فورة استثمارية لرؤوس الأموال العربية في جنوب مصر

فورة استثمارية لرؤوس الأموال العربية في جنوب مصر

غيرت بعض رؤوس الأموال العربية دفتها في مصر إلى مناطق واعدة في جنوب البلاد، مستفيدة من الحوافز التي أقرها قانون الاستثمار، واستهدفت قطاعات استثمارية جديدة عالية النمو وكثيفة القيمة المضافة، مع وجود سهولة في إعادة التصدير للأسواق الخارجية.

القاهرة – تستهدف مجموعة من الشركات العربية التي تسعي لتوسيع نطاق أعمالها بعض الدول في المنطقة، إقليم جنوب مصر بشكل ملحوظ، بعد أن كانت تقصد المناطق الصناعية الرئيسية المتاخمة للعاصمة القاهرة فترة طويلة.

وقرأت رؤوس الأموال العربية فرص الاستثمار في جنوب مصر مبكرا، وسبقت في ذلك شركات محلية، حيث تتوافر العمالة الرخيصة والمواد الخام، إلى جانب فرص التصدير من جنوب البلاد عبر البحر الأحمر.

وترتبط حاليا محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا في جنوب البلاد بموانئ على البحر الأحمر، ما يمنح المستثمر فرصة كبيرة لتصدير منتجاته للأسواق الخارجية، وأبرزها العديد من الدول الأفريقية ودول الخليج العربي، ولذلك اتجه معظم المستثمرين العرب نحو ضخ أموال كبيرة في صناعات قائمة على التصدير.

وعزز التدفق الاستثماري لجنوب البلاد مؤخرا تدشين القاهرة لشبكة طرق ضخمة من خلال المشروع القومي للطرق بأطوال تصل إلى نحو 3400 كيلومتر وباستثمارات تتجاوز حاجز 2.3 مليار دولار.

وتعد كل من مجموعة الراجحي والبابطين السعوديتين، والخرافي ناشيونال الكويتية، والقناة للسكر الإماراتية، نماذج حية للاستثمارات العربية في مجال التصنيع بجنوب مصر، بالإضافة إلى الاستثمارات الزراعية الكبرى لشركة المملكة القابضة السعودية، ومجموعة جمال الغرير وموربان الإماراتية التي تستصلح 180 ألف فدان في غرب محافظة المنيا بجنوب البلاد.

وتستأثر دولة الإمارات بنصيب الأسد في مشروع القاهرة القومي لزراعة واستصلاح مليون و500 ألف فدان، وكذلك مشاريع الصناعات الغذائية المرتبطة بالتصنيع الزراعي.

وتنفذ شركة جنان الإماراتية، بالتعاون مع البنك الأهلي المصري، مشروعا زراعيا حيوانيا، باستثمارات تقدر بـ160 مليون دولار.

وتستهدف الاستثمارات السعودية زراعة نصف مليون فدان بمصر، في مجالات إنتاج الحبوب والأعلاف وتربية الدواجن والألبان والسكر، جزء منها في جنوب البلاد.

وقالت مجموعة العتيبي للمقاولات والمواد الغذائية الكويتية، إنها تعتزم تدشين مشروع زراعي ضخم في مصر، بهدف إعادة تصدير منتجاته إلى السوق الكويتية.

وفي مجال الطاقة المتجددة ضمت قائمة الشركات العربية التي ضخت استثمارات مباشرة في جنوب البلاد، مصدر والكازار والنويس من الإمارات، والفنار وعبداللطيف جميل وأكواباور من السعودية.

وأعلن خالد بن كلبان نائب رئيس مجلس إدارة شركة دبي للاستثمار، على هامش اجتماعات مجلس الأعمال المصري الإماراتي الذي عقد في دبي مؤخرا، عن تأسيس أول مجمع استثماري بالاستعانة بعدد من بيوت الخبرة العالمية في مدينة الفيوم، في جنوب غرب القاهرة.

