هل يصلح بايدن ما أفسد ترامب؟

هل يصلح بايدن ما أفسد ترامب؟

ساد الصمت القصر الرئاسي في تركيا عندما اتضح أن جو بايدن هو الرئيس المنتخب للولايات المتحدة. بعد أن سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا الأسبوع لتهنئة الرئيسة الجديدة لغينيا ألفي كوندا، لم يجد كلمات مناسبة ليتمنى بها للرئيس الجديد النجاح في منصبه. ليس مصادفةً أن رئيس حزب المعارضة الأكبر كمال كيليتشدار هو بالتحديد الذي مثل تركيا وأرسل التهنئة الأولى لبايدن.

بالنسبة لأردوغان، تعدّ هزيمة ترامب ضربة مزدوجة. رغم الخلاف السياسي والعسكري بينهما، فإن أردوغان سحر قلب ترامب، الذي حوله لصديق شخصي يستحق كل الدعم. عقوبات على تركيا بسبب شراء أنظمة صواريخ روسية؟ إدانة لسيطرتها على مناطق في سوريا، ومحاربة الأكراد؟ غرامات على البنك التركي الذي خرق تعليمات المقاطعة لإيران؟ عقاب على التنقيبات عن الغاز في مياه البحر المتوسط خلافاً لموقف الاتحاد الأوروبي؟ لقد نجت تركيا حتى الآن من كل هذه بفضل السور الواقي الذي وضعه ترامب أمام أعداء أردوغان. هذا السور سمح للرئيس التركي بإدارة سياسية مستقلة، كانت في جزء منها تعارض مصالح الولايات المتحدة، نظراً لأنها أجبرت الاتحاد الأوروبي على التصرف بحذر وضبط للنفس مع تركيا حتى لا يصطدم مع إدارة ترامب.

بصورة مشابهة، وضع ترامب أمام الاتحاد الأوروبي مساراً مليئاً بالعقبات في قضية إيران. الشرخ الذي حدث بين الولايات المتحدة وأوروبا بعد أن قرر ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي في 2018 كان فورياً ومهدداً. دول الاتحاد -وبالأساس الـ 3 الموقعة على الاتفاق: فرنسا وبريطانيا وألمانيا-بدأت بشق مسار يتجاوز العقوبات لمواصلة إبقاء الاتفاق النووي على قيد الحياة، ولكن شركات أوروبية كبيرة سحبت يدها من إيران بسرعة. النظام الأوروبي الذي أُنشئ لتمويل صفقات مع طهران لم ينجح في الإقلاع.

إن استخفاف ترامب بدول أوروبا، والذي كاد يصل إلى إهانة قادتها، أفرغ دور الحلفاء الأهم للولايات المتحدة من مضمونه السياسي. لم ترغب أي منها بالتورط مع الرئيس غير المتوقع. عندما طلب الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على السعودية والإمارات بسبب الحرب في اليمن، وجد في الواقع شريكاً في الكونغرس الأمريكي، ولكن ليس في البيت الأبيض الذي أحبط كل محاولة لمنع بيع السلاح للسعودية والإمارات. أحياناً كان يبدو أن إدارة ترامب تستهدف سحق مكانة أوروبا، حتى عندما أفاد ذلك روسيا التي تغلغلت إلى كل مساحة شاغرة تركتها الولايات المتحدة وراءها. هكذا كان الأمر في سوريا، وليبيا، وحتى في النزاع الإسرائيلي -فلسطيني الذي أقصيت عنه أوروبا، وبدأت روسيا مؤخراً في إظهار علامات للاهتمام النشط.

