على أحد أن حزب الله حاول إزاحة سلامة عن حاكمية المصرف معتبرا أنه يمثل السياسة الأميركية في إدارة الدفّة النقدية، والمسؤول المباشر عن تطبيق العقوبات الاقتصادية التي طالت الحزب وكيانات وأفرادا على علاقة به، لكن الضغوط الدولية حالت دون ذلك.

ويرى مراقبون أن عودة التركيز على المصرف لا تخلو من حسابات سياسية في علاقة بتخوف حزب الله من المرحلة المقبلة لاسيما في حال فاز الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب بولاية ثانية، حيث مرجح أن يعزز ضغوطه عليه وعلى لبنان لتحييده.

ويبدو أن حزب الله قرر فتح المعركة مجددا مع المصرف من خلال مسألة التدقيق الجنائي، في محاولة للضغط على رياض سلامة بعدم التماهي أكثر مع واشنطن في محاصرته ماليا.

العرب