وتمنح مصر حوافز خاصة للاستثمار في جنوب البلاد، منها إعفاءات ضريبية تصل إلى نحو خمس سنوات، ورد نصف قيمة الأرض المخصصة للمشروعات الصناعية في حالة بدء الإنتاج خلال عامين من تاريخ تسليم الأرض، ومنح دعم لتشغيل العمالة من خلال تحمل جزء من تكلفة تدريبهم.

وقال محمود الشندويلي، رئيس جمعية مستثمري سوهاج، إن حوافز قانون الاستثمار الجديد هي السبب الرئيسي في تدفق الاستثمارات العربية نحو الجنوب.

وأضاف، لـ”العرب”، أن القانون يمعن في تقديم الحوافز لبعض الأنشطة الاقتصادية إلى حد منح الأراضي بالمجان، خاصة الأنشطة كثيفة العمالة. وتتركز معدلات البطالة والفقر بشكل كبير في جنوب البلاد، نتيجة سوء الخدمات والبنية الاستثمارية على مدى عقود، ما رفع نسبة الفقر إلى 32.5 في المئة.

وتزيد هذه النسبة في محافظات الجنوب عن 66.7 في المئة بمحافظة أسيوط و59.6 في المئة في سوهاج، ثم الأقصر 55.3 في المئة، والمنيا 54 في المئة، وقنا بنحو 41 في المئة، وهي نسب مرتفعة تحتاج إلى جهود وفيرة من الحكومة لتخفيضها، وربما يمثل الاتجاه جنوبا وسيلة لدعم هذا الهدف.

وتسببت تردي الأحوال المعيشية في جنوب مصر في تصاعد نسبة الهجرة الداخلية إلى القاهرة، أملا في إيجاد فرصة عمل، إلى جانب ارتفاع معدلات الهجرة الخارجية غير الشرعية. وتميل هجرة أبناء الجنوب، المعروف بصعيد مصر، من قبل الفئات التي لا تمتلك مؤهلات إلى السوق الليبية للعمل في مجال التشييد والبناء.

ويرى جمال بيومي، أمين عام اتحاد المستثمرين العرب، أن المزايا التي تمنحها الحكومة المصرية للاستثمار في المناطق المهمشة تغير منحنى الاستثمارات العربية من الخدمات إلى الصناعة والزراعة.

وأوضح لـ”العرب” أن الاستثمارات العربية خلال السنوات الماضية تركزت في قطاعات العقارات والخدمات والسياحة والفنادق.

ويتيح هذه التحول تدشين استثمارات لزيادة القيمة المضافة للمنتجات والاقتصاد المصري، حيث تترتب عليه زيادة في حلقات التشغيل، ما يعظّم قيمة الاستثمار في الناتج المحلي، ويضاعف حركة رؤوس الأموال العربية في النشاط الاقتصادي.

ويعج جنوب مصر بثروات محجرية وتعدينية، قد تفتح آفاقا استثمارية جديدة أمام الشركات العربية لدخول هذه المجالات، إلى جانب قطاعيْ الزراعة والتصنيع الزراعي اللذين يشهدان فورة حاليا.

وتتسم الاستثمارات العربية بأنها متنوعة الأنشطة، فمعظم الشركات تعمل في أنشطة اقتصادية متنوعة، ويتيح هذا التنوع دخول المجموعة الواحدة في عدد من الأنشطة عبر أذرعها الاستثمارية المختلفة.

ويتصدر جنوب البلاد المركز الثاني في عمليات تأسيس الشركات الجديدة المدفوعة بحزم الحوافز، واستحوذ على 22.6 في المئة من تدفقات رؤوس الأموال المُصدرة للشركات الجديدة.

وأكد أسامة حفيلة، النائب الأول لرئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، لـ”العرب”، أن صعيد مصر أصبح مؤهلا لجذب الاستثمارات نتيجة تحسن البنية التحتية، لاسيما الطرق والمواصلات، وأصبح من السهل الوصول إلى موانئ البحر الأحمر من أي منطقة في جنوب البلاد.

وسرّعت فورة الاستثمارات العربية لجنوب مصر خطى الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وأعلنت عن عقد لقاء شهري مع أصحاب المشروعات لحل جميع المشكلات التي تواجههم، من خلال حوار مفتوح يضمن تذليل المعوقات.

العرب