القوى المدنية توظف “شركاء السودان” لاستعادة الزخم بالشارع

القوى المدنية توظف “شركاء السودان” لاستعادة الزخم بالشارع

الأحزاب والقوى المدنية المختلفة لم تنجح في كسب ود الشارع الذي ثار على نظام البشير، وبدل تحقيق مطالبه الاجتماعية، غرقت مختلف القوى في لعبة تقاسم السلطة، وهو أمر استغرق الكثير من الوقت، دون أن يتوصل إلى نتائج حاسمة، في ظل مخاوف متبادلة بين المكون المدني والمكون العسكري، وكذلك شكوك حركات المقاومة في ضمان دورها داخل مؤسسات “الثورة”.

الخرطوم – عقدت قوى الحرية والتغيير اجتماعات مكثفة، السبت، لبحث كيفية الرد على إعلان تشكيل “مجلس شركاء المرحلة الانتقالية” الذي أنهى هيمنة التحالف على توجهات الحكومة، وأفرز حاضنة سياسية جديدة، وسط توقعات بأن تكون الذكرى الثانية لانطلاق أولى المظاهرات ضد نظام البشير في 20 ديسمبر الجاري شرارة لاندلاع احتجاجات جديدة ضد السلطة الحالية.

وتستهدف الاجتماعات الوصول إلى صيغة مشتركة تحدد صلاحيات المجلس الجديد، كي لا يتعارض مع المجلس التشريعي المقبل، أو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، وتوسيع قاعدة مشاركة القوى المدنية ومراعاة نسب المرأة والشباب.

وتنأى القوى المدنية عن الدخول في صدام مباشر مع المكون العسكري، وتحاول ترميم التصدع الحالي عبر تمرير وجهة نظرها بشأن المجلس الجديد، لكنها قد تكون مضطرة للجوء إلى الشارع حال لم تتم الاستجابة لمطالبها.

وأعلن رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، الجمعة، تشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية، من 29 عضواً، بينهم 6 من العسكريين، و12 عضواً من قوى الحرية والتغيير، إضافة إلى رئيس الحكومة الانتقالية، و8 من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام، وتخصيص مقعدين لمؤتمر سلام شرق السودان.

الاجتماعات تهدف إلى صيغة مشتركة تحدد صلاحيات المجلس الجديد، كي لا يتعارض مع المجلس التشريعي المقبل، وتوسيع مشاركة القوى المدنية

ورفض مجلس الوزراء تكوين المجلس، ودعا جميع الأطراف إلى مراجعة قرار التشكيل والاختصاصات على ضوء الوثيقة الدستورية الحاكمة، واعتبر “الصلاحيات الواردة في قرار التشكيل، خاصة الفقرة التي تنص على منح المجلس سلطات أخرى لازمة لتنفيذ اختصاصاته، تعطي الانطباع بأن المجلس سيكون وصيا على الأجهزة المختلفة”.

دخلت الكتل الرئيسية داخل الحرية والتغيير في اجتماعات منفصلة، مساء الجمعة، أعقبها اجتماع موسع على مستوى المجلس المركزي، ظهر السبت، ومتوقع الدخول في مباحثات مغلقة مع رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، للوصول إلى رأي موحد للقوى المدنية يمنع تشرذمها في مواجهة المجلس الجديد.

وقد وجدت قوى سياسية عديدة عاصفة تشكيل المجلس فرصة لاستعادة زخمها في الشارع، وأضحى الحديث عن إمكانية تنظيم مظاهرات ضد المكون العسكري من قبل أطراف مدنية مشاركة في السلطة أمراً وارداً بقوة، تماشياً مع حالة الرفض الواسعة للمجلس التي بدأت بتنظيم لجان المقاومة مظاهرات ليلية في ولايات مختلفة.

وتعتبر دوائر سياسية أن الأجواء الحالية محفزة على استعادة شرعية الشارع مجدداً، رداً على إزاحتها من على قمة الهرم السياسي، لأن قطاعات شعبية واسعة أضحت متيقنة من أن مسار الثورة انحرف عن مساره بعد إرجاء تشكيل المجلس التشريعي.

وتعطلت مسارات تشكيل الهيئات ذات الصلة بمهام التحول الديمقراطي، بالتزامن مع تجميد ملف محاسبة رموز النظام السابق وتحقيقات فض اعتصام قيادة الجيش.

