يجب العودة 32 عاماً إلى الخلف، أو خمسة رؤساء إلى الوراء، إلى جورج بوش الأب، لكي نجد رئيساً منتخباً وصل إلى البيت الأبيض ولديه تجربة في السياسة الخارجية تشبه تجربة جو بايدن لدى انتخابه لهذا المنصب. صحيح أن بايدن ، لعب دوراً رئيسياً في إدارة العلاقات الدولية للإدارة الأمريكية بصفته كان نائباً لأوباما، ولكنه طوال أكثر من 3 عقود، كسيناتور، وفي مرحلة معينة، كأكبر شخصية ديمقراطية وكرئيس للجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ، فقد لعب دوراً نشطاً في تشكيل ومراقبة السياسة الخارجية الأمريكية. في أي وقت آخر كان سينتخب فيه بايدن للرئاسة، فإنه كان بدون شك سيأتي منذ يومه الأول كرئيس مع أجندة دولية مليئة ومنظمة.
ولكن بايدن انتُخب في نهاية 2020، قبل كل شيء ليكافح وباء كورونا الذي يتفشى في الولايات المتحدة، وبدرجة لا بأس بها بسبب إهمال ترامب المتواصل، ولكي يعمل على استقرار الاقتصاد الأمريكي الذي يتعثر بسبب ذلك. جل اهتمامه واهتمام نائبته كمالا هاريس، واهتمام كبار طاقمه، سيكون منصباً على هذه القضايا، وبالأساس في الساحة الأمريكية الداخلية. يضاف إليها مهمة داخلية أخرى، وهي رأب الصدع في المجتمع الأمريكي “المستقطب”، في عهد ما بعد ترامب. سيضطر العالم للانتظار، على الأقل طوال 2021. لن يكون للإدارة الأمريكية ببساطة الوقت أو الموارد لتخصصها لـ “إدارة العالم”.
بكلمات أخرى، وعد بايدن المرة تلو الأخرى في حملته الانتخابية، ولدى فوزه، أن ينهي عادة ترامب بالاستخذاء للقادة الديكتاتوريين والتعامل مع الحلفاء كأعداء، ولكن الذي يتوقع أن تعود الولايات المتحدة لمكانتها “كشرطي عالمي” سيخيب ظنه.
ومع هذا، فإن بايدن ليس ترامب ذا الميول الانفصالية. فعلياً، هو أيضاً يؤيد نشاطاً دولياً أكثر من الزعيم الذي سبقه أوباما، وعلى الأقل سيكرس جزءاً من الاهتمام للخارج. كما أن هنالك مشاكل دولية ملحة ليس بالإمكان تجاهلها، حتى ولا في زمن كورونا. ستكون هذه قائمة مقلصة، على رأسها مواضيع ملحة أو مواضيع بالإمكان وبجهد قليل نسبياً تحقيق إنجازات سريعة. ما ليس ملحاً أو معقداً بشكل خاص، سيزاح أسفل القائمة، ربما ليعالج في 2022.
أزمة المناخ
الموضوع العالمي الأكثر إلحاحاً هو أزمة المناخ، فقد وعد بايدن بالكثير في هذا الشأن، ولكن ليس واضحاً كم ستكون قوته في الساحة الداخلية لسن تشريعات جديدة لمنع التلوث، إلى أن تتضح نتائج الانتخابات المعادة لأعضاء مجلس الشيوخ لجورجيا، الذين سيحددون أياً من الحزبين سيسيطر على مجلس الشيوخ. هو بالطبع سيعين أشخاصاً جدداً للوظائف العليا في وكالة الحفاظ على البيئة (EPA)، والذي تم إفراغها من مضمونها في عهد ترامب. ولكن الخطوة الأهم ستكون إعادة الولايات المتحدة لاتفاق باريس لمنع غازات الاحتباس الحراري، التي انسحبت منه الولايات المتحدة في الأسبوع الماضي، بعد يوم الانتخابات. وعد بايدن بالقيام بذلك في اليوم الأول من تسلمه منصبه. ستكون هذه خطوة رمزية، ولكن كبيرة المعنى، ولن تبشر بإعادة اعتماد الإدارة الأمريكية على العلم في معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري، ولكنها تشير إلى أنها مهتمة بالتعاون مع بقية العالم بشأن هذه القضية.
