باسيل أسير حزب الله وأسير العقوبات يضيع “عرش” بعبدا

باسيل أسير حزب الله وأسير العقوبات يضيع “عرش” بعبدا

العقوبات الأميركية نسفت كل الجسور أمام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل للوصول إلى قصر بعبدا، وأقصى طموحه الآن هو الحفاظ على موقعه على رأس التيار، وإن كان هذا الأمر أيضا مشكوكا فيه أمام وجود شق متحفظ على سياساته، وسيوظف هذه الرجة لتعزيز تموضعه.

بيروت- اعتبر رئيس التيار الوطني الحر ووزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل الأحد أن رفضه فك الارتباط مع حزب الله، كان السبب الرئيسي في فرض عقوبات أميركية عليه.

وفرضت وزارة الخزانة الأميركية، الجمعة عقوبات على جبران باسيل، على خلفية تورطه في الفساد وعلاقته بحزب الله، المصنف تنظيما إرهابيا لدى الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية والعربية. ويشكل إدراجه على لائحة العقوبات ضربة مزدوجة لـ”ابن العهد المدلل”، الذي كان يطمح إلى خلافة الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا.

وترى دوائر سياسية أن باسيل فقد بالعقوبات الأميركية، أي إمكانية للتسويق لنفسه دوليا، وأن تلك العقوبات من شأنها أن تقضي على طموحاته السياسية، حيث إن أقصى ما يمكنه الحفاظ عليه هو موقعه كرئيس للتيار الوطني الحر، وهذا لن يكون ممكنا على المدى المتوسط. وتلفت الدوائر إلى أن هذه العقوبات ستعزز موقف تيار أقلّوي، داخل الوطني الحر، متحفظ على سياسات باسيل.

وحاول صهر الرئيس اللبناني في مؤتمر صحافي عقده بالعاصمة بيروت، أن يخفف من وطأة تلك العقوبات، مسوقا إلى أن هذا القرار “الظالم” بحقه يأتي ردا على موقف مبدئي وهو الدفاع عن حزب الله، ورفض التدخلات الخارجية في سياسات الحزب.

وقال باسيل إنه وقبل فرض عقوبات عليه أعلمه الرئيس ميشال عون بأن مسؤولا أميركيا كبيرا اتصل به وطلب منه فك علاقة التيار الوطني الحر بحزب الله. وأضاف أنه أُبلغ مؤخرا “من السفيرة الأميركية بضرورة تلبية أربعة مطالب وإلا سيتم فرض عقوبات أميركية (..) والحديث كله لم يأت على ذكر كلمة فساد”.

وأشار إلى أن المطلب الأول هو “فك العلاقة فورا مع حزب الله”، من دون أن يكشف عن المطالب الأخرى. ومنحه الأميركيون، وفق قوله، عدة مهل، وتخلوا لاحقاً عن مطالبهم الباقية “وحصروا مطلبهم في قطع العلاقة مع حزب الله”، المدعوم إيرانيا. وأضاف أن برفضه الطلب الأميركي أقرت العقوبات بحقه والتي تبين “أن لها علاقة بالفساد وبالكاد ذكرت حزب الله فيما لم يحدثوني إلا عنه”.

وكان باسيل قد أشار إلى أن الإدارة الأميركية حاولت قبل ذلك تقديم إغراءات له، مقابل التخلي عن حزب الله لكن “ردّة فعلي الطبيعية السريعة كانت أنّ الأمور لا تمشي معي بهيدا الشكل وإني أرفض هذا الموضوع… نحن أصدقاء ولسنا عملاء”، على حد تعبيره.

ووصف باسيل العقوبات في حقه بـ”الجريمة”، وقال إنه سيكلف مكتب محاماة ليطلب أمام القضاء الأميركي “إبطال القرار” و”طلب التعويض المعنوي والمادي”.

وكان متوقعا منذ فترة طويلة أن تقدم واشنطن على ضم رئيس التيار الوطني الحر إلى قائمة العقوبات، التي سبق وأن ضمت المعاون السياسي لرئيس البرلمان نبيه بري علي حسن خليل، بسبب تعاونه مع حزب الله.

واعتبر السياسي اللبناني، أن طلب قطع العلاقة مع حزب الله “يخالف مبدأ أساسيا من مبادئ التيار وهو رفضه أخذ تعليمات من أي دولة خارجية”.

