يبدو أن قوى المنظومة المافيوية المسيطرة على الدولة اللبنانية ومؤسساتها كافة قد انتقلت من الفعل إلى ردود الفعل العصبية المتوترة، بعد أن اكتشفت أن مفاعيل انتفاضة السابع عشر من أكتوبر 2019 ما زالت قائمة وأنّ تراكمَ ما حققته لا يتوقف.
هذا التراكم الذي تجلى باكتساح النوادي العلمانية في الجامعات الخاصة للانتخابات الطلابية، ما أسفر عن هزيمة كبرى لأحزاب هذه المنظومة، تؤكد أن خروج اللبنانيين وخصوصا الطلاب والشباب من تحت العباءات الطائفية والمذهبية التي تتحصن فيها هذه الأحزاب، بات عامّا ونهائيا على الرغم من الأجواء المشحونة التي تحاول هذه الأحزاب نشرها عبر الخطابات السياسية لقادتها وأزلامها والأدوات الإعلامية التابعة لها مباشرة أو محاباة.
جملة حوادث متفرقة، لكنْ معبرة، شهدتها الساحة اللبنانية خلال الأيام القليلة الماضية تعبر عن ضيق أحزاب هذه المنظومة من فوات خطابها السياسي، وعدم القدرة على استرجاع استتباع “الشوارع” والمساحات، التي كانت تعتبرها قواعدها الشعبية و”بيئاتها” الطائفية والمذهبية.
الخطاب الطائفي لقوى منظومة المناهبة لم يعد يجدي نفعا، بل بات سلاحا منتهي الصلاحية، ما انعكس توترا زائدا وعصبية مفرطة في خطابها وفي سلوكها
فبعد الفوز الذي حققته النوادي العلمانية في كل من الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة رفيق الحريري، بدا واضحا أن الفوز في انتخابات الجامعة اليسوعية سيكون كاسحا أيضا. فما كان من حزب الله، راعي المنظومة وحاميها، إلا أن أرسل مجموعات من شبيحته إلى قلب الأشرفية، حيث مبنى الجامعة، خلال أيام الانتخابات، لافتعال حوادث ذات طابع طائفي بوجه حزب القوات اللبنانية الذي كان مسيطرا على مجلس الجامعة لدورات انتخابية عديدة سابقة، حيث حصلت صدامات بين الفريقين على تخوم المبنى الجامعي، صدامات كان المطلوب منها شد العصب الطائفي لانتزاع الفوز من لوائح النادي العلماني.
وقامت جيوش إلكترونية من كلا الفريقين الطائفيين، حزب الله والقوات اللبنانية، بحملات واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتوسيع رقعة الاصطفاف الطائفي وقطع الطريق أمام لوائح “طالب” التي شكلها النادي العلماني في هذه الجامعة. الصدمة الكبرى جاءت في النتائج: فوز ساحق للائحة “طالب” وللنادي العلماني على أحزاب السلطة مجتمعة!
هذا يؤكد أن الخطاب الطائفي لقوى منظومة المناهبة لم يعد يجدي نفعا، بل بات سلاحا منتهي الصلاحية، ما انعكس توترا زائدا وعصبية مفرطة في خطابها وفي سلوكها وبالأخص سلوك حزب الله حيال معارضيه.
الحدث الثاني كان في قلب الضاحية الجنوبية وتحديدا في حي المريجة، حيث تعرضت الإعلامية مريم سيف الدين وأفراد أسرتها، وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية إلى صنوف من الضغوط لإرهابها وإجبارها على ترك منزلها ومغادرة المنطقة.
وكانت ليلة السبت/ الأحد الفائتة ليلة عصيبة على مريم. فبعد تعرض البلطجية لشقيقها بالضرب في محاولة قتل متعمد وإرسال رسائل التهديد بالقتل لها ولأفراد أسرتها، قامت مريم بالتوجه إلى مخفر المحلة لتقديم شكوى بحق المعتدين. غير أن القضية انقلبت في المخفر رأسا على عقب. فقد جُرّدت مريم من هاتفها المحمول ومنع عنها استدعاء محام وخضعت هي للتحقيق على مدى ساعات الليل، بينما كان المعتدون ينعمون بحماية ابن نائب حزب الله السابق أمين شري!
واضح أن حزب الله لم يعد يحتمل الكلمة الحرة في وقت تتراجع مقدرته على إخضاع القواعد الشعبية التي طالما اعتبرها بيئته الحاضنة لأجندته.
جملة حوادث متفرقة، لكنْ معبرة، شهدتها الساحة اللبنانية خلال الأيام القليلة الماضية تعبر عن ضيق أحزاب هذه المنظومة من فوات خطابها السياسي
في المقابل، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بحملات التضامن مع الإعلامية مريم سيف الدين وأسرتها، ما اضطر الأجهزة الأمنية إلى إخلاء سبيلها في ساعة متأخرة من الليل.
حادث آخر لكن تراجيدي هذه المرة، حيث تعرض العميد المتقاعد في الجمارك منير أبورجيلي للاغتيال على يد مجهولين. قتل الرجل في منزله عمدا بالضرب على الرأس بآلة حادة. لم تحدث أي عملية سرقة أو خلع أو كسر، ما أثار العديد من التساؤلات. وهذا يبعث على التساؤل عن علاقة عملية الاغتيال تلك بمجريات التحقيق في تفجير المرفأ.
أما الحادث الكوميدي الذي سوف أذكره هنا فهو أن حزب الله تقدم برفع دعاوى قضائية بحق من وجه له أصابع الاتهام في قضية تفجير المرفأ. ولكم أن تقهقهوا ضاحكين!
العرب