مقتل أهم شخصية نووية إيرانية يعقد مهمة بايدن في المنطقة

مقتل أهم شخصية نووية إيرانية يعقد مهمة بايدن في المنطقة

يأتي اغتيال أبي البرنامج النووي الإيراني في لحظة حساسة للغاية في العلاقات بين طهران والغرب، ولاسيما الولايات المتحدة وسط ترقب دخول الرئيس المنتخب جو بايدن البيت الأبيض. ويسلط هذا التطور الضوء على مدى إضرار سياسة الضغط الأقصى لإدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب بالاستقرار الإقليمي ومدى الصعوبات التي تركها لخلفه لنزع فتيل التوتر في الشرق الأوسط، الذي يبدو أنه سيتفاقم على الأرجح.

واشنطن – عندما كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحافي في عام 2018 حول برنامج إيران النووي عن شخصية محسن فخري زاده، لم يكن رئيس برنامج الأسلحة النووية في إيران معروفا حتى بالنسبة لمعظم مواطنيه، ولكن بعد اغتياله أصبح اسمه على كل لسان.

وتنذر عملية اغتيال العالم النووي الإيراني، التي اتّهمت طهران إسرائيل بالوقوف خلفها، بخطر رفع منسوب التوتر في منطقة الشرق الأوسط، ولكن أيضا تعقيد الخطط الدبلوماسية للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن لاستئناف الحوار مع الجمهورية الإسلامية.

ويعتقد مراقبون أن استهداف فخري زاده، قد يُبخر فكرة إحياء الاتفاق النووي المبرم بين إيران والقوى العالمية في 2015، والذي صمّم الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب على ترك بصماته عليه قبل مغادرته البيت الأبيض في يناير المقبل.

وهنا، تتجه أنظار المتابعين إلى إسرائيل العدو الأبرز لإيران في المنطقة، إلى جانب السعودية، والتي من الواضح أنها تريد وضع بايدن أمام التزاماته الواقعية تجاه برنامج إيران النووي، وأن عودة الولايات المتحدة للاتفاق لن يؤدي إلا للمزيد من المشاكل في الشرق الأوسط.

يعتبر اغتيال فخري زاده نقطة تحول مهمة في فترة يعاني فيه العالم والشرق الأوسط على وجه الخصوص من خلافات عميقة بين قواه الكبرى وحروب وإرهاب وانتشار جائحة كورونا، مما قد يفتح الباب أمام توترات أكبر مع العام الجديد.

وبالنسبة لبعض المحللين الأميركيين، كان قتل فخري زاده عملية خطيرة تقوّض رغبة بايدن المعلنة في عرض “مسار موثوق للعودة إلى الديمقراطية” على الإيرانيين، في خطوة باتّجاه إعادة الولايات المتحدة للانضمام إلى الاتفاق النووي.

ووصف مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي.آي.أي) الأسبق جون برينان في تغريدة قتل العالم الإيراني بـ”العمل الإجرامي والمتهوّر بدرجة كبيرة”، قائلا إنه يحمل خطر إطلاق “أعمال انتقامية قاتلة وجولة جديدة من النزاع في المنطقة”.

وحضّ برينان، الذي ترأّس السي.آي.أي بين عامي 2013 وحتى 2017 عندما كان باراك أوباما رئيسا وبايدن نائبه، إيران على “انتظار عودة قيادة أميركية مسؤولة إلى الساحة الدولية ومقاومة الرغبة بالرد على الجناة المفترضين”.

وسارعت إيران إلى اتهام إسرائيل بالسعي لإثارة “فوضى” في المنطقة عبر استهداف مسلّحين سيارة فخري زاده البالغ من العمر 59 عاما في مدينة أبسرد بمقاطعة دماوند شرق طهران، وفق وزارة الدفاع الإيرانية، وألمحت بدرجة كبيرة إلى أن الدولة العبرية حصلت على ضوء أخضر من الولايات المتحدة لتنفيذ العملية.

وتوعد الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي صاحب القول الفصل بالبلاد السبت الماضي، بالانتقام لمقتل فخرى زاده وقال إن على المسؤولين مواصلة “الجهود العلمية والتقنية التي بذلها الشهيد فخري زاده في كل المجالات، التي كان يعمل فيها”.