ويرى البعض من المراقبين أن الرهان مجدداً على الشارع لن يكون في صالح إتمام عملية الانتقال الديمقراطي بشكل سلس، ويعرقل استكمال بناء هياكل الحكم الانتقالي التي ما زالت عالقة حتى الآن، ما يفسح المجال أمام تمديد الفترة الانتقالية المتعثرة، ويضع أعباء جديدة على كافة القوى المشاركة في الثورة، ولن يكون باستطاعتها تحمل الكلفة السياسية والاقتصادية لعودتها إلى الشارع مجدداً.

وتلعب الأحزاب السودانية على حبال مختلفة لضمان الحفاظ على مكاسبها التي حققتها منذ الإطاحة بنظام عمر البشير، فهي تظهر كمعارض لتوجهات المكون العسكري داخل مجلس السيادة لكسب ود الشارع الذي بات فاقداً الأمل في السلطة الحالية، ولن تجد غضاضة في أن تبقى في صفوف اللجان الشعبية التي تقود حملات لتصحيح المسار الثوري.

واتفقت الأحزاب ذاتها مع باقي أطراف السلطة الانتقالية على تشكيل المجلس ودعمت إدخال تعديلات على الوثيقة الدستورية تنص على تأسيسه صراحةً، وسعت بعض القوى للحصول على مقاعد لها في المجلس بما يدعم حضورها في المرحلة الانتقالية.

ويواجه تصعيد القوى المدنية ضد المكون العسكري بشكوك شعبية في جديتها، لأن قوى الحرية والتغيير شاركت في الاجتماعات التي جرت في أكتوبر الماضي مع المكون العسكري والحركات المسلحة وتوصلت لصياغة المادة “80” التي نصت على أن المجلس سيقوم بحل التباين بين الأطراف المختلفة، وخدمة المصالح العليا للسودان، وضمان نجاح الفترة الانتقالية، وإصدار اللوائح المنظمة للمجلس.

وقال المحلل السياسي خالد سعد، إن ردة الفعل الحالية من قبل القوى السياسية تحركها مخاوفها من تبديل الحاضنة السياسية للنظام الانتقالي، إلى جانب الأبعاد القانونية والدستورية التي ترتبط بجدل متصاعد حول تفسير المادة “80” الخاصة باختصاصات المجلس الجديد، ويسعى كل طرف إلى تأويلها وفقاً لموقفه السياسي.

إيمان عثمان: اشتعال موجة ثورية جديدة أمر متوقع في ظل الانقلاب على الثورة

وأضاف لـ”العرب”، أن أطراف السلطة الانتقالية ستتوصل إلى تسوية تضمن إرضاء قوى الحرية والتغيير، لكن من المستبعد إلغاء فكرة المجلس، لأن تكوينه متفق عليه لاستيعاب ومشاركة أطراف اتفاقات السلام، والمشكلة تكمن في الصلاحيات فقط.

ولدى غالبية الأطراف آليات عمل سياسية للضغط من أجل فرض رؤاها، بما في ذلك الشارع الذي دعم وساند رئيس الحكومة، ومن خلفه المكون المدني سابقا، لكن نتائج الارتكاز على تلك الآليات تبقى غير معروفة وتتوقف على مدى استجابة الشارع.

وتلوح في الأفق فكرة النزول إلى الشارع لدى قطاع كبير من المواطنين، مدعوما بقوى سياسية انسحبت من تحالف الحرية والتغيير، في القلب منها الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين (السكرتارية الجديدة)، ولجان المقاومة الشعبية.

وتسعى هذه الأطراف لتغيير الدفة وإعادة ترتيب أوراق المرحلة الانتقالية بما يؤدي إلى بزوغ نجم المكون المدني مجدداً، ولديها أوراق عديدة تستخدمها في سبيل تحقيق ذلك، لأنها تتحالف مع الحركات المسلحة غير المشاركة في اتفاق سلام جوبا.

وأوضحت الكاتبة ورئيسة تحرير صحيفة “الميدان” (تابعة للحزب الشيوعي)، إيمان عثمان، أن إمكانية اشتعال موجة ثورية جديدة تعد أمراً متوقعاً في ظل الانقلاب الواضح على الثورة ومكتسباتها، ما فسح المجال أمام تغذية القبضة العسكرية على كافة مناحي الحياة السياسية، وذلك بعد أن تحول مجلس السيادة من هيئة شرفية إلى قوة تنفيذية.

وأوضحت لـ”العرب”، أن مواقف حمدوك وبعض الشخصيات المدنية في مجلس السيادة جاءت بعد فوات الأوان، ولن تستطيع تغيير الوضع القائم في ظل تماسك معسكر الحركات المسلحة والمكون العسكري، وبالتالي تصبح المباحثات السياسية دون أثر واضح، وتبقى هناك ضرورة للعودة إلى الحالة الثورية.

العرب