وأضاف “نحن لا يمكن أن نطعن أي لبناني لصالح أجنبي… فليس من الممكن أن نطعن بحزب الله… عزل أي مكون لبناني نحن لا يمكن أن نمشي فيه ولو كلفنا غاليا… ما بينفع معنا، لا طيّاراتكم، ولا تهديداتكم ولا عقوباتكم”، لافتا إلى أن “الطريق مع الولايات المتحدة كانت دائماً صعبة ولكن مجبورين انّو نمشيها، ونتحمّل الظلم لنبقى أحرارا بوطننا ولنحمي لبنان من الشرذمة والاقتتال، مع الإصرار أن نبقى أصدقاء للشعب الأميركي مهما ظلمتنا إدارته”.

وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أوردت بأن باسيل “مسؤول أو متواطئ، أو تورط بشكل مباشر أو غير مباشر في الفساد، بما في ذلك اختلاس أصول الدولة ومصادرة الأصول الخاصة لتحقيق مكاسب شخصية”. واتهمه مسؤول أميركي باستخدام نفوذه لتأخير تشكيل حكومة في لبنان. وقال إن شراكته السياسية مع حزب الله سمحت للأخير “بتوسيع نفوذه”.

ويرى مراقبون أن محاولات باسيل بنفي أي تورط له في فساد مباشر لا يمكن أن يخفي واقع مسؤوليته كرئيس حزب مشارك في السلطة وأيضا كمسؤول سابق عن ملف الطاقة في الأزمة المالية التي يتخبط فيها لبنان.

ويشير المراقبون إلى أن باسيل احتكر ملف الطاقة لسنوات ولم يطرأ خلال تلك الفترة أي تحسن لا بل أنه زاد الدين العام في لبنان نحو خمسين مليار دولار بسبب تمنّعه عن السير في أي مشروع ذي جدوى للكهرباء، إن عبر الاستعانة بشركة “سيمنز” الألمانية أو عبر الصناديق العربية، في مقدّمها الصندوق الكويتي.

ويقول المراقبون إن باسيل سعى لاستغلال شراكته مع حزب الله لتعزيز نفوذه السياسي ضاربا عرض الحائط بكل التوازنات القائمة، من خلال تدخلاته في التشكيل الحكومي.

ويعاني لبنان اليوم من أزمة حكومية في ظل سقف المطالب العالي الذي وضعه رئيس التيار الوطني الحر في وجه رئيس الوزراء المكلف الزعيم السني سعد الحريري، ومنها حصول التيار الماروني على الثلث المعطل داخل الحكومة وأيضا الاحتفاظ بحقيبة الطاقة.

ويأتي هذا التعنت من باسيل في وقت تواجه فيه البلاد خطر الانهيار المالي والاقتصادي، الأمر الذي يثير قلق الداخل والخارج. ويرجح المراقبون أن يستميت باسيل في الدفاع عن مطالبه إزاء التشكيل الحكومي مع الالتصاق أكثر بحزب الله على أمل أن ينجح في الحفاظ على ثقله.

وأكد باسيل في المؤتمر الصحافي “لا يمكن أن نطعن حزب الله”، وقال “لا نترك (حزب الله) بضغط خارجي، اذا أردنا أن نترك فلأسباب داخلية”، مشيراً في الوقت نفسه إلى وجود خلافات عدة مع الحزب بينها “السلام في المنطقة ووجود إسرائيل”.

من المرجح أن يستميت باسيل في الدفاع عن مطالبه الحكومية مع الالتصاق أكثر بحزب الله على أمل الحفاظ على ثقله

وباسيل (50 عاماً) من أكثر الأشخاص قرباً إلى عون، وهو رئيس التيار الوطني الحر الذي يتزعمه رئيس الجمهورية، وحليف وثيق لحزب الله بموجب اتفاق تفاهم يعود إلى العام 2006.

وللمرة الأولى، تطال العقوبات الأميركية مسؤولاً سياسياً رفيعاً من حلفاء حزب الله المسيحيين. وفرضت واشنطن في سبتمبر أيضاً عقوبات على الوزير السابق في تيار المردة المسيحي المتحالف مع حزب الله يوسف فنيانوس ووزير المالية السابق علي حسن خليل من حركة أمل الشيعية برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري، أبرز حلفاء حزب الله. وطلب عون السبت الحصول على الأدلة التي دفعت واشنطن إلى فرض عقوبات على باسيل.

وتعود العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله إلى عام 2006 حيث وقع الطرفان على اتفاق شراكة استراتيجي، عرف باتفاق مار مخايل. ويأتي ذلك الاتفاق في ظرفية حساسة يمر بها لبنان، على خلفية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في العام 2005 والتي أدين فيها عنصر من حزب الله، قبل أشهر.

العرب