واللافت أن هذه العملية إذا ثبت أن الموساد هو من قام بتنفيذها تعطي لمحة عن مدى هشاشة أجهزة الأمن الإيرانية، والتي لطالما كانت طهران تتفاخر بأنها قوية ويصعب اختراقها.

ومع أن واشنطن لم تبد موقفا واضحا لما حصل، لكن من الواضح أنها نسقت مع إسرائيل للقيام بذلك، فقد أعاد ترامب مشاركة منشورات لأشخاص آخرين على تويتر بما في ذلك تغريدة جاء فيها أن العالم الإيراني “مطلوب لدى الموساد منذ عدة سنوات”.

وبينما كانت واشنطن تعيد حاملة الطائرات الأميركية يو.أس.أس نيميتز مع مجموعتها من السفن الحربية إلى منطقة الخليج وسط إصراراها إلى أن لا علاقة بين الخطوة وعملية الاغتيال، حذّرت ألمانيا على لسان متحدث باسم خارجيتها من أي “تصعيد” جديد.

وقال المتحدث إنه “قبل أسابيع على تولي حكومة جديدة السلطة في الولايات المتحدة، يجب المحافظة على الحوار مع إيران لحل النزاع بشأن برنامجها النووي عبر التفاوض”.

ويتمثل الخوف الرئيسي في أن الاغتيال سيطلق سلسلة من ردود الفعل داخل النظام الإيراني، حيث سيزداد الضغط للانتقام، سواء ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة. وبالفعل توعد حسين دهقان بالانتقام، وهو أحد القادة السابقين للحرس الثوري الإيراني، ومرشح بارز في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر أن تجرى في الصيف المقبل.

أعلن ترامب قبل عامين انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، الذي أبرمته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا في ما يعرف بمجموعة 5+1 مع إيران وأطلق حملة “ضغوط قصوى” على طهران لمساعدة حلفائه في المنطقة، ويبدو أنه عازم على مواصلتها حتى مغادرته السلطة.

وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي زار إسرائيل مؤخرا، قد كشف الجمعة الماضي عن عقوبات اقتصادية جديدة ضد عدد من الشركات الصينية والروسية المتهمة بدعم برنامج الصواريخ الإيراني.

وقال مسؤول أميركي رفيع كان برفقة بومبيو لدى توقفه في أبوظبي لوكالة الصحافة الفرنسية إن “هذه الإدارة باقية حتى 20 يناير وستواصل سياساتها”.

وأضاف “آمل أن يتم استخدام وسائل الضغط هذه التي تعمل الإدارة جاهدة للتزود بها، من أجل تحقيق غرض جيد هو إجبار الإيرانيين مرة جديدة على التصرف كدولة طبيعية”.

ومع ذلك، يتفق المتخصص في مجال الدفاع لدى جامعة جورج واشنطن بن فريدمان مع الرؤية، التي تشير إلى أن الاغتيال سيجعل طريق بايدن مفروشا بالألغام على الأقل في الفترة الأولى من حكمه وقد تنتهي دون أن يفعل أي شيء، قائلا إن العملية كانت “عملا تخريبيا ضد الدبلوماسية والمصالح الأميركية وستساعد على الأرجح المتشددين الإيرانيين، الذين يسعون إلى (امتلاك) الأسلحة النووية”.

أما مستشار أوباما السابق بن رودز فقد رأى أن “هذا العمل المشين هدفه تقويض الدبلوماسية بين الإدارة الأميركية المقبلة وإيران”. وأضاف “حان الوقت لوقف هذا التصعيد المتواصل”.

لكن بعض المحللين رأوا أن اغتيال فخري زاده يقدّم ورقة ضغط للإدارة الأميركية المقبلة يمكن الاستفادة منها في أي مفاوضات محتملة مع طهران.

ويرى مدير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات مارك دوبويتز أنه لا يزال هناك نحو شهرين قبل تولي جو بايدن السلطة، ما يعني برأيه أن لدى “الولايات المتحدة وإسرائيل الكثير من الوقت لإلحاق أضرار شديدة بالنظام في إيران وتوفير أوراق ضغط لإدارة بايدن”.

العرب