الصين
من بين دول العالم التي لا يستطيع بايدن تجاهلها لصالح كورونا، هي الصين. علينا القول إن ترامب وضع المواجهة المحتمة بين كلتا الدولتين العظميين في مركز أجندته. مع ذلك، فإن إدارة المواجهة من قبله كانت مشوشة وليست ثابتة، وتضمنت أكثر من مرة أقوال تملق للرئيس الصيني شي جين بينج. سيكون على بايدن الاختيار أي الجبهات سيحارب فيها الصين، يستطيع أن يختار الساحة التجارية، أو حرية الملاحة البحرية بين الصين ودول أخرى في الشرق الأقصى، أو خرق حقوق الإنسان للمسلمين الأويغور في إقليم سينجيانج، أو إلغاء الديمقراطية في هونغ كونغ. من المشكوك فيه أن يختار في المرحلة الأولى كل الجبهات معاً، ولكن لن يكون له خيار سوى أن يختار واحدة منها.
المواثيق الدولية
من المتوقع أن تتضمن السياسة الخارجية لإدارة بايدن عودة للتحالفات والمواثيق التقليدية للولايات المتحدة، التي انسحب ترامب من جزء منها، والجزء الآخر أبدى ازدراءً عميقاً به. لن تعود الإدارة الأمريكية إلى جميعها بصورة أوتوماتيكية وفورية، فثمة فرصة لتحسين المواقف، ولكن أحد التحالفات المتوقع أن يعززها بايدن من جديد، هو الحلف شمال الأطلسي (الناتو).
بسبب كورونا، ألغيت قمة حلفاء الناتو السنوية لـ 2020، ومن المتوقع أن تعقد القمة السنوية لـ 2021 قبيل نهاية العام، ولكن سيجد بايدن السبيل للالتقاء مع زعماء كبار في الناتو، وتجديد الالتزام المعلن للولايات المتحدة بالبند 5 من الميثاق، الذي يُلزم كل الأعضاء بمساعدة كل دولة في الحلف يتم مهاجمتها. ومن المرجح أن يجد طريقة لطيفة ليقول لرؤساء الدول أنه يأمل مواصلة الالتزام بزيادة موازنات دفاعهم، والذي ابتزها منهم ترامب بتهديده بالانسحاب من الحلف.
روسيا
سيشكل تعزيز صفوف الناتو إشارات واضحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتن، لأنه سيدرك أن البيت الأبيض قد فرغ من معجبه. وليس من المرجح أن يبحث بايدن قريباً عن مواجهة علنية مع بوتن، رغم التهم المتكررة للحزب الديمقراطي، في الـ 4 سنوات الأخيرة، بشأن تدخل روسيا في انتخابات 2016، وربما أيضاً في الانتخابات التي ستنتهي الآن.
إيران وشمال كوريا
أكد بايدن ورجالاته مرات عدة أنه رغم انتقادهم لانسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، قبل سنتنين ونصف، لن تسارع الإدارة الجديدة في العودة إلى الاتفاق، بل ستحاول إجراء مفاوضات مع القيادة الإيرانية أولاً. ماذا تبقى؟ كوريا الشمالية؟ أصلاً ليس هنالك توقع لتغيير قريب من قبل النظام الظلامي لكيم جونج أون. الولايات المتحدة سلمت منذ أمد بأن لديه سلاحاً نووياً وانتقلت إلى سياسة الاحتواء.
إسرائيل
هنالك أيضاً قصة الإسرائيليين والفلسطينيين؛ فقد سبق أن زار بايدن ورأى كل شيء في ساحتنا الصغيرة. الآن، حيث أزيل الضم نهائياً من الأجندة وتم حفظ صفقة القرن، فمن المتوقع هو أن يكتفي بايدن، على الأقل في الأشهر القريبة، بتعيين سفير جديد، ربما سفير جديد -قديم، وكما يبدو أيضاً سيعيد فتح القنصلية في شرق القدس، المسؤولة عن العلاقات مع الفلسطينيين. وطالما لم يشعل الطرفان الأرض، فسيفضل بايدن التفرغ لنا بعد كورونا.
بقلم: آنشل بببر
القدس العربي