انهيار المحاور التقليدية

الحلم الأوروبي، والعربي، والإيراني، والفلسطيني بأن عهداً جديداً في الـ 20 من يناير 2021 سيبدأ خالياً من الترامبية ونقياً من الجنون، هو في هذه اللحظة مجرد حلم. في الـ4 سنوات من غيابه عن الساحة السياسية، أسمع بايدن فقط القليل من التصريحات الصريحة، التي يمكن الاعتماد عليها لمعرفة أين يتجه. أحدها هو تصريحه الذي يقول بأنه ينوي إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، وفيما بعد إجراء مفاوضات مع إيران بشأن العديد من المواضيع، من بينها البرنامج النووي الباليستي، ودعمها لحزب الله. ولكن هل سيرفع العقوبات التي فرضها ترامب، ولا تمس الموضوع النووي بالتحديد؟ هل ستوافق إيران على وقف تخصيب اليورانيوم وتعيد تفكيك أجهزة الطرد المركزي التي أعادت تشغيلها بعد عام من انسحاب الولايات المتحدة؟ سيكتشف بايدن أنه لا يستطيع الضغط على زر سحري وتغيير سلوك إيران مرة واحدة، وتحديداً في السنة التي تذهب فيها إلى انتخابات رئاسية. ولكن عملية بهذا الاتجاه ستعيد إلى دائرة العمل للاتحاد الأوروبي ومن شأنها أن ترمم الأنقاض التي تركها ترامب خلفه. ودون تدخل أوروبي نشط، سيجد بايدن صعوبة بالغة في ترميم الاتفاق النووي. الرئيس المنتخب أيد في الماضي، وكما يبدو الآن، سياسية خارجية تحالفية تستند إلى تحالفات واسعة وعلى مصالح مشتركة. خلافاً لترامب الذي اعتبر كل عملية سياسية بأنها صفقة قام بعقدها (أو فشل في عقدها) على أساس شخصي، والذي يرتبط بالمعرفة الشخصية وبالمحبة (أو الاشمئزاز) الذي شعر به تجاه الآخر.

عندما شارك في خطوات سياسية، كان بايدن قد حرص على أن يحمل معه رزمة من القيم، مثل: النزاهة، والاستقامة، والحفاظ على حقوق الإنسان. هذا هو العامل المشترك الذي ستبنى عليه شبكة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، حتى عندما يأتي لمقاربة أزمات ونزاعات في الشرق الأوسط. بيد أنه تحت سقف الانفراج الجديد، والذي من المتوقع أن يحمي التحالف الجديد ما بين الولايات المتحدة وأوروبا، من الممكن أن تحدث حروب مريرة.

هل سيوافق بايدن -باسم الحاجة لمنع أردوغان من استخدام صواريخ إس400 الروسية والدفاع عن حقوق الإنسان- على الانضمام للاتحاد الأوروبي ويفرض العقوبات على تركيا؟ إذا كان الأمر كذلك، كيف سيتصرف إزاء تهديد تركيا بالانسحاب من حلف الناتو؟ وماذا ستفعل أوروبا إزاء تهديد إغراقها باللاجئين السوريين الذي يلوح به أردوغان؟ هل سيقاطع بايدن أي حكومة لبنانية يشارك فيها حزب الله، حتى لو أدى هذا الموقف إلى تدمير لبنان؟ أو أنه سينضم إلى مقاربة فرنسا التي تقول إن حزب الله مكون من جزأين عسكري وسياسي، وليس هنالك مانع أن يشارك “الجزء السياسي” في الحكومة؟ هل سيستأنف بايدن المساعدة للفلسطينيين التي جُمدت في عهد ترامب، حتى لو ظلت المفاوضات مع إسرائيل عالقة، وبهذا يعدل موقفه ليتساوق مع السياسيات الأوروبية ويخاطر بشن هجوم إسرائيلي؟

قائمة المعضلات هذه مشتقة من واقع “كتل” أو “محاور” تقليدية، شكلت الشرق الأوسط وتغيرت أو تحطمت أو تبادلت الأدوار. هذه القائمة توضح أن السياسة الأمريكية التقليدية التي استندت إلى تلك الكتل ليس بالضرورة أن تكون صالحة الآن. طرح ترامب عقيدة جديدة أدارت فيها الولايات المتحدة سياسات ثنائية شخصية، إزاء سلسلة من الدول التي كانت من شأنها أن تتفاخر بلقب “مؤيدة لأمريكا”. سيتعلم بايدن بأن الشرق الأوسط ليس فيلماً بالإمكان إرجاعه إلى الوراء، وأن الانحلال الذي مرت به المنطقة ليس فقط بسبب ترامب، سيجبره على صياغة استراتيجية جديدة، والتي معناها الابتعاد عن السعي لحل نزاعات، والاكتفاء بمنع توسعها وبتقليص أضرارها. ليس هنالك “صفقات قرن” بل قنوات دفاعية، ومزيج من “الطريقة الأمريكية” و”الطريقة الأوروبية”.

بقلم: تسفي برئيل

القدس العربي